وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بترقب وحذر شديدين، ينتظر الشارع العراقي انطلاق المسار الحكومي الجديد بعد تنحي عدنان الزرفي وتكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل كابينة وزارية جديدة تنال رضى الأفرقاء وثقة البرلمان.
فمنذ استقالة عادل عبد المهدي في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وسلّم الحلول يترنح، فلا يكاد الأمل يلوح بإنجاز المهمة والعبور بالبلاد نحو حكومة قوية متجانسة حتى تعود الأمور إلى نقطة الصفر، ويعتذر الرئيس المكلف عاجزاً عن صياغة توليفة مقنعة لكل الأطراف النافذة على الساحة العراقية.
فمن توفيق علاوي إلى الزرفي وصولاً إلى الكاظمي –رجل الاستخبارات السابق والصحافي المتمرس– يبدو أن حظوظ الأخير أوفر من سابقيه، إذ ثمة توافق على تكليفه لقيادة المرحلة التي تكاد تكون من أصعب المراحل التي يمر بها العراق، حيث خطر الانهيار والاهتراء السياسي يهددان كافة مرافق البلاد.
فموقف غالبية الكتل الشيعية كان رافضاً منذ البداية للزرفي وطريقة تسميته من قبل الرئيس العراقي، وقد أفضى هذا الرفض الوازن –بطبيعة الحال– إلى مغادرة الزرفي للحلبة برغم تأييد أطراف عديدة لتكليفه، مثل الكتلتين السنية والكردية إضافة إلى كتلة «سائرون» بقيادة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
ويقول النائب في كتلة «سائرون»، علي سعدون غلام، إنه بالنظر إلى الوضع الخطير الذي تعيشه الساحة العراقية على مختلف الأصعدة من الاقتصادية إلى الصحية إلى هبوط أسعار النفط، وجدت الكتلة أنه من الضروري الإسراع بتشكيل حكومة تنهض بأعباء البلاد الجسيمة وتضع استراتيجية متينة لمعالجة الأزمات.
انطلاقاً من ذلك، كانت كتلة سائرون، بحسب غلام، تنوي التصويت بمنح الثقة لحكومة الزرفي لو أنه استمر في مهمته.
تكليف الزرفي دستوري
وحول دستورية تكليف الزرفي التي رفضتها الكتل الشيعية الأخرى، يؤكد غلام أن التكليف كان دستورياً بدليل أن رئيس الجمهورية انتظر حتى اللحظة الأخيرة الكتل الشيعية المخولة اختيار رئيس الحكومة ولكنها لم تفعل ولم تسمِّ ولم تتفق فيما بينها وبالتالي بات من حق الرئيس دستورياً أن يعمد إلى تكليف شخص من اختياره. وحول ما يُقال عن عدم قانونية الاستناد إلى قرار المحكمة الاتحادية بسبب استقالة أحد أعضائها ما يعني عدم اكتمال نصابها، يلفت غلام إلى أن هذه المحكمة هي نفسها التي قيل إن قرارها غير دستوري اتخذت سابقاً قراراتٍ عديدة لم يعترض عليها المعترضون اليوم، وهذا ما يجعل اعتراضهم غير مبررٍ أو منطقيٍ. «فإما أن تكون كل قراراتها ملزمة وإما ألا تكون كذلك أبداً على أي مستوى».
في المقابل، ثمة توافق اليوم على تكليف الكاظمي، على أمل أن يتمكن من تقديم كابينته الوزارية في أقرب وقتٍ ممكنٍ لأن البلاد لم تعد تحتمل المزيد من التأخير وهذا ما يتمناه غلام إضافةً إلى تمنيه عدم الضغط على الكاظمي لجهة تسمية الوزراء والابتعاد عن المحاصصة هذه المرة.
