كمال ذبيان – «صدى الوطن»
طلبت الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب، مهلة ثلاثة أشهر (مئة يوم)، لإحداث تحوّل إيجابي في الأزمة الداخلية في لبنان، والتي وعدت في بيانها الوزاري أن ينصب جهدها، لإنقاذ البلاد من الوضع المالي والاقتصادي المتفاقم وتحقيق إصلاحات جذرية في البنية السياسية للنظام، ومنع الدولة من الفشل والانهيار، بعد أن حوّلتها الطبقة الحاكمة على مدى عقود إلى مزرعة فوق القانون، فلم يتمكن لبنان من النهوض كدولة قادرة رغم كل الوعود من رؤساء الجمهورية والحكومات المتعاقبة بالانتقال من دولة المزرعة إلى دولة المؤسسات والقانون. فهل يصدق اللبنانيون أن حكومة دياب ستكون حكومة إنقاذ فعلاً، أم أنها ليست إلا «حكومة لجان»؟
حكومة اللجان
مرّ شهر على تشكيل الحكومة ونيلها الثقة، لكنها مازالت غارقة في تشكيل اللجان، حتى سمّاها المشككون بـ«حكومة اللجان»، وكما هو متعارف عليه لبنانياً، فإن اللجان هي مقبرة المشاريع، لأن ثمة تجارب سابقة حصلت في هذا السياق، وبات كل مشروع يراد دفنه، يحوّل إلى لجنة فيولد ميتاً.
في المقابل، يمكن القول إن إنشاء لجان مختصة لإحداث التغييرات الصائبة ومتابعتها، أمر ضروري لا مفر منه للخروج من إطار النقّ أو التنظير إلى اتخاذ القرارات العملية، لاسيما وأن البلاد تواجه استحقاقات داهمة، مثل سداد مستحقات الدين السنوية لسندات «اليوروبوند» والتي تبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار.
فالحكومة لاتزال تتخبّط في آرائها حول دفع مستحقات «اليوروبوند»، والتي في حال دفعها سينخفض احتياط «مصرف لبنان» من العملات الأجنبية، وتنخفض السيولة التي تحتاجها البلاد لشراء السلع والمواد الأساسية كالقمح والطحين والدواء والمحروقات، حيث يشدّد معارضو دفع الدين، على أن الأولوية هي للضروريات التي يحتاجها المواطنون، لتأمين الحد الأدنى من معيشتهم، لاسيما وأن الأزمة الاقتصادية دفعت الكثير من المؤسسات التجارية إلى الإفلاس أو تخفيض رواتب موظفيها إلى النصف أو أقل، ناهيك عن ارتفاع الأسعار.
وفي ظل الوضع الراهن، تتّجه الحكومة إلى عدم السداد واللجوء إلى التفاوض مع الدائنين، الذين تتقدمهم بعض المصارف المقرضة للدولة عبر سندات «اليوروبوند». وسيكون هذا القرار، أول خطوة عملية تُقدم عليها الحكومة، ولو أنها ستكون مكلفة جداً لسمعة لبنان المالية.
الكهرباء
إلى جانب ملف سداد الدين والمساعي لإعادة هيكلته، فإن الحكومة أمام قرار جريء عليها اتخاذه، يتعلّق بالكهرباء التي تكبد الدولة عجزاً سنوياً بنحو ملياري دولار، وهو ما ساهم في مراكمة الدين العام مع فشل الحكومات المتعاقبة، لاسيما خلال السنوات العشر الأخيرة، في معالجة هذا الملف.
فمنذ سنوات، وعد «التيار الوطني الحر» وتحديداً رئيسه جبران باسيل حين تسلّم وزارة الطاقة والمياه في 2015، بأن التيار الكهربائي سيعود 24 ساعة يومياً. لكن ذلك لم يحصل قط، وقامت حملات اتهام متبادلة بين القوى السياسية، برمي التّهم على بعضها البعض، حيث تحرص قوى عديدة على تحميل «التيار الوطني الحر» المسؤولية، فيما يتهم آخرون حركة «أمل» بالمساهمة في المشكلة، بينما يحمّل رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» كلاً من «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» مسؤولية الوضع المزري للكهرباء في لبنان.
ولم تقدم الدولة اللبنانية على بناء معامل إنتاج للكهرباء وتم الاعتماد على البواخر التي حضرت إلى لبنان بصفقات مشبوهة، وبشكل مؤقّت ريثما يتم الانتهاء من إعادة تأهيل وبناء معامل الإنتاج التي لم تبصر النور بسبب الخلافات حول أماكن إنشائها والاعتماد على الفيول أو الغاز لتوليد الطاقة، وسط انقسام لوجهات النظر على أسس المحاصصة التي فرضت أيضاً عدم تشكيل الهيئة الناظمة، وتعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان، مما زاد الأمور تعقيداً.
