وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
رغم الاحتكاكات الدموية مع الجيش التركي، تواصل القوات السورية تقدمها بوتيرة متسارعة وعالية على جبهة إدلب، وقد نجحت في استعادة مدن وبلدات استراتيجية أبرزها معرة النعمان وسراقب حيث بدأت وحدات الهندسة الخميس الماضي– بعمليات تمشيط للمدينة بهدف إزالة الألغام والمفخخات التي زرعها الإرهابيون.
ونقل التلفزيون السوري الرسمي أنه خلال استعادة هذه البلدات قُتل وأُصيب عددٌ كبير من عناصر الجماعات المسلحة، فضلاً عن فرار أعداد أخرى، فيما تسود حالة من الإرباك والانهيار في صفوفهم، فيما باتت قوات الجيش على بعد بضعة كيلومترات من مدينة إدلب.
الطريق إلى إدلب
منذ أن انتهت العمليات في المنطقة الجنوبية (درعا والقنيطرة والسويداء) بدأ تحشيد قوات الجيش السوري باتجاه المناطق الشمالية لتنفيذ عملية دفاعية استراتيجية تمهيداً لاستعادة ما تبقى من الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة.
أما عن الواقع الحالي في إدلب اليوم، فيقول اللواء المتقاعد والمحلل العسكري الدكتور محمد محمد لـ«صدى الوطن»، إن التطورات الميدانية المتسارعة جاءت بعد فترة طويلة الهدنة التي فرضتها المفاوضات الروسية–التركية–الإيرانية. فوفقاً لاتفاقية سوتشي، تعهدت تركيا بسحب مدفعيتها الثقيلة والصاروخية والدبابات وكل العتاد الثقيل الذي سلحت به جيوشها البديلة مثل «جبهة النصرة» و«حراس الدين» والشيشيان والإيغور، وسحبها لمسافة 20 كيلومتراً، كما تعهدت بتأمين فتح طريق M4 وM5 وحلب–اللاذقية وحلب–دمشق. كما تعهد أردوغان بفصل «المعارضة المعتدلة» عن «المعارضة المسلحة» الإرهابية المتطرفة، علما أنه لا وجود لمعارضة معتدلة مسلحة، لأن المعارضة المعتدلة لا يمكن أن تحمل سلاحاً، بل تعارض وفق الأطر السياسية، ولا تمارس الإرهاب أو تقتل المواطنين، وفقاً للواء محمد.
إذا وفي مراجعة بانورامية سريعة للأحداث، فقد انتظرت سوريا منذ شهر أيلول (سبتمبر) 2018 ولغاية كانون الثاني (يناير) 2019 ولم تلتزم تركيا بتنفيذ تعهداتها، بل استمرت في دعم قواتها البديلة، والتي كانت تزعزع أمن المنطقة وتقوم باستفزازات يومية.
أما في شمال حماة، فقد استهدف المسلحون مدينة اللاذقية ومطار حميميم والقاعدة الجوية الروسية بالطائرات المسيرة في محاولة منهم لتحقيق مكاسب عسكرية يمكن من خلالها تغيير خطوط التماس والتقدم جنوباً باتجاه مدينة حماه.
الدولة السورية تريثت في تنفيذ عمليتها العسكرية وانتظرت حتى يتمكن بوتين من تحقيق نجاح في مفاوضاته مع أردوغان على أمل نزع فتيل التوتر. ومع بداية الشهر الرابع من 2019 بدأت القوات السورية القيام بأنشطة عسكرية من قبيل الدفاع الإيجابي، وهي الانتقال إلى مرحلة الهجوم لوقف الأعمال الهجومية المعادية وإعادة الوضع إلى ما كان عليه.
وقد باغتت القوات السورية تلك المجموعات المسلحة التي كانت تعتقد أنها ستهاجم من الجنوب باتجاه الجنوب هذه المناورة أفرغت التحصينات المعادية من فعاليتها ما استدعى تدخل أردوغان لدى الرئيس الروسي بوتين، فتم الاتفاق على أكثر من هدنة، قبلت بها الدولة السورية من أجل تحقيق البعد الإنساني بفتح المعابر للمدنيين السوريين، وهيأت أكثر من معبر مثل مورك وأبو الضهور، وزودتها بالتجهيزات اللوجستية والطبية اللازمة لإغاثة المدنيين بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري، بما يكفل توفير الخدمات للمواطنين السوريين الذين سيغادرون هذه المناطق. لكن «جبهة النصرة» والمجموعات المسلحة الأخرى منعتهم من ذلك واتخذتهم دروعاً بشرية.
