وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
أرجأ البرلمان العراقي التصويت على منح الثقة للتشكيلة الحكومية التي تقدم بها رئيس الوزراء المكلَّف محمد توفيق علّاوي بسبب عدم اكتمال النصاب، ليتأجل الاستحقاق إلى يوم السبت 29 شباط (فبراير) بناء على اقتراح رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.
النصاب لم يكتمل بسبب مقاطعة عدد كبير من نواب «تحالف القوى العراقية» والكتل الكردية للجلسة، على خلفية عدم رضاهم عن الأسماء التي اختارها علاوي لتسلم الحقائب الوزارية، وكان البرلمان العراقي قد حدد يوم الخميس الماضي، موعداً للتصويت على الثقة رغم الرفض المسبق السُني الكردي للتشكيلة، إلى جانب رفض الحراك الشعبي.
بغداد التي تشهد منذ بداية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي احتجاجات واسعة ضد الفساد دفعت برئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي إلى الاستقالة في كانون الأول (ديسمبر) المنصرم، تنتظر ولادة الحكومة الجديدة على وقع تحدٍ جديد يُضاف إلى سلسلة الأزمات التي تعيشها البلاد، وهو انتشار فيروس «كورونا».
رئيس الوزراء المكلف علاوي، كان قد سلّم البرلمان قائمة تضم 19 وزيراً في حكومته الجديدة، لمنحها الثقة خلال الجلسة الاستثنائية التي أُرجئت يوم الخميس الماضي. وتضم القائمة أسماء لشخصيات من خارج البرلمان ولم تشارك في الحكومات السابقة، لكن التشكيلة لم تتضمن أسماء وزراء الداخلية والمالية والتجارة والعدل إضافة إلى وزارة الدولة لشؤون إقليم كردستان.
انقسام الكتل
الرئيس المكلف علاوي الذي شغل منصب وزير الاتصالات الأسبق، والذي تقدم بطلب للتنازل عن جنسيته البريطانية الأسبوع المنصرم، يحظى بدعم القوى الشيعية البارزة في البرلمان، وعلى رأسها «التيار الصدري»، بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف «الفتح»، بزعامة هادي العامري، لكنه يواجه اعتراضات من القوى السياسية الكردية والسنية البارزة، التي ترفض اختياره الوزراء من دون التشاور معها. ومن جملة المعترضين أيضاً على حكومة علاوي «تحالف القوى العراقية»، الذي أعلن، الاثنين الماضي، موقفه الرافض لحكومة علاوي، مشدداً على أنه لن يحضر جلسة التصويت عليها.
أما رئيس «كتلة الرافدين» النيابية في العراق، يونادم كنا، أعلن أن رئيس الوزراء المكلف ووفداً من القوى السياسية الكردية، دخلا في مباحثات أخيرة قبيل ساعات من جلسة الخميس. كذلك عقدت رئاسة إقليم كردستان اجتماعاً مع رئاسة الحكومة والبرلمان والأطراف السياسيين لحسم المشاركة في حكومة علاوي. وشارك في الاجتماع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس الحكومة مسرور بارزاني، ورئيسة البرلمان ريواز فائق، إلى جانب قادة الأحزاب السياسية. وفي وقت سابق، أعلن عضو الوفد المفاوض لإقليم كردستان، محمد سعد الدين، أن لدى الكرد مجموعة من الشروط للمشاركة في حكومة علاوي، مبيناً أنه رغم إبداء الموافقة الشفهية عليها، فإن الأطراف الكرد يطالبون بضمانات لتطبيقها.
ونقلت شبكة «رووداو» الإعلامية عن سعد الدين أن من «ضمن الشروط الأساسية ضمان الحقوق الدستورية لشعب كردستان، والمستحقات المالية، وتطبيع الأوضاع الأمنية في مناطق المادة 140 المتنازع عليها».
وقد رحب نائب رئيس البرلمان العراقي، بشير الحداد، بـ«المباحثات مستمرة» وبـ«مرونة علاوي» مشيداً بتراجعه عن بعض مواقفه السابقة، و«هذا تطور إيجابي»، لكنه أعرل عن أمله في «ألا يزعزع السيد علاوي الشراكة الموجودة في العراق منذ 2003».
كما أكد رئيس «كتلة الفتح» النيابية محمد الغبان، عن رفض كتلته للمحاصصة في تشكيل الحكومة الجديدة، إلى جانب رفضها لحكومة لا تحظى بإجماع وطني، وأشار إلى أن المنهاج الحكومي الذي قدمه علاوي لم يتضمن بشكل واضح، التعهد بإجراء انتخابات مبكرة.
الحراك الشعبي
الحراك الشعبي، بدوره، يرفض حكومة علاوي ويطالب برئيس وزراء «مستقل»، لم يسبق له أن تولى أي منصب رسمي، فضلاً عن عدم تبعيته أو انتمائه لأي من الأحزاب أو للخارج، في إشارة صريحة إلى إيران التي تربطها علاقات وثيقة مع القوى الحاكمة في بغداد.
ويُصر المحتجون على رحيل ومحاسبة كل الطبقة السياسية، التي يتهمونها بالفساد وهدر أموال الدولة،. وقد نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، عن علاوي قوله، الأربعاء الماضي، إن «إجراء انتخابات مبكرة يُعتبر الحل الأمثل لتجاوز مشكلات البلاد»، مؤكداً أن حكومته ستكون من المستقلين.
