كمال ذبيان – «صدى الوطن»
بدأت المهلة التي وضعها الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة في لبنان الدكتور حسان دياب، تشارف على نهايتها مع مرور خمسة أسابيع على بدء التأليف الذي كان قطع شوطاً متقدماً، نحو الإعلان عن الحكومة، وقد حدّد موعداً لذلك رأس السنة، إلا أن تعقيدات ظهرت، أخّرت ولادة الحكومة دون أن تجهضها، إذ عاد الحديث عن حكومة تكنو–سياسية، لا تتطابق مع المواصفات التي يطمح إليها دياب بأن تكون حكومة اختصاصيين مستقلين.
ظهور الخلاف
الخلاف بين الرئيس المكلّف وفريق الأكثرية النيابية الذي سمّاه لتشكيل الحكومة، بدأ بالظهور لدى مناقشة شكل الحكومة العتيدة، وهو ما كان موضع خلاف مع الرئيس سعد الحريري، الذي اشترط ترؤس حكومة «تكنوقراط»، فعارضه كل من حركة «أمل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر» و«تيار المردة» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» ونواب آخرون، طالبوا بحكومة سياسيين تضم تكنوقراط، كما في حكومات سابقة. لكنّ الحريري أصرّ على حكومة لا تضم سياسيين وحزبيين، فرفض فريق الأكثرية النيابية، بأن رئيس الحكومة سياسياً وحكومته من أصحاب اختصاص، فإما أن تكون سياسية برئاسته وفيها اختصاصيون، أو لن يحصل على أصواتهم، فقرّر الاعتذار، بعد أن سبقه إلى الإعتذار الوزيرين السابقين محمد الصفدي وبهيج طبارة ثم المهندس سمير الخطيب، لتؤول رئاسة الحكومة لحسان دياب الذي شغل منصب وزير التربية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وبتكليف دياب، أصبح تشكيل حكومة من اختصاصيين غير حزبيين، مقبولاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتياره السياسي (التيار الوطني الحر)، فتمّ القبول به، بعد أن وافقت عليه كل من حركة «أمل» و«حزب الله» وحلفائهما، فحصد 68 صوتاً في الاستشارات النيابية، مما شكل غطاء سياسياً منقوصاً لدياب في ظل افتقاده لأية تغطية سنّيّة، سواء سياسياً أو دينياً، في ظل امتناع «دار الفتوى« و«تيار المستقبل» (20 نائباً) عن دعمه.
كما لم يلقَ دياب تأييد «القوات اللبنانية» التي لديها تكتّل نيابي من 15 نائباً، وكذلك لم يحصل على تأييد «اللقاء الديمقراطي» (9 نواب).
ورغم تسميته من قوى «8 آذار»، نأى دياب بنفسه عن تشكيل حكومة سياسية من لون واحد، متمسكاً بحكومة مستقلين ليعفي نفسه من عباءة «حزب الله»، وفق التوصيف الذي أطلق عليها من قبل مناوئين له، وفي ظل تفاهم مع الرئيس عون بألا يقال بأن الوزير جبران باسيل هو من شكّل الحكومة، فيظهر دياب، وكأنه يعمل «باش كاتب»، عند رئيس الجمهورية الذي يتهمه خصومه بأنه يسعى إلى نسف اتفاق الطائف، والعودة إلى المرحلة السابقة حين كان رئيس الجمهورية هو مَن يعيّن رئيس الحكومة ويسمّي الوزراء.
إصرار دياب
طموحات دياب لم تلقَ التأييد المطلق من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري ولا رئيس الجمهورية اللذين عادا ليطرحا حكومة تكنو–سياسية، وسط خلاف حول عدد الوزراء، حيث يريد دياب أن تكون الحكومة مصغرة من 18 وزيراً، ولا تضم نواب أو وزراء سابقين، مع تخصيص حصة وازنة للنساء، وإلغاء ودمج بعض الوزارات.
