مريم شهاب
مثل الأطفال، أحبُّ الأعياد وزينة الأعياد وهدايا الأعياد. والأحلى عندي هو عيد الشكر وعيد الحب. ربما لعدم ارتباطهما بنسخة المتدينين الجدد ذوي الحاجة الدائمة إلى تحريم الفرح.
هل تتصوّر أن يمر شهر شباط ببرده الشديد ووقاحة غيومه في حجب نور الشمس، من دون يوم العشاق (الفالنتاين) بزينته ووروده الحمر وبهرجته حد الإسراف؟ لا بأس حتى بذلك طالما يكسر رتابة برد الشتاء وكآبة بعض الناس الذين يكتبون وينعون على «السوشيال ميديا» بأن الحب انقرض ومعه زمن البراءة التي قضت عليها الفتن والحروب والسياسة.
حتى في عيد الحب، تحلو لـ«أولاد النكد» الكتابة عن الشقاء واليأس والملل، رغم علمهم الأكيد بأن الحب هو الحل الوحيد لكل مشاكل الوجود الإنساني.
وكما غنّت الست أم كلثوم، «العيب فيهم، أمّا الحب يا عيني عليه».
مثل هؤلاء الناس يعانون من نقصٍ شديد في فيتامين الحب وفرط في متلازمة النق وإنفلوانزا التشاؤم.
الحب منذ الأزل، كان ولا يزال يعاني من الحمى ونزلات البرد وفيروسات الخيانة والجحود، لكنه موجود وسيبقى ولن يفقد معناه أبداً. فهو قيمة أبديّة كعلاقة الفراشة بالزهر وضوء القمر إلى الأرض. قيمة تجعل الحياة ممكنة، وبدون الحب تصبح الحياة مستحيلة.
كل ما نقرأه ونراه على صفحات التواصل الإلكتروني، من ابتذال وتكرار وعنتريات فارغة في الحديث عن السياسة وتحليل الأخيار وسبر قضايا العصر، يجعلنا ننسى متعة الحب ومن نحب.
أعرف قصة زينب، فتاة طموحة من بيت لبناني تقليدي.
بعد نيلها شهادة الثانوية، قررت عائلتها تزويجها من ابن عمها الذي لا تجمعها به إلا القرابة. طبيعي جداً. مثلما هو طبيعي جداً أن يتم الطلاق سريعاً. أما غير الطبيعي فكان إصرارها على متابعة دراساتها العليا، هنا في الولايات المتحدة حيث تعرفت عليها.
كان من الطبيعي أيضاً أن تتعرف زينب في الجامعة على كثر. ولكن من بينهم جميعاً، أحبت فيكتور، وهو أحبها. جمعهما الحب كرباط سامٍ، لا تلطخه الآهات الكاذبة والعبارات الشائعة والعواطف المصطنعة.
ورغم حبهما، كان لا بد من أخذ رأي العائلتين في مسألة الزواج. لكن الزواج بدا مستحيلاً «مش معقول: شاب ماروني يتزوج بنت شيعية» قالت عائلة فيكتور. «يا للفضيحة، كان جواب أهل زينب»!
بحكم الحب، تم الزواج مدنياً بين الشاب المسيحي والفتاة المسلمة هنا في أميركا. وهذه السنة يحتفل فيكتور وزينب بعيد حبهما الأربعين.
أربعون عاماً من الإخلاص والقناعة في الحب بمعناه السماوي، بعيداً عن خلافات الدين.
العشرة الطيبة والصداقة والإلفة كانت كفيلة بتجاوز المشاكل اليومية بعقلٍ وحكمة وبالتقريب بين العائلتين اللتين تربطهما اليوم علاقة مودة كانت وليدة الحب الحقيقي رغم اختلاف العقيدة.
فيكتور وزينب يعيشان الآن في هدوءٍ وطمأنينة بعد رحلة عناء وتعب تكللت بنجاح الأبناء والبنات، فيما يتطلعان سوياً إلى المستقبل من خلال الأحفاد والحفيدات.
في عيد الحب، أقدم للعزيزين فيكتور وزينب أربعين وردة. وكما يقول المثل: السعادة معدية، ولعلها العدوى الوحيدة التي يتمنى أن يصاب بها الجميع. أحبُّوا ولا تخافوا، ما فاز إلّا العاشقون.
Leave a Reply