أما الحكومة الجديدة، فستقدم على أول عملية إصلاح فعلية في ملف الكهرباء، عبر وقف الاستعانة بالبواخر، التي كلّفت لبنان ضعف كلفة بناء معامل إنتاج جديدة.
ولبناء معامل جديدة لإنتاج الطاقة، ستلجأ حكومة دياب إلى الاتفاق مع شركات أجنبية عبر إجراء مناقصات، لخصخصة هذا القطاع أو على الأقل جزء منه، لأن الكهرباء إذا ما انتظمت وتوقف الهدر وتمّ استيفاء الفواتير وإلغاء الاستثناءات، فإنها قطاع حيوي مربح، وهو ما كانت عليه الكهرباء قبل الحرب الأهلية. لكن خطوة من هذا النوع ستضطر الحكومة إلى رفع الدعم عن الكهرباء للمنازل، والذي سيحتّم زيادة في أسعار الفواتير، مما قد يخلق نقمة شعبية، تجد الحكومة نفسها مضطرة إلى مواجهتها لوقف عجز يناهز 2 مليار دولار سنوياً.
موظفو القطاع العام
تخفيض الرواتب والمعاشات التقاعدية لموظفي القطاع العام، هو إجراء غير شعبوي بامتياز، لابدّ أن تقدم عليه الحكومة العاجزة عن سداد ديونها، وهو من الإصلاحات المطلوبة دولياً للحصول على المنح والقروض الموعودة عبر مؤتمر «سيدر».
ومن المعروف أن هذه الخطوة المطلوبة دولياً، لم تجرؤ عليها أية من الحكومات السابقة، ولكنه سم على الحكومة الحالية تجرعه، وهي التي بدأت سياسة التقشّف في النفقات داخل الوزارات والإدارات العامة، عبر اتخاذ خطوات من قبيل ترشيد الإنفاق في السفر للوفود الرسمية، وفي الامتيازات التي كان يحصل عليها الموظفون، وكذلك وقف تمويل العديد من الجمعيات لاسيما الوهمية منها.
فالقرار الجريء المطلوب من الحكومة، يتعلّق بتخفيض رواتب القطاع العام بنحو 30 بالمئة، أي أن سلسلة الرتب والرواتب التي حصل عليها موظفو هذا القطاع قبل ثلاث سنوات، سوف تتبخر، وقد خسروها فعلاً بعد تراجع قيمة الليرة أمام الدولار.
كذلك قد تلجأ الحكومة إلى إجراءات مثل تخفيف أعباء التقاعد التي ارتفعت إلى نحو ملياري دولار سنوياً، تضاف إلى حوالي ستة مليارات دولار للرواتب، أي أن إجمالي كلفة الإنفاق على موظفي القطاع العام والمتقاعدين تبلغ نحو 40 بالمئة من الموازنة العامة. كما أنه مطلوب من الحكومة أن تخفّض عدد موظفيها الذين يبلغ عددهم حالياً نحو 300 ألف موظف، وذلك أولاً عبر وقف التوظيف في دوائر الدولة المختلفة، وهو قرار لم تلتزم به الحكومات السابقة.
خدمة الدين
العبئان الأبرز على الدولة، هما عجز الكهرباء ورواتب موظفي القطاع العام، فهما يشكلان معاً حوالي 55 بالمئة من حجم الموازنة العامة، يضاف إليهما خدمة الدين العام التي بلغت نحو 6.5 مليار دولار في موازنة العام 2020، لتشكّل نحو 30 بالمئة من حجم الموازنة.
وعلى حكومة دياب أن تتّخذ قراراً مفصلياً لمعالجة أعباء الدين العام، وقد اقترح خبراء، بأن تقوم المصارف بتخفيض الفائدة إلى نحو 1 بالمئة، فيتم توفير نحو مليار دولار على خزينة الدولة، فيما يدعو البعض إلى التفاوض مع المصارف وإقناعها بإسقاط جزء من الديون مقابل الأرباح الهائلة التي جنتها خلال العقدين الماضيين، فتنقذ لبنان وتنقذ نفسها معه.
هذه الإجراءات المطلوبة من حكومة دياب والتي يصفها رئيس الجمهورية، بأنها ضرورية، ليست الوحيدة التي على اللبنانيين أن يتجرعوها لإنقاذ الدولة من الإفلاس، إذ تنصح جهات عديدة، في مقدمتها صندوق النقد الدولي، برفع ضريبة القيمة المضافة إلى نحو 20 بالمئة، وزيادة الضرائب على البنزين، ورفع الرسوم الجمركية لتعزز إيرادات الدولة، وكلها قرارات قاسية ستكون على حساب جيب المواطن اللبناني الذي لازال يضرب أخماساً بأسداس متسائلاً عن مصير مدخراته المحتجزة في البنوك.
الشهر الأول لحكومة دياب انتهى، والأمور تراوح مكانها، ولم يصدر عنها بعد، أي قرار مما أسفلنا، سوى تشكيل اللجان.
Leave a Reply