وليد مرمر
عندما تبجح مقدم البرنامج الحواري «مسح الأضرار» أو The Damage Report على محطة «فوكس نيوز» جون إيدرولا أنه باغتيال قاسم سليماني أوقفنا الهجوم التالي علينا، أجاب هيرالدو ريفييرا:
– استناداً على أي معلومات موثوقة يمكنك توقّع ما نوعية الهجوم الذي تدعيه؟
– إيدرولا: بالتأكيد بالاعتماد على المعلومات الاستخباراتية.
– هيرالدو (متهكماً): نعم.. ذلك أن أداء أجهزة الأستخبارات كان ممتازا منذ عام 2003 عندما غزونا العراق من دون سبب! لا تهلل كثيراً لهذه الحادثة.. فنحن قد أطلقنا العنان للتو لـ …
– إيدرولا (مقاطعاً): سوف أهلل.
– هيرالدو: لو أراد ترامب خفض التصعيد فليس عليه سوى استرجاع جنودنا هناك إلى بلادهم..
– إيدرولا: وماذا عن الـ700 جندي الذين قضوا هناك؟ أهذا سيجعلهم سعداء؟
– هيرالدو: وماذا عن عشرات ألاف العراقيين الذين قتلوا منذ 2003؟ ماذا نفعل في بغداد بحق الجحيم؟
– إيدرولا: أتلوم الرئيس بوش لإطاحته بصدام حسين؟
– هيرالدو: بل ألوم بوش لزعمه الكاذب بوجود أسلحة دمار شامل في العراق ولأدائه الخادع الذي أدخلنا في تلك الحرب…
وعندما استضافت مارتا ماكالوم، هيرالدو ريفييرا في «فوكس نيوز أليرت»، سألته عن المعلومات حول اكتفاء إيران حالياً بردها وعدم رغبتها بالتصعيد أكثر أجاب:
– هذا يؤكد نظريتي بأنهم لم يرغبوا بقتل أميركيين بضربتهم.. إن هؤلاء هم نفس القوم الذين أسقطوا طائرتنا المسيرة وأصابت صورايخ الكروز لديهم بدقة مصافي تكرير النفط في «أرامكو» في السعودية… أنا أعتقد أن باستطاعتهم أن يدخلوا صاروخاً باليستياً في إطار نافذة السيارة لو أرادوا… تذكري مارتا بأن المعلومات التي وصلت إلينا تفيد أن الإيرانيين قد أبلغوا المسؤولين العراقيين مسبقاً عن الضربة وبالتالي فقد أبلغنا العراقيون عنها… إن عين الأسد هي قاعدة كبيرة جداً… ومن الواضح أن بعض حظائر الطائرات قد أصيبت.. ولو أرادوا أن يستهدفوا الثكنات أو الأماكن التي يتواجد فيها الجنود لفعلوا ذلك. أيضا تذكّري السرعة التي ظهر فيها وزير الخارجية (محمد جواد) ظريف بعد الضربة وأعلن أن الأمر انتهى وأنهم اكتفوا بذلك، وكيف أعلن ترامب عقب ذلك تأكيده أن الأمر انتهى… يبدو لي أنه لو أراد الإيرانيون أن يقتلوا جنوداً أميركيين لكانوا أمروا مواطنيهم بالنزول إلى الملاجئ… ولكانوا قد أنذروهم مع جنودهم بأن «الأرماغدون» (معركة نهاية العالم) في طريقها إلينا… ولكنهم لم يفعلوا!
– مارتا: بعض المواقع الإلكترونية قد أعلن أن انتقام إيران سوف يكون عبر شبكاتها العديدة التي أسسها سليماني… لا أعتقد أن أي شخص يظن أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد.
– هيرالدو: لهذا السبب بالضبط أعتقد أن قتل سليماني كانت فكرة رديئة نفذت بشكل ذكي! لقد راقبوه وعرفوا مكانه وقتلوه.. ولكن لماذا؟! ماذا جنينا من ذلك؟! وماذا ستكون النتيجة النهائية؟
– مارتا (مقاطعة):… من أجل إنقاذ حياة أميركيين!
– هيرالدو: منذ شهرين فقط كان هذا الرجل يقاتل معنا ضد «داعش» و«النصرة»! هذا سخيف… كيف لرجل أن يتحول من وحش إلى حليف ثم إلى وحش في وقت قصير جداً؟ نحن بحاجة إلى خطة للشرق الأوسط ولعلاقتنا مع المنطقة ككل.. بما أنه أصبح لدينا اكتفاء ذاتي من النفط، لماذا علينا أن نضع جنودنا في دائرة الخطر؟ إنهم مجرد أهداف الآن… إني محبط من قتل سليماني لأن الرئيس قد وعد بعودة جنودنا… من نساعد حقاً هناك غير السعوديين؟
– مارتا: نساعد الشعب الإيراني…
– هيرالدو: لقد شاهدت التقرير الذي أعدته «لارا لوغن» التي أحترم كثيراً… أنا أعتقد أننا نبالغ ونغالي في تقدير حجم المعارضة الإيرانية. لقد كانت المعارضة الإيرانية فعالة عام 1979 ضد الشاه..
– مارتا (مقاطعة): هناك الكثيرون غير سعداء في ذلك البلد
– هيرالدو: نعم، ربما الثلث…
– مارتا: 1500 من الشعب تم قتلهم من قبل سليماني والنظام..
– هيرالدو: لقد شاهدت الملايين يملأون الشوارع في تشييع سليماني! هل تم إجبار هؤلاء الملايين على المشاركة بالتشييع بالقوة؟ نحن إنما نوهم أنفسنا حول الوضع في إيران منذ عقود حتى الآن.
– مارتا: شكراً لحضورك في هذه الأمسية.
