حاوره: وليد مرمر
«صدى الوطن» تنفرد بنشر مقابلات دورية مع المفكر العراقي أحمد الكاتب
في إطار سلسلة لقاءاتنا مع المفكر الإسلامي والمناضل السياسي، الدكتور أحمد الكاتب، في بريطانيا، نواصل في هذه الحلقة عرض موقفه من المرجعية الدينية والتقليد لدى أتباع المذهب الشيعي الإثني عشري، ودور المرجعية الاجتماعي والسياسي:
■ يرى البعض أن المرجعية عند الشيعة الإثني عشرية هي حالة إيجابية ذلك أنها حصرت الفتوى في أشخاص لا يزيد عددهم ربما عن عدد اليد الواحدة وهذا ما جنب المذهب فوضى الفتاوى التي وقعت فيها مذاهب أخرى. هل توافقون على هذا الرأي؟
– المرجعية الدينية عند الشيعة غير محصورة إدارياً أو سياسياً بمراجع معينين وإنما هي مفتوحة لجميع الناس وهناك عشرات أو مئات المجتهدين أو الذين يدعون الاجتهاد، ولذلك توجد تيارات عديدة في صفوف المراجع الشيعة منها التيار الثوري ومنها التيار المعتدل، ومنها التيار المغالي الذي يهتم بالطقوس الحسينية، ونتيجة لعدم وجود مؤسسة دينية تحصر عملية الاجتهاد، فإن كثيراً من المتصدين للمرجعية يقومون بالإفتاء حسبما يشاؤون ولا يوجد من يراقبهم أو يحاسبهم، كما أن معظم المراجع وحتى المعممين لا يسمحون لأي أحد بانتقادهم أو توجيه النصح لهم.
■ لو سلمنا بصحة التوقيع المروي عن إسحق بن بعقوب عن ابن الحسن العسكري «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم»، رغم التشكيك بصحة الحديث لأن إسحق بن يعقوب كما صرح بعض علماء الرجال هو مجهول. ولكن لو سلمنا به أليس ذلك دليلاً على وجوب تصدي العلماء «للحوادث الواقعة» أي الأمور الراهنة سواء كانت سياسية أو اجتماعية، وعدم حصر دورهم في الفتاوى الفقهية؟
– أساساً، إن هذا «التوقيع» المنسوب للإمام المهدي الغائب، لا يتضمن إعطاء أي دور سياسي لرواة الحديث أو الفقهاء، وذلك لأن المرجعية الشيعية التقليدية قامت في ظل ما يسمى بالغيبة الكبرى، وانتظار الإمام الغائب، وتحريم أي نشاط سياسي بدون إذن الإمام، وأما ما تتفضل به من ضرورة قيام العلماء بأدوار سياسية واجتماعية، فقد بدأ بعض العلماء يقومون بهذا منذ بضعة عقود، بناء على نظرية «ولاية الفقيه» وهي نظرية تشكل ثورة على فكر الانتظار، وتحاول القيام بدور الإمام، وبمعنى آخر إنها ثورة على نظرية الإمامة أيضاً. وبالطبع فإن هذه النظرية لا تستند إلى «التوقيع» ولا تقيد نفسها بأي فتاوى قديمة تحرم إقامة الدولة في عصر الغيبة، وإنما تستند إلى العقل الذي يفرض التصدي لأمور الحياة وحل مشاكلها الاجتماعية والسياسية.
■ إن المهام الموكلة إلى المرجع، جليلة، من قبيل إقامة الدين والفتوى وجمع الخمس والصدقات مما يربو أحياناً على الملايين بيد إن الطرق التي تدار بها هذه العلميات ما زالت بدائية فلا بيانات تصدر حول قيمة الواردات أو طرق صرفها. أليس هذا كارثياً؟
– في الحقيقة، إن كثيراً من الأعمال التي يقوم بها المراجع، حالياً، هي أعمال كان يقوم بها المراجع سابقاً خلال فترة الانتظار وعدم السماح بتشكيل الدولة، حيث كان العلماء يقومون بها بشكل فردي اجتماعي لا سياسي، ولكن بعد تبني فقهاء الشيعة المعاصرين لإقامة الدولة سواء في إيران في ظل ولاية الفقيه، أو في العراق في ظل الديمقراطية، فان من المفترض أن يوكل العلماء تلك الأدوار الاجتماعية إلى الدولة لكي تقوم بها في أحسن صورة، في الوقت الذي يتفرغون هم لتطوير الفقه والعلوم الإسلامية التي تأخذ منهم جهداً كبيراً، ولا تسمح لهم تلك النشاطات الاجتماعية من أداء هذا الدور العلمي المهم على أكمل وجه.
■ هناك العديد من المؤسسات التى بناها وكلاء المراجع في لندن ونيويورك وغيرها قد تحولت إلى مؤسسات نفعية يملكها أشخاص مقربون من المراجع. كيف السبيل إلى مكافحة الفساد المستشري في الجسم المالي التابع للمرجعيات؟
– من المؤسف أن المؤسسات المرجعية يلفها الغموض في كثير من الجوانب حيث لا يوجد حساب ولا كتاب ولا شفافية، وهناك بعض المرجعيات تقوم كل عام بنشر مصاريفها التي تبلغ مئات الملايين من الدولارات، على طلبة العلم الديني في جميع أنحاء العالم، وكذلك النشاطات الاجتماعية ومساعدة الفقراء، ولكنها لا تنشر كم يدخلها من الأموال، وما هو الفارق بين الوارد والصادر، وأين تذهب الأموال المفقودة.
ويلاحظ أن بعض هذه الأموال المكتنزة في الخارج تلعب أحياناً دوراً سياسياً خطيراً في ترشيح مرجع معين أو محاربة مرجع آخر، بناء على رغبة ثلة صغيرة من المشرفين على تلك المؤسسات والجمعيات.
Leave a Reply