كمال ذبيان – «صدى الوطن»
أحرزت الحكومة اللبنانية تقدماً في مواجهة وباء كورونا من خلال الإجراءات المتتابعة التي اتخذتها، وكان آخرها، استقبال مغتربين قرروا العودة إلى لبنان بعد إغلاق مطار بيروت الدولي، وقد نجحت الآلية التي وضعتها الحكومة، من خلال إدارة الكوارث، باستقبال طائرات من عدة دول، غالبيتها من القارة الإفريقية التي تضم نحو 500 ألف مغترب لبناني إضافة إلى بعض الدول العربية والأوروبية.
إجراءات مقبولة
لبنان الذي يعاني من ضائقة مالية واقتصادية خانقة، وعدم استقرار سياسي قبل وصول الوباء إليه، واجه الأزمة الصحية التي فرضها فيروس كوفيد–19 بسلسلة إجراءات حازت قبول الشعب اللبناني عموماً، وفي مقدمتها الحجر المنزلي للمواطنين، لتفادي انتشار العدوى، إضافة إلى تعطيل العمل بالمؤسسات التجارية والرسمية لمنع التجمعات.
ورسخت حكومة دياب سلطتها بإلزام المواطنين بتطبيق إرشادات التباعد الاجتماعي وعدم الاختلاط، محققة نجاحاً لافتاً في مكافحة الوباء.
ورغم تراجع حركة السير بنسبة كبيرة قرر وزير الداخلية اعتماد أرقام لوحات السيارات لضبط التنقل في أنحاء البلاد عبر فرض حظر تجول جزئي، حيث تم تحديد أيام للوحات التي تنتهي برقم مفرد وأيام أخرى للأرقام المزدوجة، فيما منع التجوّل كلياً أيام الأحد، باستثناء الآليات المستثناة بالقرار.
وقد نجحت التدابير الحكومية الصارمة في الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث حافظ على معدل اعتبره وزير الصحة حمد حسن مقبولاً، وكذلك منظمة الصحة العالمية التي أثنت على الإجراءات المتبعة والتي نجحت بتقليص الإصابات بوتيرة كبيرة فيما انحصرت الوفيات بين أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن.
وحافظت عدة أقضية في لبنان على عدد إصابات صغير جداً، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، بينما لم تسجّل أية إصابات في أقضية الهرمل والبقاع الغربي وراشيا وحاصبيا وجزين، وتركّزت الإصابات في أقضية جبل لبنان لاسيما الشمالي منه في جبيل وكسروان والمتن الشمالي، وفي بعبدا، كما في بشري وزغرتا.
وقد ساعدت إجراءات الحكومة وأجهزتها الأمنية والعسكرية والبلدية ومساهمة أحزاب وجمعيات في التصدي لهذا الوباء الذي شلّ العالم، وأوصل اقتصاديات كبرى إلى الركود والانكماش، بينما ينتظر اللبنانيون مصيرهم بين مطرقة الأزمة الصحية المتمثلة بوباء كورونا وسندان الأزمة الاقتصادية–المالية المعقدة التي لم تتبلور نتائجها بعد.
تعاميم مالية
بينما يتابع اللبنانيون أخبار جائحة كورونا عبر الشاشات ووسائل الإعلام والتواصل الافتراضي، يشتد على أرض الواقع نزيف الوظائف وإفلاس الشركات بمختلف الأحجام ناهيك عن تغيّر أنماط الحياة الاجتماعية بسبب التدهور الاقتصادي والمالي الحاد، بينما تواصل المصارف احتجاز ودائع اللبنانيين عبر «الكابيتال كونترول». الذي بادرت الحكومة إلى قوننته قبل أن تتراجع وتترك المهمة إلى مصرف لبنان.
وقد صدر تعميمان عن المصرف المركزي حملا الرقمين 148 و149، طلب فيهما من المصارف الخاصة السماح للمودعين الذين لديهم حسابات دون خمسة ملايين ليرة أو ثلاثة آلاف دولار، أن يسحبوا ودائعهم ويقفلوا حساباتهم.
هؤلاء المودعين الذين تبلغ حساباتهم حوالي 760 مليون دولار، ويشكلون نحو 62 بالمئة من إجمالي أصحاب الودائع في المصارف اللبنانية، سيستفيدون من فرق السعر في المصارف ولدى السوق الموازية حيث سيقوم مصرف لبنان بتسعير الدولار بـ2,600 ليرة.