ولا شك أن تداعيات اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس لم تنته فصولها بعد. لقد كان سليماني أقرب إلى الأسطورة منه إلى الواقع. وهو ربما يكون الرجل الوحيد الذي استطاع أن يجمع بين العمل الميداني والاستراتيجي وفي دول عدة في آن واحد. وهو قد نجح في إرساء منظومة مقاومة عابرة للطوائف تمتد من أفغانستان إلى اليمن مرورا بالعراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى غزة.. هو الذي وحد أطياف العراق السياسية المتعددة وأنشأ «الحشد الشعبي» الذي قهر «داعش».
باعت «داعش» النساء الأيزديات في أسواق الموصل، ولولا سليماني لبيعت حرائر الشيعة والمسيحيين وباقي الأقليات في أسواق بغداد والبصرة، وعلى مرأى من العالم المتحضر! لقد دافع مشروع سليماني عن الأقليات المسيحية في سوريا والعراق بعدما تخلى عنها الغرب وسلم مصيرها لـ«داعش» وأخواتها! ولقد أجمع محبوه وكارهوه على أنه كان رأس حربة في القضاء على داعش في العراق وسوريا ولبنان. وهذا فحوى ما صرح به الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) الجنرال ديفيد بترايوس عندما أقر بأن سليماني كان من السباقين للتصدي لـ«داعش».
بل هذا ما ألمح إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنفسه في خطابه الأخير عندما قال: «إن داعش هي العدو الطبيعي لإيران والقضاء على داعش هو أمر جيد لإيران… لذا يجب علينا العمل سوية على هذا الأمر وعلى أولويات مشتركة أخرى».
لم يبخل سليماني ببذل كل طاقته للدفاع عن الأكراد أيضاً. فعندما سأل مذيع قناة الميادين عضو ائتلاف «دولة القانون»، الشيخ حيدر اللامي، عن سبب تشييع جثمان سليماني في العراق قبل نقله إلى إيران أجاب:
– الحاج قاسم سليماني له بصمة كبيرة في العراق وعند العراقيين. أنا لا أتكلم عن الشيعة… أنا أتذكر الرئيس بارزاني عندما قال: لمّا صار الدواعش على بعد خمسة كيلومترات من أربيل اتصلت بـ23 دولة أستجير بهم فلم تستجب لي أية دولة.. وعندما اتصلت بالجنرال قاسم سليماني وصلني المدد خلال ساعات فقط وبذلك تم درء الخطر عن أربيل.
وأضاف اللامي: أنا قلت هذا الكلام على قنوات كردية بأنه لولا الحاج سليماني لما كان الأكراد ينعمون الآن بالسلام، لذلك قاسم سليماني كان لكل العراق، تجده في غرب العراق، تجده في الموصل، تجده في كل الأماكن… لقد كان قريباً من الجميع.. وهو أول من أعز العراق سنةً وشيعةً وأكراد.
وتابع قائلاً: له في كل بيت عربي بصمة كبيرة. أنا كنت من مؤسسي لواء «أبابيل»، ولقد هرب الكثير من الناس في الأيام الأولى… عندها نزل الحاج سليماني بنفسه أمام المقاتلين محفزاً ومشجعاً. وأقل ما نفعله الآن هو أن نشيّعه بشكل لائق أمام كل العراقيين».
سيظل قائد «فيلق القدس» منارة للثائرين والأحرار في العالم لوقت طويل. فهو بحسب مجلة «فوربس» الأميركية، ثاني أقوى وأخطر رجل في العالم لعام 2011، وهو «إله الانتقام» و«العدو اللدود» وفق صحيفة «غارديان» البريطانية في عام 2011 ومجلة «نيوزويك». ووصفته صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه «قائد الظل» والمسؤول عن السياسة الإيرانية تجاه جيرانها. كذلك اجتمعت مع غيرها في الإشارة إلى أنه من أقرب المقربين إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرنية.
يذكر مارتن تشولوف مراسل «الغارديان» أنه عندما سأل وزير أمن الدولة السابق شروان الوائلي عن المرة الأخيرة التي أتى فيها قاسم سليماني إلى المنطقة الخضراء، اتخذت المحادثة الرسمية بينه وبين الوائلي منحى مختلفاً ما أن تم ذكر اسم سليماني ثم ارتجفت يد الوائلي اليسرى قليلاً وتجهّمت ملامحه وأجاب، تقصد السيد قاسم سليماني… معطياً إياه درجة كبيرة من الاحترام، رافضاً الإفصاح عن أي معلومات، بحسب تشولوف.
وورد في تقرير ديكستر فيلكينز، أن الرئيس العراقي السابق جلال طالباني كان من أشد الذين يهابون سليماني. ويذكر التقرير أنه لدى زيارة ضابط استخبارات كبير في بغداد لطالباني في منزله خلال رحلة قام بها إلى شمال العراق، وبعد أن دخل مكتب طالباني رأى سليماني جالساً هناك وهو يرتدي قميصاً أسود وسترة سوداء. رمق كلا الرجلين أحدهما الآخر بريبة، يتابع التقرير عن ضابط الاستخبارات قوله: «كنت أعرف من يكون وهو يعرف من أكون، وعندما تصافحنا لم يقل شيئاً، وأضاف الضابط: «أنا لم أرَ قط الطالباني مجاملاً لأحد إلى هذا المدى. لقد كان يشعر بالوجل والرهبة».
هذا هو نفس الرجل الذي يقول عنه المقربون منه إنه كان متواضعاً لدرجة لا توصف. يتنقل من دون حماية أمنية تذكر. يداوم على صلاة الليل.. ويطلب دوماً من محبيه الدعاء له بالشهادة.
Leave a Reply