رئيس الجمهورية يعوّل على حكومة دياب لإنقاذ لبنان والعهد
كمال ذبيان – «صدى الوطن»
نالت حكومة حسان دياب الثقة وباشرت مهامها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد اللبناني، فيما بدأ الصراع السياسي الموازي بين أطراف السلطة اللبنانية يتبلور مع إعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن فض التسوية الرئاسية فيما باشرت قوى ما يعرف بـ«14 آذار» بالتصويب على عهد الرئيس ميشال عون وصولاً إلى مطالبته بالاستقالة.
تاريخياً، وفي كل العهود الرئاسية في لبنان تقريباً، تبدأ ولاية الرئيس بالانحسار في سنته الرابعة في الحكم حيث يكون قد استهلك خطاب القسم الذي يمثل البرنامج السياسي للرئيس، في ظل وجود نظام برلماني يضع السلطة التنفيذية في عهدة مجلس الوزراء مجتمعاً، بموجب اتفاق الطائف الذي قلص من صلاحيات رئيس الجمهورية وقدرته على تطبيق برنامجه أمام التوازنات القائمة في مجلس النواب والحكومة. كما لا يمكن لمجلس النواب أن يقيل رئيس البلاد، إلا في مواد قليلة عرضها الدستور، كالخيانة العظمى، وتعطيل عمل مجلس النواب
تاريخ
تاريخياً، لم يحدث أن استقال رئيس للجمهورية اللبنانية، رغم أن بعضهم قد لوّح بذلك قبل أن يتراجع، سوى رئيس الاستقلال بشارة الخوري الذي فرضت عليه الاستقالة من قبل الشارع بعد التجديد له لمدة ست سنوات بموجب تعديل دستوري.
وقد تأجج الغضب الشعبي على الخوري بعد اتهامه بتزوير الانتخابات النيابية عام 1947 لحيازة الأغلبية، إضافة إلى تجاوزات شقيقه «السلطان» سليم، للقانون، واستشراء مظاهر الفساد والإثراء غير المشروع واستخدام نفوذ السلطة، فظهرت «دولة–المزرعة» بدلاً من دولة المؤسسات.
هذه العوامل الداخلية، بالإضافة إلى نكبة فلسطين، وتحميل الأنظمة العربية وجيوشها مسؤولية ما حل بالشعب الفلسطيني، وبدء عمليات انقلابات وثورات ضد بعض الحكام العرب، تشكّلت في لبنان «جبهة وطنية اشتراكية» ضمّت كميل شمعون وكمال جنبلاط وبيار إده وغسان تويني (كان ممثلاً للحزب السوري القومي الاجتماعي) وشخصيات سياسية وحزبية أخرى، ورفعت شعاراً لها، «مَن أتى بهم الأجنبي فليذهب بهم الشعب»، وبدأت حركات العصيان والتظاهر، لمدة ثلاثة أشهر، إلى أن أخذ الرئيس الخوري قراره بالاستقالة، بعد أن رفض قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب مواجهة المنتفضين ضد العهد الذي رأى المعارضة تتوسع ضده وتكبر، فقرّر التنحي، وشكّل حكومة برئاسة اللواء شهاب، لإجراء انتخابات رئاسة الجمهورية في مرحلة انتقالية.
باستثناء الخوري الذي سقط بـ«ثورة بيضاء»، لم تنجح المعارضة قط في إرغام رئيس الجمهورية على الاستقالة، لاسيما بعد اتفاق الطائف الذي جعل المس برئاسة الجمهورية تعدياً على الممثل الأول للمسيحيين في السلطة، وهو ما عزز مواقف رؤساء الجمهورية المتعاقبين حتى في ظل أكثر الظروف تعقيداً، وهي التي تعرّض لها الرئيس إميل لحود بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل 15 عاماً، حيث أُطلقت ضده «حملة فِلّ» بقيادة أقطاب «14 آذار» وبينهم رئيس «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، الذي انبرى لتقديم الغطاء المسيحي للحملة التي قابلها لحود باللامبالاة والتمسك بولايته الدستورية حتى آخر دقيقة منها.
جبهة ضد عون
لكن ما لم تنجح قوى «14 آذار» في تحقيقه ضد لحود، يسعى معارضو عون –اليوم – إلى تكراره، لاسيما رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي أطلق حملة تشبه «حملة فِلّ» للمطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، متّكئاً على تجربة إسقاط بشارة الخوري، التي تقاطعت فيها مصالح إقليمية ودولية أدت في النهاية إلى رحيله.
بل إن جنبلاط يعمل على تشكيل جبهة لإسقاط عهد عون، أو على الأقل منع وصول وريثه السياسي جبران باسيل إلى سدة الرئاسة، وهو ما يؤشر إلى فتح معركة سياسية لفرض انتخابات رئاسية مبكرة دعا إليها جنبلاط بصراحة، في الوقت الذي يطالب «الحراك الشعبي» بانتخابات نيابية مبكرة لإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة، أو إحداث خرق لها يقلب موازين القوى.
وقد دعا جنبلاط، الحراك إلى المطالبة بإسقاط الرئيس عون إلى جانب إسقاط حكومة دياب والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة لتغيير مجلس النواب.
عون ثابت
أما بشأن الغطاء المسيحي، فقد ارتكز جنبلاط في دعوته لرحيل عون، على ما جاء في خطبة مطران بيروت للموارنة بولس عبد الساتر، في قداس عيد مار مارون، حيث دعا الرؤساء الثلاثة بأسمائهم إلى الاستقالة أثناء حضورهم للقداس، رغم أن بكركي لا تزال تقف مع عون ولا تطالبه بالرحيل. ولكن كلام المطران عبدالساتر، أثار تساؤلات متزايدة في ظل الأزمة السياسية الاقتصادية التي تعيشها البلاد، فهل هو كلام جاء بإيحاء من البطريركية المارونية، أم يعبّر عن رأي المطران الشخصي حصراً؟
في كل الأحوال، يبدو رئيس الجمهورية ثابتاً في موقعه وموقفه، مؤكداً أنه لن يتنحى وأنه سيواصل العمل لإنقاذ الوضع المالي والاقتصادي المتردي، والموروث من مراحل سابقة.
عون الذي أتى بتسوية رئاسية، حاملاً شعار محاربة الفساد ووقف الهدر وتحقيق إصلاحات في النظام السياسي، يواجه اليوم، أزمة اقتصادية خانقة فرضت نفسها على اللبنانيين مع تراجع سعر صرف الليرة بنسبة 80 بالمئة، وشحّ الدولار في الأسواق.
ويعوّل عون على إجراءات إنقاذية تتّخذها الحكومة الجديدة، التي يعتبرها حكومة العهد الأولى فعلياً، ولو جاءت في العام الرابع من ولايته التي لم تخلُ من الأزمات والمخاطر، ولكن ذلك لن يدفعه إلى الاستقالة التي يطالب بها جنبلاط الذي يرى العونيون أنه فقد تأثيره ودوره كبيضة قبان في انتخاب رئيس الجمهورية.
كذلك يرى أنصار العهد أن جنبلاط لن ينجح في تشكيل جبهة معارضة لإسقاط عون، مشيرين إلى أن خطوة من هذا النوع لا يمكن الإقدام عليها محلياً فقط، لأن رئاسة الجمهورية في لبنان تبقى صناعة خارجية. ومحاولة جنبلاط مصيرها الفشل المحتوم.
Leave a Reply