فاطمة الزين هاشم
التقيتُها على مقاعد الدراسة، كانت شابة جميلة رشيقة تتمتع بذكاء حاد وشخصية عذبة مؤنسة جذبتني إليها من النظرة الأولى، أشعرتني معها بأنني عثرت على ضالتي المنشودة، فتبادلنا الحديث الودي حتى تطور إلى حالة حب مشترك بيننا وبكل الصراحة والشجاعة التي يقتضيها نشوء علاقة شفافة بين رجل وامرأة، خصوصاً واني أفردت أمامها خارطة حياتي لأني كنت قد أحببتها بصدق يفضي إلى الزواج وذلك ما حدث.
تزوجنا حيث كانت حالتي المادية جيدة جداً، ورجتني بأن نصبر على الإنجاب حتى نتفرغ لبعضنا ونحيا حلاوة الحب والسعادة كطيرين في عش واحد، زرنا كسائحين عدة بلدان، فتركت السياحة في نفسينا ذكريات جميلة لا تمحى، ولم أبخل عليها بشيء، كانت تشتري المجوهرات بنهم وتقتني الملابس غالية الثمن بكميات متلاحقة حتى خيل إلي بأنها ستفتح محلا للألبسة النسائية.
لم أفكر يوما ولم يطرأ ببالي أن في نيتها الغدر بي أو الابتعاد عني لأي سبب، وكان كل همي منصبّاً على إسعادها وتلبية طلباتها التي لاتنتهي حتى أصبحت تطلب مني أن أساعد أهلها ببعض النقود ودفع أقساط المدارس لأخوتها وشراء بعض المصوغات الذهبية لأمها كي أنال بركات رضاها عني، إذ وهبتني جوهرة نفيسة نادرة الوجود.
وبعد أن أوشك رصيدي على النفاد أصبحت تتأفف وتتلون بطباع السحالي فأصبحت تحيا معي حياة البشر ولكن بثياب تلك الكائنات القبيحة، فغدت تصرفاتها تشعرني بالنفرة والقرف، حتى ساءلت نفسي عما إذا عرفت زوجتي قمرا آخر أشد ضياء من قمري! فكانت هذه الفكرة وحدها تفقدني أعصابي وتقذف بي إلى مهاوي الغيرة والإرهاق النفسي، حقاً كان ذلك قد شكل منعطفاً حاداً أشبه بهاوية، فتجهمت الحياة في ناظري شيئا فشيئا.
بدأ التغير السلبي ينعكس على حياتنا واتسعت الفجوة بيننا حتى أصبحنا نتجاهل بعضنا ونحن نحيا تحت سقف واحد، وكانت رائحة الخيانة تغلب على ظني إلى أن وضعت يدي على خيط من ذلك، فهي لم تذهب بعيدا حيث اختطفت جارها من زوجته وجعلت له مخدعا في سريري عند غيابي عن البيت، وقد تأكد لي ذلك ساعة الحسم، إذ تمارضت يوما وأوهمتها بأني ذاهب إلى الطبيب بينما كنت أرصد من بعيد حضور الغريم إلى منزلي حتى ضبطتهما بالجرم المشهود، فطلقتها وأخذت معها كل ما جنيته في حياتي.
اضطررت إلى أن أهجر المدينة التي كنت أعيش فيها وأسست عملاً جديداً، بعيداً عن ذكرياتي المؤلمة وبمنأى عن تلك الزوجة التي لم تعرف سوى الخيانة وإفراغ جيب زوجها الساذج الذي وثق بها.
مضت السنوات وأنا أكافح لأعوض ما سلبته مني تلك الخائنة، ولم يتزوجها ذلك الغريم، بل أخذ منها كل ما جنته مني وتركها إلى الشارع، فنبذها أهلها لفعلتها المشينة، فأصبحت هائمة على وجهها لا تعرف لها طريقاً.
وفي إحدى الأمسيات حضرت إلى مدينتي السابقة لزيارة أهلي فإذا بي أجدها تتسول في أحد الشوارع قرب بيتنا الزوجي التعيس، نظرت إليها نظرة دونية لا تحمل معها ذرة من الشفقة أو التأسي. لحظة لشدة غرابتها رددت مع نفسي ليتها كانت كما قال الشاعر ابراهيم ناجي:
فإذا أنكر خلّ خلّه
وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كلّ إلى غايته
لا تقل شئنا فإن الحظ شاء
Leave a Reply