في هذه الأثناء. كان الأتراك قد أقاموا نحو 12 نقطة مراقبة استثمروها لتعزيز دعم المجموعات المسلحة، ما يتيح لها الاستمرار في القتال لفترة أطول.
الجدير ذكره هنا، أن كل الخطوط التي اخترقها الجيش السوري كانت مدعمة بأنفاق بعمق عشرات الأمتار أحياناً، وبخنادق وتحصينات كبيرة. ومن خلال معلومات الاستخبارية التي تم الاستحصال عليها تم تنفيذ ضربات مباشرة لمواقع المسلحين الأساسية من خلال القصف المدفعي والصاروخي والمروحيات، وكل ذلك كان يجري بتنسيق تام مع سلاح الجو الروسي الذي استخدم صواريخ «كاليبر» ضد المنشآت المحصنة تحديداً التي كانت قد أقامتها «جبهة النصرة» في تلك المنطقة.
وعن مقتل عدد من الجنود الأتراك خلال تقدم الجيش السوري على جبهتي إدلب وحلب، وحول ما صرحت به تركيا عن استهداف 54 موقعاً سورياً كردٍ على مقتل جنودها، يقول اللواء محمد إن هناك عناصر من الجيش التركي «الأصيل» يتمركزون داخل الأراضي السورية ويحمون عناصر «جبهة النصرة» (الوكيل) الذين التجأوا إليهم في نقطة مورك القريبة من حماة، عندما طُوقت مناطق اللطامنة ولطمين وكفرزيتا.
استغلال المدنيين
يؤكد اللواء محمد، أن القوات التركية منعت المواطنين السوريين من التوجه جنوباً عبر المعابر التي تم فتحها لخروج المواطنين السوريين باتجاه الجنوب، فقامت باستخدام المدفعية والهاونات وأعمال القنص والقيام بالدوريات لتحقيق ذلك، وقد أرغمتهم على التوجه نحو الشمال رغم هذا الطقس السيء لخلق كارثة إنسانية سواء من خلال الترهيب أو من خلال التحريض والتخويف من الجيش السوري، حيث كانت توهمهم بأن الجيش سيأتي لقتلهم وللانتقام منهم والتنكيل بهم. كما استخدمت ورقة المواطنين وتشريدهم والظروف المأسوية لهم بهدف التحريض ضد الجيش السوري وتحميله تبعات هذه الكارثة الإنسانية، وفي الوقت نفسه، لإظهار الجيش التركي على أنه هو المنقذ، وتحريض الرأي العالمي ضد الدولة السورية وشيطنتها من خلال استخدام السلاح الكيميائي.
يقول اللواء محمد إن أكثر ما يُخشى في هذه المرحلة، هو لجوء الجماعات الإرهابية إلى استخدام السلاح الكيميائي بطريقة حقيقية وليس فقط كمسرحية مفبركة، وهو ما يعني استخدام الكيميائي في عدد من القرى لإيقاع عدد كبير من الضحايا في منطقة إدلب لوقف تقدم الجيش، فلا يمكن التحريض ضد الدولة السورية إلا من خلال استخدام هذه الكارثة الإنسانية.
ومن المؤكد أن بعض الجماعات المسلحة تمتلك غاز السارين، وهذا ما أكده صحفيون أميركيون، وهذا الاحتمال بات قوياً جداً ويزيد كلما تقدمت القوات السورية ونجحت في هجومها العسكري، وذلك بهدف عرقلتها ومنع وصولها إلى مدينة إدلب، وأيضاً بهدف تشويه الدور الروسي ودور كل الحلفاء، وإظهارهم على أنهم دمويون وقاتلون، لتظهر الخوذ البيضاء في المقلب الآخر على أنها منظمة إنسانية تنقذ المدنيين المستهدفين، فيما هي منظمة إجرامية مرتبطة بجهاز «أم آي6» البريطاني، وفقاً للواء محمد.
