كمال ذبيان – «صدى الوطن»
كما كان متوقعاً منه، خرج رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط، في هجوم على رئيس الحكومة في لبنان حسن دياب، لكن توقيت زعيم المختارة لم يكن موفقاً في وقت ينشغل فيه اللبنانيون –كما العالم– بسبل تعزيز الإجراءات الوقائية لمنع تفشي وباء كورونا. وهي مهمة نجحت الحكومة اللبنانية ووزير الصحة حمد حسن في أدائها بشكل جيد، حيث صنفت منظمة الصحة العالمية، لبنان بين الدول التي أبلت بلاءً حسناً في التصدي للفيروس التاجي، حتى أن لبنان بات يتجه إلى إعادة فتح البلاد في أواسط شهر أيار القادم، سواء عبر فتح المؤسسات أو تخفيف القيود، مع الإبقاء مؤقتاً على حظر التجمعات.
وهنا بيت القصيد، فحكومة دياب لا تزال تنتظر مطبات عديدة في الشارع اللبناني، في ظل تربص العديد من القوى الداخلية بها.
ماذا يريد جنبلاط؟
وسط انشغال اللبنانيين بالوباء الذي تضاءلت الإصابات به، وأزمتهم المالية الخانقة مع استمرار المصارف بالحجر على أموالهم، بينما هم محجورون في منازلهم، ظهر جنبلاط معارضاً للحكومة واصفاً رئيسها بـ«الحقود»، وبأنه موظف عند ضابط مخابرات سابق دون أن يسمّيه، قاصداً اللواء النائب جميل السيد.
جنبلاط تعرف على السيد عبر صديق مشترك بينهما، منذ حوالي أربع سنوات، فنشأت بينهما صداقة استثمرها زعيم المختارة في أكثر من مناسبة، ومنها حادثتا الشويفات وقبرشمون مع الحزب الديمقراطي اللبناني الذي يرأسه النائب طلال إرسلان.
وقد لعب اللواء السيد على مدار السنوات السابقة، دوراً في نقل رسائل تهدئة ومخارج حلول، كما سعى جنبلاط إلى توزير الصناعي وليد عساف، فتولى المدير العام السابق للأمن العام على تسويق اسمه عند الرئيس دياب، الذي طالب أن تمنح كتلة جنبلاط النيابية الثقة للحكومة فامتنع، لأنه لم يسمِ دياب رئيساً لها، فرُفض طلب جنبلاط الذي حصل على وزيرة مقنعة هي منال عبدالصمد كوزيرة إعلام، وساعده بذلك الرئيس نبيه برّي، فهادن جنبلاط الحكومة مؤقتاً وأمّن النصاب القانوني لتنال الثقة دون أصوات «كتلة اللقاء الديمقراطي». إذ رأى جنبلاط حينها أن هذه الطريقة ستساعده في الحفاظ على حصته ضمن التعيينات متكئاً على حليفه برّي، وعلى مساعدة اللواء السيد له، وقد حاول تمرير أسماء اقترحها في التعيينات بمصرف لبنان، لاسيما نائب الحاكم، مقترحاً اسم فادي فليحان، إضافة إلى أسماء أخرى للجنة الرقابة على المصارف وهيئة النقد، لكنه جوبه بأسماء أخرى اقترحها إرسلان، ومن بينها فؤاد أبوحسن، نجل مستشاره فرحان أبوحسن، فغضب جنبلاط، وشنّ هجوماً على الرئيس ميشال عون و«أداته» الوزير جبران باسيل الذي اتهمه بسلب الحصة الدرزية وبأنه يأتي بالمصائب للعهد، كما اتهم دياب بأنه يأتمر بما يطلبه باسيل، الذي يدعم إرسلان في التعيينات العالقة في مصرف لبنان.
وتفاقمت الأمور أكثر على خلفية تعيين قائد للشرطة القضائية بعد إحالة قائدها الحالي العميد أسامة عبدالملك إلى التقاعد. ويعتبر هذا المنصب، المركز الوحيد للدروز في قوى الأمن الداخلي ومجلس قيادتها. ويعتبر الضابط الأنسب للمنصب بحسب مؤهلات الأقدمية والتراتبية، العميد ماهر الحلبي، المطروح اسمه منذ ثلاث سنوات، لكن جنبلاط وضع «فيتو» عليه، وسمّى ضابطاً مهندساً هو العميد غازي كيوان فلم يستجب لطلبه، بعد أن وسّط اللواء السيد، لينقل رغبته للرئيس دياب، ويسوّق الاسم معه، لكن الأخير لم يستجب لطلب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي.
ومع عدم استجابة دياب لطلبات جنبلاط قرّر الأخير الهجوم بشدة على رئيس الحكومة، متهماً إياه بنعوت شتى، وبأنه يعمل على تطويع الطائفة الدرزية، وبأن «بني معروف» ليسوا مكسر عصا، في محاولة منه لإثارة النعرة الطائفية ضد الحكومة بحجة هدر حقوق الدروز في التعيينات بسبب فقدانه لمناصب ظل يحتكرها جنبلاط لعقود، وبات لإرسلان فيها نصيب.
