وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
كان يكفي أن تعلن منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا وباءً عالمياً كي يكتمل مشهد الهلع الذي ساد الشارع اللبناني أسوة بجميع بلدان العالم التي دخلها الفيروس. وبمعزل عما يحمله هذا الوباء من خطر يهدد صحة أهل المعمورة برمتها، ثمة قلق متنام يساور اللبنانيين من جراء انعدام الثقة بأجهزة الدولة المتهالكة، وهم يشاهدون دولاً كبيرة مثل الصين وإيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية تقف شبه عاجزة عن مواجهة الوباء، رغم كل ما تمتلكه من مقدرات وإمكانات متطورة، لا يمتلك منها لبنان إلا النزر اليسير.
ووسط توقعات تؤكد بأن الآتي أعظم لجهة ارتفاع وتيرة انتشار الوباء بنحو متسارع في كل دول العالم، لجأت مؤسسات عديدة إلى إقفال أبوابها وأخرى عمدت إلى تقليل عدد موظفيها والاكتفاء بالعدد الضروري منهم، فضلاً عن إقفال المدارس والجامعات منذ الأسبوع الماضي، علماً بأن وزارة الصحة اللبنانية واكبت الحدث منذ بدايته ولم تألُ جهداً في متابعة كل المصابين أو حتى الحالات المشتبهة. كذلك اتخذت إجراءات احترازية في المطار، من قبيل إخضاع كل الوافدين من الدول الموبوءة بالفيروس للفحص، وللحجر لاحقاً إذا دعت الحاجة، كما أُغلق منذ أيام المجال الجوي أمام حركة الطيران مع تلك الدول ذهاباً وإياباً، إضافة إلى إقفال بعض المعابر البرية مع سوريا.
اجتماعات متواصلة عقدها وزير الصحة حمد حسن مع كل من له صلة بالموضوع بغية تجاوز الأزمة بأقل قدر ممكن من الإصابات، مطمئناً الناس بأنه «لا داعي للهلع». منشورات عديدة أطلقتها الوزارة أيضاً، سعت من خلالها إلى نشر الوعي حول الوباء لمنع تفشيه. ورغم كل ذلك تعالت أصوات كثيرة تتهم الحكومة الحديثة العهد بالتقصير وبعدم القيام بما يلزم وتحديداً لجهة تأخرها في وقف حركة الطيران ولاسيما مع إيران. وهو اتهام رفضته الحكومة ووضعته في سياق محاولات عرقلة عملها.
خطط طوارئ
بالعودة إلى وزارة الصحة اللبنانية، فقد وضعت خطتي طوارئ لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وتضمنت «الخطة أ» تجهيز 144 سريراً في مستشفى رفيق الحريري للحجر، علماً بأن عدد الإصابات في لبنان كان قد بلغ 66 شخصاً توفي منهم 3لاثة أشخاص حتى إعداد هذا التقرير.
أما «الخطة ب»، فتضمنت تفريغ كافة الأسرّة ووضعها في خدمة مواجهة مكافحة وباء كورونا في حال تفاقم عدد الإصابات.
حتى هذه اللحظة يُعد لبنان من بين الدول الأقل تضرراً من حيث عدد الإصابات، لكن هذا لا ينفي انفتاح الأمور على كل الاحتمالات لجهة توسع انتشار الوباء.
وقد رصدت حالات كثيرة طُلب منها التزام الحجر المنزلي وأخرى تُتابع من قبل قسم الرصد الوبائي في الوزارة لحظة بلحظة وفق ما أفادتنا به جويس حداد مديرة الوقاية الصحية في وزارة الصحة.
وترددت شائعات كثيرة، بين الفينة والأخرى، حول إصابات هنا أو هناك سرعان ما يتم نفيها على غرار ما حصل مع الأب مارون أبي نادر الذي أُشيع عن وفاته بسبب الكورونا لتنفي ذلك مستشفى «أوتيل ديو» مؤكدة وفاته بسبب صراع طويل مع مرض السرطان. ك
ذلك لا بد من التوقف عند الكارثة الإنسانية التي حدثت في مستشفى «المعونات» في جبيل إثر إصابة سبعة من طاقمها الطبي من أطباء وممرضين بالفيروس لتماسهم المباشر مع أحد المصابين والذي تُوفي لاحقاً ذلك أن حالته لم تكن قد شُخصت كمصاب بالكورونا.
اللبنانيون يستخفّون بـ«كورونا»
وعن تقييم الوزارة لتجاوب المواطنين مع توجيهاتها تقول جويس حداد إن نسبة تجاوب اللبنانيين مع إرشادات الوزارة وتوجيهاتها لم تكن على المستوى المطلوب وظهر ذلك واضحاً من خلال التجمعات المدنية الكثيفة التي شوهدت يوم الأحد الفائت سواء في أماكن التزلج أو في الأماكن الطبيعية حيث اكتظت هذه الأماكن بالناس من دون أي محاذير، علماً بأن الوزارة كانت قد أشارت إلى ضرورة عدم التجمع بهدف الحد من انتشار الوباء.
نقطة إضافية أشارت إليها حداد، تتعلق بعدم تعاون المواطنين كما يجب مع خلية إدارة الأزمة وهي عدم تقديمهم المعلومات الصحيحة والدقيقة حول أماكن وجودهم وسفرهم واختلاطهم بآخرين قدموا من أحد البلاد الموبوءة، إضافةً إلى عدم التزام عدد لا بأس به بالحجر الصحي الذي طُلب منه داخل المنازل في مؤشر واضح على الاستهتار وعدم أخذ الأمر بالجدية المطلوبة.