وعن موقف كتلة «سائرون» التي ينتمي إليها، يؤكد غلام حصول التوافق على شخصية الرجل متمنياً له إنجاز مهمته بسرعة، بعيداً عن الضغوط التي قد يمارسها البعض لجهة تسمية الوزراء والحقائب والابتعاد عن المحسوبيات، مؤكداً أن كتلته ستصوت لصالح منح الثقة لحكومة الكاظمي.
لا شروط على الكاظمي
وبالعودة إلى الموضوع الحكومي يشير غلام إلى أن كتلة «سائرون» ليست لديها شروط مسبقة ولن تفرض أي اسم أو حقيبة على الكاظمي، «لكن بطبيعة الحال يجب أن تكون هناك مراعاة لحجم الكتل ووزنها من أجل إرضائها وإنجاز التشكيلة الحكومية وإلا فستكون حاله كحال من سبقوه وسيضطر للتنحي».
ويلفت غلام إلى أنه لو لم يقدم الكاظمي مثل هذه التطمينات للقوى والكتل لما كان تم التوافق على تكليفه أصلاً.
وإلى جانب المعالجة الجيدة لأزمة كورونا، يعتبر غلام أن إرسال وفد أميركي إلى العراق، حاملاً رسالة إلى رئيس الحكومة عبد المهدي، هو بادرة حسن نية من الأميركيين ورغبة في حلحلة بعض الأمور العالقة ولدعم العراق اقتصادياً وبهدف إبرام اتفاق أمني جديد.
الموقف الأميركي
من جهته، كشف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الثلاثاء الماضي، عن حوارات مع الحكومة العراقية لحسم الوجود العسكري الأميركي في البلاد.
وقال بومبيو في مؤتمر صحفي، إنه «سيتم بحث كل القضايا الاستراتيجية في الحوار مع الحكومة العراقية، ومنها مستقبل الوجود العسكري للقوات الأميركية العاملة هناك». وأوضح، أن «الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع أي رئيس وزراء يخدم مصلحة الشعب العراقي».
وتسلمت القوات العراقية في شهر آذار (مارس) المنصرم، بشكل رسمي قاعدة «القائم» العسكرية على الحدود مع سوريا، بعد انسحاب قوات التحالف الدولي منها، كذلك أعلنت قوات التحالف الدولي خلال الشهر ذاته، سحب جنودها من قاعدة «القيارة» الجوية جنوبي الموصل وتسليمها إلى القوات العراقية.
في المقابل، أعلنت «كتائب حزب الله في العراق»، الثلاثاء الماضي، إيقاف العمليات ضد «قوات العدو»، في إشارة إلى القوات الأميركية في العراق.
وقال القائد العسكري للكتائب، أبو أحمد البصري، في بيان صحفي: «إيقاف تنفيذ العمليات ضد قوات العدو ما دامت مستمرة بالانسحاب من بلادنا».
العراق أولاً
لا نصدق الأميركيين، يقول غلام، لكن وفي سياق العلاقات الدولية الهدف الأول دائماً هو مصلحة البلاد العليا فنحن من ضمن منظومةٍ عالميةٍ «يجب أن تكون لدينا علاقات مع الجميع لفائدة البلد لا على حسابه» لافتاً إلى أن العراق ماضٍ في تنفيذ اتفاقية انسحاب القوات الأجنبية من أراضيه بمن فيها القوات الأميركية بمعزلٍ عن أي تفاهمٍ جديدٍ قد يتم إبرامه، وقد تم تنفيذ جزءٍ من هذا الانسحاب من خلال تسليم قاعدتين للجانب العراقي. أما من جهة المسار الدبلوماسي فإن الأميركيين إذا أرادوا خدمة العراق ومساعدته وإفادته فلا مشكلة في ذلك مع الحفاظ على سيادة العراق واستقلال قراره علماً أنهم انتهكوا هذه السيادة سابقاً مراتٍ عديدة وهو ما رفضته كتلة سائرون والتيار الصدري.