البيت الشيعي
رئيس «تيار الحكمة» عمار الحكيم، وفي تصريح لافت، متماهٍ إلى حد ما مع السياسة الأميركية، اعتبر أنه «آن الاوان لنسترد الديموقراطية في العراق من مخالب قوى اللادولة والفساد»، بحسب تعبيره، وأن «استخدام القوة والسلاح خارج إطار الدولة وحرب الملفات ساهما في تراجع الديمقراطية»، مشيراً إلى أن «أي دولة لا تستطيع حصر السلاح بيدها ستبقى ضعيفة، وأي دولة تسمح بنشوء وجودات عقيدية أو قومية مسلحة ستبقى ضعيفة، والسلاح والمسلح يجب أن يكونا ضمن إطار القانون والمؤسسة العسكرية والأمنية فقط».
أما مقتدى الصدر فقد دعا –الثلاثاء الماضي– العراقيين إلى الامتناع عن التظاهر خشية تفشي فيروس «كورونا»، علماً بأنه كان قد هدد سابقاً بالخروج في تظاهرة مليونية واعتصامات ضد المحاصصة قبل أن ينهي أنصاره عن النزول إلى الشارع «من أجل صحتهم» وفق ما ورد في بيان الصدر بعد انتشار مخاوف من تفشي فيروس كورونا في العراق، داعياً أنصاره إلى «الوقاية المعنوية فضلاً عن الوقاية الصحية، وإلى ضرورة التضرع والدعاء».
وإذا كان الصدر والعامري، قد قررا منح الثقة لحكومة علاوي. فإن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي كان الشخصية الشيعية الأبرز بين معارضي الرئيس المكلّف.
أما موقف المرجع السيد علي السيستاني من حكومة علاوي، فيقول مقربون منه، إنه يستند إلى موقف الشعب وبأنها لن تبدي رأياً في الموضوع، وستكتفي بمراقبة الأداء الحكومي، علماً أنها حتى لم تتدخل في اختيار اسم الرئيس المكلف علاوي. نقاط البرنامج الوزاري التي وضعها علاوي تتماهى إلى حد كبير مع ما كانت أشارت إليه المرجعية سابقاً من خطوات ضرورية يجب اتخاذها، وهو ما اعتُبر تودداً واضحاً للمرجعية بهدف نيل بركتها، وهي المعروفة بأهمية دورها ومدى تأثيرها في الساحة العراقية.
للحلبوسي شروطه
رشح من خلف الكواليس، أن القوى السنية وافقت على منح الثقة لحكومة علاوي باستثناء كتلة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي لديه شروطه أيضاً، وتتلخص في مجموعة مطالب أبرزها:
1– خروج الحشد الشعبي من المناطق الغربية
2– رصد ميزانية خاصة لإعادة إعمار تلك المدن التي دمرها «داعش».
3– منح أبناء المناطق السنية مناصب قيادية في الجيش والشرطة ومختلف مرافق الدولة.
ومن الواضح أن الهدف من تلك الشروط، بحسب المراقبين، هو تعزيز فرص الحلبوسي في الحصول على حقائب وزارية يطمح للوصول إليها.
الكورونا
من جهة أخرى، فقد أعلن العراق حظر كل التجمعات العامة، ومنع المسافرين القادمين من الكويت والبحرين من دخول البلاد، ليرتفع عدد الدول التي وُضعت في قائمة منع الدخول إلى تسع دول على خلفية انتشار فيروس كورونا المستجد. وأعلن وزير الصحة العراقي جعفر صادق علاوي حظر كل التجمعات العامة، بما يشمل المدارس والجامعات ودور السينما والمقاهي والنوادي والمنتديات الاجتماعية بدءاً من يوم الخميس وحتى السابع من الشهر المقبل، إضافةً إلى منع العراقيين من السفر إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايلند وسنغافورة وإيطاليا وإيران والبحرين والكويت.
استحقاق السبت
يقول العارفون بتفاصيل المشهد السياسي العراقي إنه ما دام بعض السياسيين يلجأون إلى الابتزاز ويطالبون بالمغانم والمكاسب، فإن نيل حكومة علاوي لثقة البرلمان ممكنة هذا السبت، في حال قررت قوى الأغلبية الشيعية بالتعاون مع بعض الكتل الوطنية الكردية والسنية، دعمه كرئيس وزراء «قوي» متحرر من سياسة المحاصصة. بل يرى المراقبون أن علاوي سيعمل على جرّ الأطراف المعارضة، إلى معركة علنية ساحتها البرلمان، ليخرج منتصراً، سواء نالت حكومته الثقة أو فشلت في ذلك.
ففي حال نيلها الثقة سيكون قد حقق مراده بحكومة متحررة من الأحزاب، وفي حال أسقطه البرلمان، سيبدو أمام الشارع ضحية لرغبات الكتل السياسية المتنفذة.
وبموجب الدستور العراقي، إذا استوفى علاوي الأجل القانوني (مدة شهر) لتشكيل حكومته وعرضها على البرلمان، دون نيل الثقة، يتعين على رئيس الجمهورية، برهم صالح، تكليف اسم جديد، لتشكيل حكومة في غضون 15 يوماً.
Leave a Reply