وعما إذا كانت إجراءات الوزارة المتخذة كافيةً أم أنها تندرج ضمن إطار الإمكانيات المتاحة، تؤكد حداد أن ما تقوم به وزارة الصحة اللبنانية هو مطابق للإجراءات التي طلبتها منظمة الصحة العالمية مشيرةً إلى ما صرحت به المنظمة نفسها عن هذا الموضوع من الإشادة بما تقوم به وزارة الصحة اللبنانية.
طوارئ صحية
لا ضرورة حتى اليوم لإعلان حالة الطوارئ الصحية في لبنان فهو من بين أقل البدان من حيث عدد الإصابات بالمقارنة مع ما يحدث في الدول الأخرى مثل الصين وإيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية وإسبانيا والتي هي نفسها رغم عدد الإصابات الكبير لديها لم تعلن حالة الطوارئ. وتضيف حداد أن يوم الخميس الماضي شهد تراجعاً في عدد الإصابات.
وعما إذا كانت الأمور تدعو إلى القلق بحسب وتيرة انتشار الوباء الحالية، تقول حداد إن توقع الوضع الستقبلي للوباء غير ممكن ويخضع للظروف المتعلقة بالمصابين تحديداً مثل إمكانية نقل العدوى من شخص واحد إلى محيطه بأكمله سواء كان الأمر عن جهل أو عن إهمال متعمد فالنتيجة واحدة، والأرقام تختلف بين يوم وآخر، لكن سرعة الوباء في باقي البلدان تدفع إلى التخوف من حصول أمر مماثل في لبنان والوزارة جاهزة لاتخاذ أي إجراء يلزم في حال تطور الوضع، وفق حداد.
وعن مدى جاهزية وزارة الصحة اللبنانية لمواجهة خطر التفشي السريع والكبير لفيروس كورونا من خلال خطة معدة سلفًا أكدت حداد أن الوزارة تقوم بتجهيز العديد من المستشفيات التابعة لها في مختلف المناطق اللبنانية كما طلبت من المستشفيات الخاصة تجهيز أقسام خاصة لديها استعداداً لاستقبال المزيد من الحالات بهدف احتواء الوضع في حال تطوره.
أما بالنسبة لإجراء الفحص المخبري للحالات المشتبه فيها فتلفت حداد إلى أنه مجاني وكل من لديه أعراض الإصابة بالوباء المستشفى ملزم بإجراء الفحص له على نفقة الوزارة. كما ستتولى مؤسسة الضمان الاجتماعي دفع تكاليف التحليل المخبري على نفقتها لكل المشمولين بخدماتها الصحية والاستشفائية.
الشفافية
الشفافية التي اعتمدتها الوزارة منذ اليوم الأول لظهور كورونا في لبنان مستمرة، بدليل أنها واكبت منذ اليوم الأول وحتى هذه اللحظة عدد الإصابات والوفيات وحالات الشفاء سعياً منها إلى إيصال الحقائق إلى المواطنين إضافةً إلى أن هذه الشفافية أسهمت بنحو كبير بالحد من نقل الوباء من لبنان إلى الخارج بدليل عدم نقل أي لبناني للفيروس إلى أي من الدول التي سافروا إليها.
الالتزام بإجراءات الوقاية والتي من أهمها البقاء في المنزل وعدم مغادرته إلا للضرورة القصوى هو الوسيلة الأكثر نجاعةً لتفادي الإصابة بالفيروس والحد من انتشاره. ويقوم قسم الرصد الوبائي في وزارة الصحة اللبنانية بمتابعة كل حالة على حدة بهدف تقليص بؤرة الإصابة وعدم نشر العدوى في محيط المصاب بحسب حداد.
وتقول حداد إن العلاج المتبع مع الحالات المصابة بالكورونا يخضع لمدى خطورة كل حالة على حدة، وهو يطبق بحذافيره وفق بروتوكول منظمة الصحة العالمية الذي تعتمده كل الدول من ألفه إلى يائه مع الإشارة إلى عدم وجود علاج نهائي أو لقاح للفيروس.
«خليك بالبيت»: حملة توعوية
وكأنه ما كان ينقص اللبنانيين سوى انتشار وباء مثل كورونا. فبعد فترة من التوتر على مدى الأشهر الماضية، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تنذر بالانهيار التام، أطل الفيروس التاجي المستجد برأسه ليلقي بظله الثقيل على هذا هذا البلد المثخن بجراح الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وبالاستناد الى كل ما سبق، لجأ اللبنانيون بغالبيتهم الى التزود بالمواد الغذائية بما يكفيهم على مدى أسبوعين وأكثر، في محاولة منهم للالتزام منازلهم خلال هذه الفترة.
وهناك حملة أُطلقت تحت شعار «خليك بالبيت» حيث امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بصور لشوارع بيروت وأكبر المراكز التجارية فيها وقد بدت خالية تماماً.
ربما هو الحل الوحيد والأكثر نجاعة في مواجهة وباء غامض كفيروس كورونا مجهول المصدر والمنشأ… والعلاج، يأخذ في طريقه كل مظاهر الاستقرار والحياة السليمة زارعاً المرض والرعب وفي أحيان كثيرة، الموت.
Leave a Reply