وبذلك، يكون المصرف المركزي، قد قام بعملية «قص شعر» (hair cut) للمودعين، دون أن يدروا، حيث سيخسرون حوالي 33 بالمئة من قيمة ودائعهم بالدولار، وفق بعض خبراء الاقتصاد، الذين وصفوا هذا الإجراء بأنه بداية لعملية سلب أموال المودعين، وقد تم البدء بصغارهم لتخفيف الضغوط الشعبية عن كاهل المصارف قبل الإقدام على خطوات إضافية.
ويرى الخبراء أن السماح لصغار المودعين بسحب أموالهم ليس إلا محاولة لتنفيس الاحتقان الشعبي ضد المصارف والطبقة السياسية، بينما يظل أصحاب الودائع التي تفوق الثلاثة آلاف دولار، أو خمسة ملايين ليرة، ينتظرون مصير أموالهم.
فالمبلغ الذي ستدفعه المصارف، وهو دون المليار دولار، ولن يؤثر عليها، مقارنة بالمبالغ الأخرى للمودعين من الطبقة الوسطى الذين تصل حسابات بعضهم إلى نحو 500 ألف دولار، بإجمالي 61.6 مليار دولار، فضلاً عن كبار المودعين الذين يملكون نحو 13 مليار دولار.
ويمثل أصحاب الحسابات التي تتراوح بين 3 و100 ألف دولار، نحو 90 بالمئة من المودعين ويحوزون على 14 بالمئة من مجموع الودائع (22.5 مليار دولار)، وهؤلاء الأكثر تضرراً، لأنهم من فئة المتقاعدين أو المدخرين لأموالهم كضمان لشيخوختهم، وهؤلاء يعتبرون من صغار المودعين أيضاً وفق توصيف خبراء الاقتصاد.
وكانت حكومة دياب، قد قدمت لمجلس النواب مشروع قانون يرفع سقف الودائع القابلة للسحب الفوري من خمسة ملايين ليرة إلى 75 مليون ليرة، أي لغاية 50 ألف دولار، ولكن المصارف المدعومة بالبنك المركزي تمكنت من إجهاض المقترح.
الحلاقة المالية
القص المالي بدأ، ولو من خارج القانون، وباتفاق بين جمعية المصارف ومصرف لبنان، وبغطاء رسمي سياسي أتاح السير بهذا الإجراء الذي يسوق له منذ أشهر، باعتبار أن دولاً أخرى اعتمدته، ولا مفر للبنان من اللجوء إليه.
غير أن المعارضين يرون في ما يجري بأنه محاولة للسطو على أموال المودعين، بحجة إنقاذ الوضع المالي، ويتهمون الطبقة السياسية بالسماح للمصارف بتهريب أموالها التي جنتها من فوائد الديون الحكومية التي تدفعها عبر وزارة المال، لأصحاب السندات من المدينين للدولة، بإشراف مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة، الذي كان عليه أن يدق ناقوس الخطر منذ أكثر من عقدين، بأن سياسة الاستدانة المعتمدة في لبنان تسير به نحو الإفلاس المحتم، لكنه لم يفعل، إلى أن وقعت الكارثة.
فاليوم، بات على المودعين أن يتحملوا نتائج السياسات المالية الفاشلة، لاسيما مع الارتفاع الكبير لسعر صرف الليرة مقابل الدولار، وهو قرار اتخذ منذ حزيران
في العام 2019، خلال ترؤس سعد الحريري للحكومة، حيث كان النقاش يدور حينها حول تحديد السعر بين 3 آلاف أو 5 آلاف ليرة للدولار الواحد.
وقد تولى مصرف لبنان تطبيق ذلك تدريجياً، فوضع سقفاً لسعر الدولار بألفي ليرة وأوصى الصرافين باعتماده، معترفاً بالسوق الموازية. لكن سعر الدولار بلغ ثلاثة آلاف ليرة بموجب قوانين العرض والطلب، فقام مصرف لبنان، بوضع سعر جديد، عند 2,600 ليرة، ممهداً لارتفاع إضافي في سوق الصرف الحرة بسبب شح الدولار، ليتواصل استنزاف المواطن براتبه الذي انخفضت قدرته الشرائية بشكل حاد، حتى بات نحو 55 بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر.
فالحلاقة المالية بدأت في لبنان، وستكون بلا شك على حساب المودعين أولاً.
Leave a Reply