نِك ماير – «صدى الوطن»
بعد أقل من شهر على الرحلة المفاجئة التي قامت بها حاكمة ولاية ميشيغن، غريتشن ويتمر، إلى إسرائيل تحت عنوان «تمتين الروابط التجارية»، أقدمت سكرتيرة الولاية جوسلين بنسون –الاثنين الماضي– على خطوة مماثلة بإعلانها المفاجئ عبر «تويتر» أنها في طريقها إلى تل أبيب للاستفادة من خبرات إسرائيل التكنولوجية في مجال الأمن السيبراني لتأمين الانتخابات في ولاية ميشيغن.
وعلى شاكلة رحلة ويتمر التي رعتها منظمة «جويش فديريشن» (الاتحاد اليهودي) في منطقة ديترويت، جاءت رحلة بنسون برعاية معهد «بروجيكت إنترتشاينج» اليهودي، الذي أخذ على عاتقه «واجب» استضافة وفد من سكرتاريي الولايات الأميركية، ضم 11 سكرتيراً، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وتضمنت خطط الوفد الذي يضم بنسون، زيارة تل أبيب وحيفا والقدس، إضافة إلى الحدود الشمالية والجنوبية للكيان الإسرائيلي، كما يعتزم أعضاء الوفد الاجتماع بقادة مدنيين ورجال أعمال فلسطينيين في مدينة رام الله.
ومثلما أثارت زيارة ويتمر لتل أبيب حفيظة العرب والمسلمين الأميركيين بولاية ميشيغن، فاقمت زيارة بنسون مشاعر الغضب والاستياء في أوساط الجالية.
وفي هذا السياق، أشارت المؤسِّسة المشاركة لمنظمة «حركة التضامن الدولية الداعمة لفلسطين»، هويدا عرّاف، إلى أنها لم تتفاجأ برحلة بنسون إلى إسرائيل، رغم شعورها بخيبة الأمل الشديدة من جراء تلك الزيارة.
وقالت: «لست متفاجئة، لأنني أعلم أن إسرائيل توظف قدراً كبيراً من الطاقة والموارد للترويج لنفسها كقائد في مختلف الميادين، للتخفيف من وطأة احتلالها المستمر لفلسطين وقمعها للشعب الفلسطيني».
وأضافت المحامية الفلسطينية الأصل، في رسالة إلكترونية أبرقتها لـ«صدى الوطن»: «ذلك الجهد يشمل العمل مع منظمات وأفراد في الولايات المتحدة، وحول العالم، لجذب السياسيين والمسؤولين الحكوميين وغيرهم من الشخصيات المؤثرة» لزيارة دولة الاحتلال، مؤكدة أن «لدى إسرائيل عملاء يعملون بجد على هذا الأمر».
وفي الإطار، أعربت عرّاف عن «خيبة الأمل واستياء شديد» بسبب توظيف المسؤولين المنتخبين لدولارات دافعي الضرائب من أجل «التعاون مع الدولة المسؤولة عن الانتهاكات الشنيعة لحقوق الإنسان وسياسات الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني المستمر».
وتقدّم إسرائيل نفسها كدولة رائدة في مجال الأمن السيبراني، في حين يزداد الجدل حول أمن العملية الانتخابية في الولايات المتحدة، لاسيما بعد اتهام روسيا بتدخلها في الانتخابات الرئاسية 2016 من خلال المنصات الإلكترونية، والتي كان لها –بحسب الديمقراطيين– الأثر الأكبر في وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
واستهجنت عراف أن يلجأ المسؤولون الأميركيون إلى إسرائيل للتعاون معها في الأمن السيبراني، وقالت: «من المقلق أن يتعاون المسؤولون الأميركيون مع إسرائيل في القضايا الأمنية، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار سجلها السيء في حقوق الإنسان»، مضيفة: «حقيقة الأمر أن إسرائيل تحصل على خبراتها الأمنية المزعومة من خلال تجريبها في الفلسطينيين، الذين تنتهك حقوقهم الإنسانية والمدنية ولا تحترمها».
وكانت بنسون قد أعادت، الخميس الماضي، نشر تغريدة لسكرتير ولاية آيوا، بول بايت، وصف إسرائيل فيها، بأنها «رائدة في الأمن السيبراني».
من جانبه، اعتبر ناشر «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، أن سجل الدولة العبرية في الأمن السيبراني تحديداً يدعو للقلق، لافتاً إلى أن موقع «فيسبوك»، الذي يمتلك تطبيق «واتساب»، رفع في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي دعوى قضائية ضد شركة «أن أس أو» التكنولوجية الإسرائيلية بتهمة التجسس على المئات من مستخدمي التطبيق.
