وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بعد مخاضٍ عسير وتجاذبات سياسية عميقة ولدت الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب الذي استطاع مواجهة كل العراقيل التي وضعت في طريقه وخرج بتشكيلة حكومية غالبية أعضائها من التكنوقراط، وثلثها تقريباً من الجنس اللطيف.
لم يخلُ الأمر طبعاً من بعض الشوائب التي طالت التشكيلة لكن كان لافتاً أنها ضمت ست سيدات بينهن وزيرة للدفاع ووزيرة للعدل، للمرة الأولى في تاريخ لبنان والدول العربية.
حكومة العشرين وزيراً أبصرت النور مساء الأربعاء الماضي بعد ساعات حرجة عاشتها إثر اعتراض الوزير السابق سليمان فرنجية وتمسكه بالحصول على وزيرين بدلاً من وزير واحد، ما أعاد الأمور إلى نقطة الصفر وأجبر الرئيس دياب على القبول بصيغة العشرين وزيراً بدلاً من الثمانية عشر، وهو ما كان اقترحه رئيس مجلس النواب نبيه بري كحل للخروج من الأزمة.
أسئلة كثيرة تطرح حول مستقبل هذه الحكومة وحول قدرتها على تجاوز الكارثة التي يعيشها لبنان، أو على الأقل اتخاذ بعض الإجراءات الإصلاحية السريعة بهدف وقف التوغل أكثر في الانهيار.
حكومة اللون الواحد؟
مجموعة من تلك الأسئلة توجهت بها «صدى الوطن» إلى سكرتير التحرير في جريدة «النهار» اللبنانية، نبيل بو منصف، وبطبيعة الحال كان السؤال الأول عن رأيه في التشكيلة الحكومية الجديدة، فأجاب بأنها لا تبشر بالخير رغم حاجة البلد إليها، متوقفاً عند طريقة إخراجها وتسويقها التي كانت سلبية، ما جعلها تبدو وكأنها حكومة فريق واحد لا حكومة إنقاذ، فيما كان يجب أن تكون مستقلة تماماً وخالية من الحزبيين، وفق بو منصف.
صحيح أن الحكومة ضمت وجوها من التكنوقراط لكنها وجوه ممسوكة من قوى سياسية تمثل فريقاً واحداً، على حد تعبيره. ولكن، وبرغم كل ذلك، يؤكد بو منصف وجوب منح حكومة دياب فرصة، والانتظار بعض الوقت لاختبار قدرتها على القيام بالإصلاحات المطلوبة، في ظل الوضع المتأزم الذي لم يسبق أن عاشه لبنان في تاريخه، والذي هو أشبه بالكارثة المرشحة للتفاقم، مشدداً على ضيق مساحة التفاؤل تجاه هذه الحكومة.
معايير جديدة
وعن أحقية القوى السياسية التي أفرزتها الانتخابات في اختيار الشخصيات التي تمثلها في الحكومة، يعتبر بو منصف أن هذا المنطق سليم وصحيح، غير أن السير فيه كان ممكناً قبل قيام «ثورة 17 تشرين»، أما وأن الأمور قد آلت إلى ما هي عليه اليوم، فإن ذلك بات غير مقبول، فقد تبدلت المعايير والقواعد، لكن القوى السياسية ترفض الأخذ بهذا المنطق. وعلى هذا الأساس شُكلت الحكومة من قبل فريق واحد، ولم تكن هناك مشكلة في ذلك لو أن هذا الفريق ذا اللون الواحد أتى بمستقلين حقيقيين غير تابعين له، ولكن رغم ذلك علينا أن ننتظر لنرى مدى مصداقية هذه الحكومة الجديدة، وكيف ستتمكن من إقناع القوى الخارجية، لأنها في الداخل طبعاً لم تقنع أحداَ من الجهة المقابلة، بدليل تفاقم حركة الاحتجاج على الأرض، مؤكداً أن واقع «17 تشرين» هو الذي أرسى هذه القواعد.
شغب وتخريب
وفي ما يتعلق بالحراك نفسه، يؤكد بو منصف أن الحراك تعرض لهزة عنيفة بفعل أعمال الشغب والتخريب التي حصلت خلال الأيام القليلة الماضية، والتي قام بها بعض «المجموعات المشبوهة»، وهو هنا لا يبرّئ هذا السلوك عن أهداف خبيثة، ويعتبره خرقاً وتشويهاً لصورة الحراك السلمية التي حاول المحتجون الحفاظ عليها على مدى الأشهر الثلاثة الماضية.