إيران لم تتدخل؟
يشدد النائب غلام على رفض أي تدخل في الشؤون العراقية من قبل أية دولة كانت، من دون استثناء سواء كانت أميركا أو إيران أو أية دولة أخرى. وعلى ذكر إيران، وعن دور محتمل لها في تسمية الكاظمي لتأليف الحكومة الجديدة، يقول النائب العراقي إن إيران دولة جارة وقد ساعدت العراق في طرد داعش ومدت له يد العون اقتصادياً، نافياً وجود تدخل إيراني مباشر في ذلك، معتبراً أن هذا الاعاء هو من قبيل المبالغة وأن العراقيين أنفسهم لن يقبلوا به بغض النظر عن وجود قوى أساسية وفاعلة موالية لإيران.
من هو مصطفى الكاظمي؟
الكاظمي المولود في بغداد سنة 1967 حائز على شهادة البكالوريس في القانون، قضى سنوات طويلة خارج العراق معارضاً لنظام صدام حسين، وهو لا يحمل سوى الجنسية العراقية رغم اتهامه بأنه محسوب على واشنطن. وكان الكاظمي قد عمل كاتب عمود ومديراً لتحرير قسم العراق في موقع «مونيتور» الأميركي، كما عمل رئيساً لتحرير مجلة الأسبوعية التي كانت تصدر عن مؤسسة كردية في مدينة السليمانية تتبع لبرهم صالح (رئيس الجمهورية الحالي) خلال عامي 2010–2011، كما نشر خلال مسيرته المهنية العديد من الكتب، أبرزها «مسألة العراق.. المصالحة بين الماضي والمستقبل».
وأعلى منصب شغله الكاظمي حتى الآن هو رئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي منذ عام 2016، أي بعد سيطرة تنظيم «داعش» على أجزاء واسعة من العراق.
تهنئة كردية وقبول سني
إذاً، توافقت الكتل الشيعة الوازنة على تكليف مصطفى الكاظمي الذي استدعاه الرئيس العراقي برهم صالح بعد وقت قصير من إعلان عدنان الزرفي اعتذاره. أما الزعيم الكردي رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني فقد أجرى مكالمة هاتفية مع رئيس مجلس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي هنأه فيها على انتخابه وتمنى له النجاح.
وتوافقاً مع الكرد، أعلن تحالف «القوى العراقية» الذي يضم العديد من النواب السنة بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، تأييده لما وصفه بتوافق الكتل السياسية الشيعية على ترشيح الكاظمي، عازياً السبب إلى أنه يضع في اهتماماته أن يكون المرشح لرئاسة الحكومة حائزاً على قبول وتأييد من المكون السياسي المسؤول عن الترشيح، وأن يتمتع بالقبول على المستوى الوطني.
أما الكاظمي وفور تكليفه من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح كتب تغريدة تعهد فيها بتشكيل حكومة تصون سيادة العراق وتحفظ حقوقه أرضاً وشعباً وتعمل على حل الأزمات وتدفع بعجلة الاقتصاد إلى الأمام.
تسوية بعد طول توتر؟
في ظل ما يشهده العالم من غليان بسبب جائحة كورونا، يبدو القبول بتكليف الكاظمي عنواناً توافقياً للمرحلة المقبلة، ومحاولة لسد بؤرة من بؤر التوتر المتعددة في المنطقة، فمن وقف إطلاق النار «المزعوم» في اليمن إلى إعادة تموضع القوات الأميركية في ما يشبه الانسحاب التدريجي من القواعد التي تشغلها في العراق وصولاً إلى تمرير تكليف الكاظمي، أمور تشي بملامح تهدئة بعد طول توتر.
فالرجل الذي اتهمه البعض بالضلوع في اغتيال قائد قوة القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، هاهو اليوم يدخل اختبار الأيام الثلاثين –المهلة الدستورية– فالمهمة شاقة، بل عصيبة، فعليه أن يُحسن توزيع الحصص!
Leave a Reply