وباشر الرئيس دياب اتصالاته ولقاءاته على أساس تشكيل حكومة وفق رؤيته التي تنسجم مع مطلب «الحراك الشعبي» الذي يطالب بحكومة مستقلين وأصحاب اختصاص، وقد اختارهم هو من شخصيات له علاقة أكاديمية معهم، من خلال عمله الجامعي أو تقديم أسماء له من غير الحزبيين، حتى وإن حازوا على تأييد أحزاب وقوى سياسية. لكنّ دياب المتمسك بالمواصفات التي وضعها، اصطدم بمطالب الكتل النيابية التي سمّته، والتي تريد أن تكون لها كلمة ورأي في تشكيلة الحكومة.
ولادة متعثّرة
في ظل الشروط والشروط المضادة، تعثّرت ولادة الحكومة وسط مخاوف من انفلات أمني وشيك في ظل الانهيار المالي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد، غير أن فرص خروج حكومة دياب إلى النور لا تزال وافرة.
وقد قدم الرئيس المكلّف –الأسبوع الماضي– لائحة بأسماء المرشحين للحكومة إلى رئيس الجمهورية، الذي لستمهله لدراستها، وإذا كانت مطابقة للمواصفات التي يرغبها فيها، بعد أن ظهر أن «التيار الوطني الحر» عاد ليطالب بوزير للخارجية موثوق سياسياً، كما تحدّث رئيسه الوزير جبران باسيل عن «حكومة جديرين»، وعن رفض لدمج وزارات ووضعها في يد وزير واحد، إضافة إلى الدعوة لحكومة من 24 وزيراً، وهو ما اتفق معه الرئيس برّي الذي فاجأ الجميع بطرح حكومة «لَم الشّمل»، ففسّر كلامه على أنه دعوة لحكومة وحدة وطنية بالتزامن مع عودة سعد الحريري إلى بيروت، وتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في عدد من المناطق اللبنانية.
إذ عاد «الحراك الشعبي»، إلى التظاهر وقطع الطرقات في ظل انهيار سعر الليرة أمام الدولار، وتقنين سحب المودعين من مدخراتهم في المصارف كحد أقصى 300 دولار أسبوعياً، وهذا ما أعاد المحتجين إلى الشارع، وهم يعيشون في ظلام مع انقطاع «التيار الكهربائي»، وارتفاع الأسعار، وتقنين في المحروقات، حيث تجمّعت هذه المطالب كلّها، لتنفجر غضباً فاقمه خلافات السياسيين حول شكل الحكومة.
لا اعتذار
الأزمة التي تمرّ بها البلاد والأكثرية المكوّنة من «أمل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وحلفائهم، وضعتهم أمام مأزق متفاقم مع ارتفاع أصوات من داخل هذه الأكثرية، تطالب دياب بالرضوخ لشروط حكومة تكنو–سياسية أو الاستقالة. لكن جواب الرئيس المكلف جاء واضحاً في بيان له، قال فيه إنه لن يعتذر ويتمسّك ببنوده التي يقول إنه اتّفق عليها مع رئيس الجمهورية، وسيواصل مهمّته في التأليف على أساسها، وعلى القوى السياسية والحزبية، التي سمّته أن تسهّل مهمّته، لمواجهة الانهيار المالي والاقتصادي الذي يشهده لبنان والنظام المصرفي فيه.
فالفريق الذي سمّى دياب لرئاسة الحكومة، بات في مأزق، فإما أن يعيد الحريري إلى رئاسة الحكومة وبشروطه هذه المرة، وسيكون انتصاراً له، أو التفتيش عن بديل عن دياب إذا استمر على ثوابته للحكومة التي سيترأسها، كما أن الأكثرية النيابية، أمام مأزق رفض الرئيس المكلّف الاعتذار، لأنه لا يرى نفسه مخطئاً في المطالبة بحكومة مستقلين واختصاصيين نزولاً عند الرغبة الشعبية الرافضة للطبقة السياسية التقليدية، مما قد يجعل مهمة التأليف مفتوحة لأجل غير مسمى.
غير أن الاتصالات بين أطراف الأكثرية أسفرت –الثلاثاء الماضي– عن تفاهم بين الرئيس بري والوزير باسيل على الإسراع في تشكيل الحكومة بعد ضغوط مارسها «حزب الله» على حلفائه للتخفيف من المطالب التي تتعلق بالمحاصصة وتسهيل مهمة دياب لتشكيل حكومة إنقاذية.
Leave a Reply