ديربورن – تتعدد معاني شهر رمضان المبارك عند المسلمين حول العالم، من محطة روحانية ووجدانية لأداء الفرائض والعبادات، إلى مناسبة سنوية تتميز بأجوائها الاجتماعية الآسرة التي تجتذب الأفراد والعائلات للتمتع بمختلف الطقوس المبهجة والمسامرات وتبادل الزيارات بين الأقارب والأصدقاء والخلّان.
وخلال السنوات الأخيرة، تدارك المهاجرون العرب والمسلمون في منطقة ديترويت الكبرى ما افتقدوه من الأجواء الروحانية والاجتماعية، وما حملته ذاكرتهم عن شهر الصوم في الأوطان الأم، حيث نجحوا –أفراداً ومؤسسات– في خلق بيئة تجمع المغتربين وتزيل التحديات التي فرضتها أساليب الحياة والثقافة الغربية.
غير أن الشهر الفضيل، سيكون هذا العام مختلفاً عن جميع السنوات السابقة، بسبب الأوامر الحكومية بالالتزام في المنازل، وحظر الاختلاط، للحد من انتشار وباء كورونا، مما سيضاعف من مرارة «الحظر المؤقت» الذي سيحول دون أداء المسلمين للصلوات والشعائر في مساجدهم المنتشرة بكثافة في منطقة الديربورنين، وسيحرم الصائمين من إقامة الموائد ودعوة الأهل والأقارب والأصدقاء، ثم السهر والتسامر حتى موعد السحور.
المراكز الدينية التي تستقبل عادةً أفواج المؤمنين، والتي تكثف من برامجها وأنشطتها وجهودها في إعانة الأسر المحتاجة خلال الشهر الفضيل، سوف تحيي رمضان هذا العام بشكل مختلف، حيث سيقيم الأئمة في جميع المساجد، الصلوات ويرفعون الأدعية عبر الإنترنت، بعدما شملت الأوامر الحكومية إغلاق المراكز الدينية في إطار حظر التجمعات.
وأما لناحية تقديم وجبات الإفطار للصائمين، كما جرت العادة خلال السنوات السابقة، فقد قررت بعض المراكز الدينية الاستمرار في إطعام الصائمين هذا العام، آخذين بعين الاعتبار تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي، في حين ارتأت مراكز أخرى الاستعاضة عن وجبات الإفطار واستبدالها بسلال غذائية متكاملة لمساعدة الأسرة الفقيرة التي قد تزداد محنتها قساوة بسبب توقف الكثيرين عن مزاولة العمل من جراء وباء كورونا.
وفي هذا السياق، أكد إمام «دار الحكمة الإسلامية» بمدينة ديربورن هايتس، الشيخ محمد علي إلهي، على أن «دار الحكمة» ستستمر هذا العام بتقديم وجبات الإفطار عبر خدمة النافذة (درايف ثرو). وقال: «سنقدم وجبات للجميع، لكل من يأتي إلينا، سواء كان مسلماً أم غير مسلم»، لافتاً إلى أن شهر رمضان يمثل بيئة فريدة للتعاون والمودة والإخاء بين المسلمين وبين عموم البشر.
من جانبه، أشار الشيخ باقر بري، إلى أن «المجمع الإسلامي الثقافي»، بادر من أيام إلى تقديم سلال غذائية للعائلات المحتاجة لمساعدتها على استيفاء مستلزماتها خلال الشهر الفضيل. وقال: «لقد بدأنا ببرنامج لتوزيع السلال الغذائية المتكاملة، التي تتضمن عدداً متنوعاً من السلع الأساسية بقيمة حوالي 120 دولاراً لإعانة الأسر المحتاجة، وسوف نستمر بهذا البرنامج خلال شهر الصوم بأكمله».