هل تقوم معارضة؟
في ظل الأجواء الجنبلاطية المتشنجة إزاء الإخلال بالمحاصصة المتحكمة بمؤسسات الدولة منذ التسعينيات، تتصاعد فرص تشكيل جبهة معارضة تضم المتضررين من استمرار حكومة دياب، ومنهم الرئيس المستقيل سعد الحريري الذي أيضاً يخشى على حصته في الحكم، ويتمسك ببقاء محمد بعاصيري كنائب لحاكم مصرف لبنان، رافضاً أي اسم يقترحه دياب باعتباره لا يمثّل الطائفة السنّيّة، وتضامن مع الحريري رؤساء حكومات سابقون هم فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي وتمام سلام، في وقت يواصل فيه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع التصويب على الحكومة متحدثاً عن «الثلاثي المرح» الذي يتحكم بقراراتها وهو يقصد كل من حركة «أمل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، الذين اتهمهم بأخذ البلد نحو الانهيار، متناسياً دور «الحريرية السياسية» و«الجنبلاطية» التي رسمت السياسة المالية والاقتصادية بالاعتماد على الإستدانة حتى وصل لبنان إلى شفير الإفلاس.
هذا «الثلاثي المعارض» للحكومة، قد يبدو طبيعياً وديمقراطياً، إلا أن كلاً من جنبلاط والحريري وجعجع ليسوا أبرياء من إفلاس الدولة وأخذها نحو الانهيار، بمشاركة قوى أخرى موجودة في السلطة منذ عقود.
وفي الواقع، قد لا يجد هؤلاء الثلاثة لهم حتى مكاناً في المعارضة، فهم بالأمس القريب كانوا في السلطة، وقد سبقهم المواطنون غير المحزبين إلى المعارضة بانتفاضة «ضد كلن»، فكيف تقوم معارضة فيها الحراك والاشتراكي والمستقبل والقوات، إذ لا قضية تجمعهم، ولكل منهم هدف يختلف عن الآخر.
جنبلاط يريد حماية المكاسب والمغانم، ولو ضمنها، لن تعنيه المعارضة بشيء، وكذلك الحريري الذي فقد شعبيته وبات تياره السياسي مشرذماً، رغم محاولته الهزيلة لاستنهاضه، حتى أتت كورونا لتكشف عجزه عن مساعدة المحتاجين.
أمام المشهد الحالي، يمكن القول إن قيام جبهة معارضة موحدة ضد حكومة دياب، هو أمر غير متيسّر ودونه عقبات كأداء. فحتى جعجع له تحفظات كبيرة على تشكيل مثل هذا الائتلاف، نظراً لتجاربه السابقة مع الحريري الذي لا يثق به، وقد تخلى عنه في التسوية الرئاسية، كما يتعامل جعجع بحذر مع جنبلاط الذي لا يريد إلا مصالحه، بينما لا يرغب رئيس القوات، أن يكون مجرد أداة لتحقيق تلك المصالح، في وقت شهد فيه جعجع لأداء الحكومة الجيد في مكافحة انتشار الوباء، لاسيما وزير الصحة حمد حسن، القريب من «حزب الله»، والذي ذهب إلى بشرّي مسانداً بعد ارتفاع الإصابات فيها، فلم يكن أداؤه فئوياً، وهو ما دفع بجعجع للإشادة به، موجهاً عبره رسالة إيجابية إلى «حزب الله».
كما أن ممارسة الرئيس دياب للحكم لم تظهر فئوية في التعامل، أو رفضاً للإصلاح، لاسيما المالي منه، حيث تبنت الحكومة خطة استبعدت فيها «الهيركات» الموسّع ليقتصر فقط على 2 المودعين من كبار المودعين، وهو ما أخرج جنبلاط عن صمته ليدافع عن النظام الاقتصادي الحرّ والرأسمالية، وهو الذي يسمي حزبه اشتراكياً بينما يتخوّف من تأميم المصارف ويلتقي بذلك مع الحريري، وهو من أصحاب المصارف.
الحكومة إلى أين؟
الحكومة التي نجحت في مواجهة وباء كورونا وحازت على ثقة المواطنين والمجتمع الدولي، تقترب من انتهاء مهلة الـ«مئة يوم» التي منحتها لنفسها، لتحقيق ما تضمّنه بيانها الوزاري، وبالفعل، باشرت الحكومة بوضع الخطط الإنقاذية، وهي لن تستسلم للهجوم عليها، مراهنة على بعض الإنجازات التي تحققت بالفعل، ومنها تعليق دفع سندات «اليوروبوندز»، حفاظاً على احتياط مصرف لبنان، والأموال اللازمة لتوفير الحاجات الأساسية للمواطنين.
كما أن الحكومة أقرت تعيينات وفق الأصول، ووافق رئيسها على توقيع مرسوم تعيين قضاة اقترحهم مجلس القضاء الأعلى، لتعزيز عمل المؤسسات، إضافة إلى إخراج جداول الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية في عدد من الوظائف، من الأدراج، ووضع المراسيم موضع التنفيذ في رسالة واضحة من رئيس الحكومة بأن الامتحانات والنجاح فيها بالكفاءة ستعتمد كنموذج لبناء دولة وقيام مؤسسات وإخراج المواطن من الزبائنية السياسية التي يمارسها جنبلاط وأمثاله في السلطة منذ عقود.
بهذا النهج سيربح دياب وحكومته على أكلة الجبنة!
Leave a Reply