«ألكساندر» .. عنوان الأناقة والتميّز
حسن عباس – «صدى الوطن»
لم تكن مهنة الخياطة مهنة عادية في يوم من الأيام، بل هي واحدة من أكثر المهن اليدوية التي تتطلب مهارة وذوقاً رفيعاً. ولكن هذه المهنة القديمة قدم الحضارة بدأت تعاني –كغيرها من المهن اليدوية– من التحديات المتلاحقة سواء بسبب انتشار ثقافة الاستهلاك أو تسارع التحولات في عالم الموضة والتي لا يقدر على مواكبتها سوى كبريات شركات الأزياء العالمية.
فخلال العقود الأخيرة، بدأ تفصيل الألبسة بالانحسار، وأصبح الخياطيون مقصداً لأصحاب الأذواق الرفيعة والمغرمين بالشياكة الفاخرة واللمسات الخاصة، حتى باتت كلمة السر في تفصيل الألبسة: الفرادة والتميز!
الفرادة والتميز، هما أول ما يجذبك وأنت تدخل متجر «ألكساندر» في مدينة نورثفيل (شمال غربي ديترويت). ففلسفة المتجر الأنيق الذي أسسه اللبناني الأميركي أليكس حمقة، يعتمد بشكل أساسي في نجاحه على مبدأ جعل الزبون يستسيغ فكرة أن يبدو أنيقاً ومتميزاً، حتى أصبح «ألكساندر» اليوم مقصداً لهواة الأناقة من نجوم الفن والرياضة ورجال الأعمال والمجتمع.
كل شيء في المتجر بديع، وقصة صاحبه اللبناني الأصل لا تخلو من الإثارة أيضاً.
أرشيف الصور في غرف المقاسات يؤكد شهرة المتجر في مجتمع مشاهير الرياضة وهوليوود، ومقصّ أليكس يقصّ حكاية الخياط الشاب الذي قرر ترك دراسة طب الأسنان، لمواصلة مهنة آبائه وأجداده، متوجاً مسيرته التي تمتد على مدى 15 عاماً، بـ«امبراطورية ناشئة» تشهد المزيد من النجاح والرواج والتألق بمرور الأيام.
وراء كل ذلك المزيج من الألق والشهرة، يطالعك أليكس (39 عاماً) بتواضعه وأدبه الجم، وهو يحدثك عن البدايات مفصحاً عن أسرار بعض تصاميمه التي تجمع بين سحر الماضي والذوق العصري.
وعلى الرغم من أن متجر «ألكساندر» يروج لبضائعه وموديلاته بالدعاية والإعلان، إلا أن أليكس يفضل البقاء بعيداً عن الأضواء، وقضاء الوقت مع الزبائن أو مع خياطيه وعماله في الصالات الخلفية من المتجر، حيث يواظبون على أشغالهم بمهارة منقطعة النظير.
في الواقع، ينخرط أليكس في جميع العمليات التي تجري داخل المتجر، إضافة إلى تقديم الخدمات الاستشارية، وتعزيز العلاقات مع مختلف الشركات المصنعة للألبسة حول العالم.
بداية القصة
كان أليكس قد بدأ الدراسة التحضيرية لدراسة طب الأسنان، حين ألم المرض بوالده، قاسم حمقة، مما اضطره إلى ترك الدراسة والتفرغ لإدارة متجر أبيه في مجمع «لوريل بارك مول» التجاري في مدينة ليفونيا.
في هذا الصدد، يقول أليكس: «كنت أتدرب على الخياطة في محل والدي، ومع الأيام فهمت المصلحة كمراقب عن بعد، ولكنني لم أدرك ما معنى أن تكون خياطاً، حتى أصاب والدي المرض». ويضيف: «لقد حصلت على فرصة لتفصيل ثياب بعض الشخصيات المؤثرة، ووجدت نفسي سعيداً للغاية، ومنذ ذلك الحين بدأت أفكر في المستقبل».
ترك أليكس الجامعة ليدير أعمال والده الذي أقعده المرض لمدة ثمانية شهور بعيداً عن إدارتها، وكان يثابر على تطوير نفسه بنفسه مستثمراً بعض المهارات التي توارثها من عائلته، ومن أسرار الخياطة اللبنانية.
أدرك الشاب بسرعة أنه وجد ضالته التي كان يبحث عنها، بالرغم من كونها مهنة تعاني من سكرات الموت.
«الخياطون هم سلالة في طور الموت.. لن تجد الكثيرين منهم في هذه الأيام. لقد تعلمت ما معنى أن تكون يداك ماهرتين، هذه المهارة يمكن توريثها»، ويتابع أليكس بالقول: «لو كنت قد أكملت دراسة طب الأسنان، ما كنت لأكفّ عن تأسيس متجري هذا، هاتان المهنتان مناسبتان لي تماماً».
قرر أليكس أن يقتفي آثار عائلته، ما جعل الكثير من الزبائن المحليين يشعرون بالامتنان، وفي عام 2004 افتتح متجره الخاص (ألكساندر)، الكائن على: 124 شارع وست ماين، بمدينة نورثفيل، التي تعتبر إحدى أرقى ضواحي مدينة ديترويت. وعام 2015، اشترى أليكس المبنى المجاور لمتجره وقام بتوسيع صالة العرض التي تتميز بعرض أنيق للبدلات والأحذية وغيرها من الأكسسورات الأخرى.