أما إذا لم يكن هنالك من خرق، وفق بو منصف، فهو إذاً سلوك عفوي وبالتالي هو أخطر. فهو حينئذ يمثل رعونة وقصر نظر وخطورة على المطالب المشروعة والمحقة التي يرفعها المتظاهرون، ومثار قلق كبير، رافضاً اتهام رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالوقوف خلفها أو حتى خصومه، لأن لا مصلحة للطرفين بالانزلاق إلى وضع مماثل، مشدداً على أن للسلطة دوراً أساسياً يجب أن تؤديه من خلال الوصول إلى من يدفع بهؤلاء الشبان لفعل ما يفعلونه واعتقالهم في أسرع وقت ممكن، تفادياً لتدهور الأمور باتجاه ما لا تُحمد عقباه.
بو منصف يرى أن ترحيب المجتمع الدولي بتأليف الحكومة أمر بديهي، ولا سيما من قبل الأمم المتحدة، متمنّياً أن تحسن الحكومة استغلال رغبة بعض الدول في مساعدة البلاد، مثل فرنسا، التي أصدرت بياناً رسمياً أكدت فيه نيتها تقديم المساعدة للبنان لتجاوز الأزمة التي يعيشها، طالبة إلى الحكومة اللبنانية الجديدة اتخاذ إجراءات عاجلة إضافة إلى التزام كل اللاعبين المعنيين بالعمل وروح المسؤولية.
المساعدات الخارجية
أما بالنسبة إلى بعض الدول العربية التي تعلن، من وقت إلى آخر، نية المساعدة، فقد لفت بو منصف إلى أنه سمع ذلك أكثر من مرة من عدة دول وتحديداً من دولة قطر، من دون أن يحدث أي شيء عملياً.
عن جدوى تلك المساعدات في حال ترجمتها، يفضّل بو منصف التحفظ على الإجابة في الوقت الراهن، ويربط ذلك بحجم تلك المساعدات قياساً بأزمة لبنان، فالحديث عن بضعة مليارات من هنا وهناك غير كافٍ، والأمر يحتاج إلى مبلغ لا يقل عن 15 مليار دولار لفرملة الانهيار. حجم تلك المساعدات وجديتها يعدان اختباراً للمجتمع الدولي والدول العربية، لجهة مدى السماح أو القبول بانهيار لبنان من عدمه.
من هنا يعود ويشدد بو منصف على دور الحكومة في إقناع المجتمع الدولي من أجل الحصول على ما يكفي من المساعدات. والحديث في هذا الأمر -وفق رأيه- سابق لأوانه، قبل إنجاز البيان الوزاري وإتمام الجولة العربية التي ينوي الرئيس دياب القيام بها.
ويشير بومنصف إلى أن للقوى الأمنية دوراً مهماً في ضبط الوضع الأمني ولا بد من اتخاذ التدابير اللازمة الكفيلة بانهاء العنف، وإلا قد يحدث ما حدث عام 1975، من اندلاع للحرب الأهلية.
الجيش .. صمام الأمان
وعن دور الجيش في المرحلة الراهنة، يشير بو منصف إلى أنه وطيلة فترة حركة الاحتجاجات في الشارع كان الجيش يحمي المتظاهرين، مؤكداً أنه صمام أمان البلاد، رافضاً أسلوب قطع الطرقات جملة وتفصيلاً.
ولفت إلى أن على الحراك أن يرفع الصوت عالياً ويتبرأ من مفتعلي أعمال الشغب ومن قطاع الطرق، وأن يميز صفوفه عنهم، لأن ما يقومون به هو مجرد تخريب يسيء إلى الثورة ولا يفيدها.
التشاؤم سيد الموقف حتى اللحظة في انتظار أن يرشح ما هو إيجابي من طرف الحكومة الجديدة، وسط شكوك حول هذا الأمر، لكن بو منصف يجزم بقدرتها على الصمود، ويأمل نجاحها في محاولة انتشال البلاد مما وصلت إليه من انهيار اقتصادي، لأن مصلحة البلد وأبنائه فوق كل اعتبار، وهي -بطبيعة الحال- تقتضي وجود حكومة.
الامتحان
بعد ولادة الحكومة التي انتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر، لعلها تخرج البلاد مما هي فيه من أزمة اقتصادية خانقة، بدأت تتبلور ملامحها بارتفاع جنوني في الأسعار طال كل السلع في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار، وازدياد البطالة التي وصلت نسبتها إلى أرقام مخيفة، وتقلّص الطبقة المتوسطة التي باتت على شفير الانقراض.
وفي ظل هذه الظروف القاتمة، تزداد الصورة سوداوية مع كل موجة جديدة من الاحتجاجات التي بدأت تتجه أكثر فأكثر نحو العنف والتخريب، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق الحكومة العتيدة، أقل ما يقال عنها أنها تحتاج إلى عزيمة قوية وإرادة راسخة لاجتراح المعجزات وإخراج البلد من مستنقع الانهيار.
الأيام المقبلة ستكون حاسمة، والشعب بات يتقن فن المحاسبة…
Leave a Reply