وحول طول أمد المعركة وقصره، يقول اللواء محمد، إنه وبمعزل عن احتمال حصول الحدث الكيميائي الدراماتيكي، وبالنظر إلى وعورة منطقة سراقب ومحيطها، لاسيما جبل الزاوية وجبل شخشبو ذات الممرات الوعرة والقرى المتلاصقة، سيكون تقدم القوات بطيئاً ولكن المنطقة ستسقط تلقائياً بفعل الهزيمة النفسية والمعنوية وتساقط أحجار الدومينو. والجيش السوري مصمم على الاستمرار في الهجوم حتى الوصول إلى مدينة حارم، الموجودة على الحدود التركية الملاصقة للواء اسكندرون «المحتل» والذي تطلق عليه تركيا اسم «أنطاكيا، هاتاي».
الدور الروسي
وعن الدور الروسي في ما يدور على الساحة السورية، ومدى قدرته على ممارسة الضغوط على تركيا، يقول اللواء محمد إن موسكو تعرف تماماً أهمية تركيا وخطورة وجودها في المنطقة وموقعها الجيوستراتيجي المهم في الإقليم، سواء في منطقة بحر قزوين أو المتوسط أو غرب آسيا، وبذلك هي أساسية في الجيوبوليتيكا الروسية كما في الجيوبوليتيكا الأميركية، وهنا يظهر تقاطع المصالح الأميركي الروسي في المسألة التركية.
الروسي يدرك تماماً أن تركيا هي رأس حربة في الحرب الأميركية على المنطقة، وخاصة على سوريا، وأنها تحمل مشروعها الخاص.
في المقابل، تسعى روسيا –بحسب محمد– إلى تقليل وتحجيم وتخفيف مساحة الأضرار التي تشكلها الأطماع التركية وسلوكيات أردوغان «المنافقة والمراوغة» والتي يتأرجح فيها ما بين ترامب وبوتين، وهذا التأرجح يتعامل معه بوتين بيد فولاذية لعلمه بأن أطماع تركيا ليست محدودة، وقد توسعت كثيراً وبات لها دور وقواعد عسكرية في السودان وقطر واليوم أصبحت موجودة في ليبيا! وهي اليوم –أي تركيا– تحاول توسيع انتشارها البحري والوصول إلى غرب المتوسط.
تركيا تخطط للبقاء في سوريا
يشير اللواء محمد إلى أنه وفي البعد الاستراتيجي، التركي لم يدخل الأراضي السورية كي يغادرها مجدداً، وهو للأسف يستوطن داخل «العقلية الإسلاموية الإخونجية» وهنا ذكر بما قاله أردوغان من أنه «سيدخل دمشق ويصلي في الجامع الأموي» ما يعني أنه كان يريد البقاء في سوريا، «مستعيداً من خلال أوهامه أمجاد سلطنته العثمانية الزائلة» وفق تعبير اللواء محمد، وهذا المشروع هو مشروع الشرق الأوسط الكبير تحت مُسمّى الهوية الإسلامية والإسلام المعتدل المحافظ الجديد كنموذج إسلامي تقوده تركيا، وتكون فيه قاطرة للدول الإسلامية وقاطرة للعالم الإسلامي تحت الهوية الإسلاموية.
هذا هو مشروع أردوغان الجديد في المنطقة، لكن القوات السورية تتقدم، وقد استعادت معرة النعمان وها هي تدخل سراقب، وبالتزامن تتحرك من جنوب غرب حلب وغرب حلب باتجاه «الإيكاردا والزربي» بهدف الوصول إلى طريق حلب–سراقب لتلتقي تلك القوات لاحقاً في محيط منطقة آفس مع القوات الآتية من الشمال والجنوب. وبعد استعادة إدلب لا يمكن التوقف قبل الوصول إلى الحدود الدولية، وهو ما يعني أن العملية الدفاعية الاستراتيجية السورية تنفذ بهدف استراتيجي وحيد، ألا وهو القضاء على الوجود الإرهابي المسلح لجبهة النصرة ومشتقاتها وللجيش التركي الأصيل والبديل في الجغرافيا السورية.
Leave a Reply