وعلى شاكلة «المجمع الإسلامي»، سيقوم «المنتدى الإسلامي في أميركا» بمدينة ديربورن هايتس بتقديم سلال غذائية للأسر الفقيرة، بحسب ما أكد السيد حسن القزويني لـ«صدى الوطن»، حيث أشار إلى أنه يجري الإعداد حالياً لإعانة حوالي 200 عائلة، وأن توزيع السلال التي تتضمن مواد غذائية بـ100 دولار، سيبدأ مع بداية الشهر الفضيل.
كذلك أكد الشيخ محمد مارديني، إمام «المركز الإسلامي الأميركي» بغرب ديربورن، على أن المركز سيقوم بإعانة المحتاجين أسبوعياً عبر إيصال ما أسماها بـ«المائدة الرمضانية» إلى البيوت «دون تفرقة بين مذهب وآخر، أو دين وآخر». وقال: «سنقوم بتوصيل حصص غذائية إلى الأسر المستورة، ولن نكلفهم عناء القدوم إلينا»، لافتاً إلى أن تقديم السلال الغذائية هي الطريقة المثلى لمساعدة المحتاجين، على العكس من المآدب ووجبات الإفطار، لأن «الناس يختلفون في الأذواق وعادات المأكل والمشرب، ولذلك نترك لهم حرية إعداد الوجبات التي يفضلونها»، على حد تعبيره.
ولفت إلى أن «المركز الإسلامي الأميركي» سيستمر بإقامة الصلوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما فيها صلاة التراويح التي تعتبر من السنن المؤكدة عند المسلمين السُنّة.
وفي إطار إقامة الصلوات ورفع الأدعية، أكد الشيخ باقر بري على أن «المجمع الإسلامي الثقافي» سيقوم ببث يومي مباشر للصلوات، و«دعاء الافتتاح» بعد الإفطار، إضافة إلى الخطب والمواعظ التي تتضمن قصصاً روحية وتربوية تستهلم قيم الدين الحنيف ومبادءه لبناء الشخصية الإسلامية.
وعلى نفس المنوال، أكد السيد القزويني على تحويل جميع برامج «المركز الإسلامي في أميركا» إلى البث الحي عبر الانترنت، وقال: «نشكر الله سبحانه على نعمة التكنولوجيا التي وفرت لنا بدائل لا تعوض عن المعاني الحميمية لاجتماع البشر ولقاءاتهم، كي تخفف من عزلتهم ووطأة الظروف التي سببها وباء كورونا».
وأشار إلى أن معظم المراكز الدينية قد لجأت إلى هذه التقنية بعد فرض الإغلاق، لافتاً إلى أن الجالية العربية «أبدت تجاوباً كبيراً مع هذه الحلول، فبسبب ملازمة الناس لمنازلهم لمسنا ارتفاع أعداد المتابعين للبرامج والصلوات التي نبثها عبر الفيسبوك وإنستغرام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي».
وإذا كان الإنترنت قد حل جزءاً يسيراً من مشكلة ارتياد المساجد، فتبقى المشكلة الأكبر على المستوى الاجتماعي، لاسيما وأن هذا العام سيشهد غياب «المهرجانات الرمضانية» التي ازدهرت خلال السنوات القليلة الماضية، والتي اجتذبت آلاف الأشخاص في برامج فنية وترفيهية امتدت حتى ساعات السحور، ما أضفى أجواء ليلية خاصة على المنطقة ذات الكثافة العربية.
الدعوات على موائد الإفطار والسحور ستغيب عن أجواء رمضان 2020، سواء في المنازل أو في المطاعم التي كان يتحول معظمها إلى «أسلوب البوفيه المفتوح» طوال الشهر الكريم.
أيضاً سهرات مقاهي الأركيلة والمشاوير إلى محلات الحلويات ستختفي من المشهد الرمضاني القادم، ناهيك عن مآدب الإفطار التي يقيمها العديد من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية ورجال الأعمال بمناسبة الشهر الفضيل.
ورغم صعوبة تلاقي الأسر والأقارب خلال رمضان 2020، هنالك من يعوّل على بعض التطبيقات الاجتماعية مثل «زووم»، لتخفيف وطأة العزلة وإحياء بعض الأجواء الحميمية للشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم!
Leave a Reply