أدق التفاصيل
بالرغم من أنه حافظ على لمسات وأسلوبية عائلته في الخياطة، إلا أن مهارته الخاصة وطموحه الشخصي دفعاه إلى تحقيق حلمه بأن يصبح علامة بارزة في سوق تفصيل الملابس، وفي هذا السياق، يقول: «لقد كان هدفي منذ البداية هو التحكم بالمنطقة والسيطرة عليها.. لقد أردت أن أكون أحد أفضل الخياطين في ولاية ميشيغن».
جانب آخر مثير في قصة أليكس، يتمثل في يفاعته عندما التحق بسوق العمل، ففي سن الـ24 كان الخياط الوحيد في متجر والده، وكانت جميع الخيوط في يده، بما فيها خدمة الزبائن وشراء الأقمشة وإجراء الحسابات، وغيرها من الأمور الأخرى. وهذه الروح المستقلة لاتزال تميز هذا الخياط اللبناني الأصل على الرغم من أن أعماله قد اتسعت بشكل كبير.
اليوم، يعمل أليكس مع العديد من رجال الأعمال البارزين، ومع شركات تقوم بتوظيفه لتفصيل بدلات لرؤسائها التنفيذيين وزوارها القادمين من الدول الأجنبية، كما أنه يقيم شراكة مع مجموعة استشارية لتعليم «الإتيكيت» للمدراء التنفيذيين. ويقول في هذا الإطار: «إنني مازلت في طور التعلّم في هذا البزنس، حتى هذه اللحظة».
حنكته وخبرته لا تخفيان حتى على عابر سبيل، ويمكن تلمسهما من تركيزه الجاد والصارم على عمله، تماماً كالخطوط والمنحنيات التي تتضمنها تصاميم بدلاته الرجالية الأنيقة، ناهيك عن لطفه ودماثته التي كانت سبباً إلى اطلاعنا –في «صدى الوطن»– على كيفية إضفاء اللمسات الأخيرة على منتجاته في المشغل الخلفي من متجره، حيث يواصل فريق من أمهر الخياطين تطبيق مهارات متوارثة على الأقشمة الباهظة الأثمان.
«صدى الوطن» رصدته وهو يتحدث بالعربية مع خياط مسنّ للتحقق من إنجاز بعض الخطوات بالطريقة المثلى، وبعدها شرح لنا أليكس كيفية وضع تصاميم البدلات على الورق، وقص النماذج، وصولاً إلى الخياطة الداخلية وثقوب الأزرار، مشيراً إلى أن الكثير من الأعمال يتم إنجازها بشكل يدوي، بواسطة موظفين متخصصين.
بالإضافة إلى الزبائن الاعتياديين، يجذب متجر «ألكساندر» الكثير من الزبائن الشباب الذين يولون اهتماماً كبيراً بارتداء البدلات ويقبلون بشكل واسع على المتاجر المتخصصة بها في كافة أنحاء ميشيغن، متأثرين ببعض البرامج التلفزيونية الشهيرة، مثل «ماد مِن» و«برودوورك إمباير». وهنا يقول أليكس: «الكثير من تلك المتاجر ليس لديها خياطون، على عكس ما يميز ألكساندر»، مضيفاً: بالنسبة لمتجرنا، يمكن للزبائن اختيار الأقشمة بأنفسهم، والموديلات التي يفضلونها، إضافة إلى إمكانية الحصول على بعض الإضافات الخاصة التي لا توفرها المتاجر الأخرى».
ويتابع: «إنه لمن المهم بالنسبة لي أن أكون دقيقاً وصارماً في عملي، وأن أكون حاضراً في المشغل الخلفي من المتجر، لكي أتعلم قدر المستطاع من خياطينا ذوي الخبرة.. هدفنا هو التأكد بعد الانتهاء من تفصيل البدلة من أنها فُصلت بالشكل الصحيح منذ الخطوة الأولى».
بدوره، ابن شقيقة أليكس، مايك دباجة، يتمتع بحضور خاص داخل «ألكساندر»، فتدرك من اللحظة الأولى بأنه ليس غريباً عن النجاح.
دباجة، شاب في العشرينات من عمره، هو محاسب يدير مكتباً للمحاسبة في مدينة ديربورن، بالتعاون مع أخويه: خليل ووسام. وبالإضافة، إلى أعمال المحاسبة، يواصل دباجة عمله في «ألكساندر»، وغالباً ما يجذب العملاء الذين يحتاجون إلى خدمات المحاسبة. لقد حرص أليكس على إيقاء أقاربه للعمل في المتجر، ما فتح لهم الباب على مصراعيه للتعرف على عالم أوسع.
يبدي دباجة فخره بما حققه خاله، وقال: «ونحن نكبر، نتطلع جميعاً إلى أن نكون مثل خالي»، مضيفاً: «لقد كنت محظوظاً بما فيه الكفاية لأتعلم من خبرات خالي وجدي.. هذه الفرصة لا تتاح لأي كان».
وتابع بالقول: «أقوم بالكثير من أعمال الخياطة، وأنظر إلى هذه التجربة باعتبارها نعمة أردت التمسك بها وعدم تركها. أحياناً كنت أمضي أوقاتاً متأخرة من الليل، تماماً كما فعل خالي لسنوات، لقد ساعدني هذا المكان على فهم عالم الأعمال بطريقة خاصة».
وبالعودة إلى إليكس، فقد قال: «في متجر ألكساندر.. تجد الأفضل، هنا يهمّك أن يكون مظهرك أنيقاً.. إنه أمر يتعلق باحترام الذات والشعور بالرضا». وأضاف: «الأجيال الجديدة، سواء أكانوا عرباً أم غير عرب، باتوا يفهمون بأن ارتداء البدلات يجلب مستوى آخر من الاحترام».
Leave a Reply