وقال إن الدعوى تتهم برامج التجسس لدى «أن أس أو» باختراق هواتف المستخدمين بواسطة رسائل مشفرة عبر تطبيق «واتساب»، مشيراً إلى أن الشركة الإسرائيلية استهدفت –على مدار أسبوعين– الهواتف المحمولة لأكثر من 1400 مستخدم في 20 دولة، بينهم نشطاء حقوقيون ومحامون وصحفيون وأكاديميون، وفقاً للدعوى القضائية.
المدير التنفيذي لـ«الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» (أي سي آر أل)، ناصر بيضون، أشار إلى أن «إسرائيل تتدخل في الانتخابات الأميركية أكثر من أية دولة أخرى في العالم»، وقال إنه لا يشعر بأنه من الصواب أن تزور بنسون إسرائيل التي تحرم الفلسطينيين بشكل مستمر من حق التصويت في المناطق التي تحتلها.
وكان موقع «فيسبوك» قد علّق خدمة الرسائل الإلكترونية للحملة الانتخابية لحزب «الليكود»، لمدة 24 ساعة، بعد تحريضه الدموي ضد المواطنين العرب والقيادة العربية المنتخبة في إسرائيل، في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة. وعللت إدارة الموقع الأزرق قرارها بالقول إنه «تم تعليق الحملة الانتخابية لحزب الليكود، وذلك بسبب انتهاك سياسات النشر، فبعد متابعة ومراجعة المنشورات وجدنا انتهاكاً لسياساتنا بما يتعلق بخطاب الكراهية، في إشارة إلى تعليق نشره نتنياهو، قال فيه: إن العرب يريدون تدميرنا جميعاً، أطفالاً ونساء ورجالاً».
ووفقاً لمركز «عدالة» القانوني، وهو مركز غير ربحي يديره فلسطينيون في إسرائيل، فإن الدولة العبرية سنّت أكثر من 65 قانوناً يميز بشكل مباشر، أو غير مباشر، ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.
وفي هذا الإطار، أعربت عراف عن مخاوفها بشأن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وقالت: «ما رأيناه كنتيجة لتدريب أفراد من وكالات إنفاذ القانون الأميركية مع الشرطة والجيش الإسرائيليين، هو عسكرة قوات الشرطة لدينا، وزيادة التمييز العنصري، والقمع العنيف للاحتجاجات السلمية»، لافتة إلى أن «منظمة العفو الدولية انضمت إلى دعوى قضائية تتهم شركة إسرائيلية للأمن السيبراني ببيع منتجاتها لأنظمة قمعية استهدفت الناشطين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان»، وقالت: «هذا أمر شنيع حقاً».
وتعود بنسون إلى ميشيغن في 20 ديسمبر (مع صدور هذا العدد). ولم يعلن مكتبها حتى الآن نتائج الرحلة عما إذا أسفرت عن توقيع اتفاقيات بشأن العملية الانتخابية.
من جانبها، تقول عراف إن العلاقات السيبرانية مع إسرائيل غير ضرورية، ولعدة أسباب. وقالت: «لا تحتاج ميشيغن، ولا أية ولاية أخرى، للجوء إلى إسرائيل لكسب هذا النوع من الخبرات»، مضيفة: «أنا واثقة من أن الميشيغندريين لا يريدون أن يجلب مسؤولوهم سياسات المراقبة الجماعية والشرطة المعسكرة، هذه ليست هي الخبرات التي يريدها سكان الولاية».
الناشط والكوميديان الفلسطيني عامر زهر، انتقد بنسون وسكرتاريي الولايات الـ11 المشاركين في زيارة إسرائيل، لافتاً إلى أن رحلة بنسون إلى مدينة رام الله هي مجرد محاولة لتبييض زيارة دولة الاحتلال التي تنتهك أبسط حقوق التصويت والمساواة والتكافؤ بين الناخبين، واصفاً الزيارة بأنها «مقلقة» خاصة عندما يتعلق الأمر بمسؤولة حكومية تناط بها مهام الإشراف على الانتخابات في الولاية التي يقطنها مئات آلاف العرب الأميركيين.
وقال أستاذ القانون في جامعة «ديترويت ميرسي»: «إنه لأمر مقلق للغاية، أن يذهب أي سكرتير ولاية إلى دولة تمارس سياسات الفصل العنصري رسمياً في بلد يبلغ عدد سكانه 5 ملايين نسمة، إذ لا يحق للفلسطينيين التصويت في انتخابات الدولة التي تحتلهم».
وأضاف زهر إن إسرائيل تراقب إلكترونياً، الناخبين من عرب فلسطين في مراكز الاقتراع، وتثنيهم عن الإدلاء بأصواتهم من خلال التخويف والترهيب. وقال: «إسرائيل هي دولة لا تمارس الحقوق الديمقراطية ولا حقوق المساواة ولا حقوق التصويت.. لا يوجد أي شيء يمكن أن تتعلمه بنسون من إسرائيل حول حقوق وممارسات التصويت المتساوية».
Leave a Reply