وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
يحل رمضان هذه السنة على اللبنانيين وقد أنهكتهم الأزمات الواحدة تلو الأخرى. فبعد أزمة كورونا التي شلت البلاد يأتي الارتفاع غير المسبوق لسعر الدولار ليسجل رقماً قياسياً قرب أربعة آلاف ليرة، وسط تصاعد مخاوف المواطنين من أن تطال الأزمة كافة حياتهم الاجتماعية والسياسية وحتى الأمنية.
الهيئة الإدارية لنقابة الصرافين، وبعد اجتماع طارئ لها، قررت تعليق الصرافة الشرعية لغاية الاثنين القادم، كي لا يتحمل الصرافون القانونيون الفلتان الجنوني لسعر الدولار الذي يتنامى بفعل الشائعات التي يجري تداولها عبر وسائل التواصل، معتبرة أن الصرافين القانونيين لا يمكن أن يستمروا كشهود زور لذلك دعتهم إلى الانسحاب المؤقت من التعامل.
وقد شهدت شركات تحويل الأموال اصطفاف طوابير طويلة من المواطنين أمامها بهدف تسلم تحويلاتهم بالدولار قبل أن تتحول إلى العملة اللبنانية بدءاً من يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد).
في السياق عينه، اجتمع رئيس الحكومة حسان دياب بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بحضور وزير المال غازي وزني، ليل الأربعاء الماضي، وجرى البحث في التدابير الواجب اتخاذها للجم التدهور الحاصل وضرورة تفعيل التنسيق بين السلطة التنفيذية والسلطة النقدية.
وكان الرئيس دياب قد انتقد بقوة، سلامة والتعميمات التي يفرضها. وقد رشح أن ثمة توجهاً للحد من صلاحيات سلامة ليتسرب لاحقاً وجود توجه لإقالته بهدف امتصاص غضب الشارع الذي يحمّل بغالبيته، حاكم مصرف لبنان المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع. وحُكي أيضاً عن اتصال أجراه البطريرك الماروني بشارة الراعي بالرئيس دياب طالباً منه ألا يجعل من سلامة كبش محرقة…
الرئيس ميشال عون أيضاً، اجتمع بحاكم المصرف للبحث في المواضيع عينها. وتُعقد مع صدور هذا التقرير، جلسة لمجلس الوزراء ستسبقها مشاورات بين الرئيسين عون ودياب بهدف التنسيق واتخاذ الموقف المناسب الذي سيعلنه الرئيس دياب بعد الجلسة.
الجلسة ستستعرض مسودة خطة الحكومة الإنقاذية المؤلفة من ثلاثة أبواب. الأول، يتعلق بالآلية العامة للدولة، والثاني يتعلق بالسياسة النقدية مع مصرف لبنان والقطاع المصرفي، والثالث يتعلق بالقطاعات الاقتصادية.
مصادر تحدثت لـ«صدى الوطن» عن رد فعل إيجابي تجاه هذه الخطة من قبل صندوق النقد الدولي، لكنها لم تشر إلى طلب أية مساعدة من الصندوق. ومن المتوقع أن يتحدث الرئيس دياب بعد الجلسة لاستعراض العديد من الأرقام والحقائق الغائبة عن اللبنانيين. وقد يعلن مواقف متشددة ربما تطال مصرف لبنان والمصارف الأخرى.
توتر سياسي
وسط كل ذلك لا تزال أصداء التوتر الذي ساد الجلسة التشريعية التي عقدت يوم الأربعاء الماضي، تتردد في الأوساط السياسية، لاسيما حول تعامل رئيس مجلس النواب نبيه بري مع رئيس الحكومة على خلفية فرط النصاب وتطيير الجلسة وعدم الموافقة على خطة الحكومة التي تقدمت بها لتخطي تبعات أزمة كورونا…
عن هذا الموضوع يقول الباحث والكاتب السياسي حسن شقير إن تلك الجلسة التشريعية كانت تشبه كل شيء إلا التشريع، فالكثير من مشاريع القوانين واقتراحات القوانين كان يجب أن تقر ولم يحصل ذلك، وهي تتعلق بمكافحة الفساد والعفو العام ومحاكمة الوزراء السابقين والحاليين أمام القضاء العدلي، كلها لم تُقر وسيق الكثير من الحجج لتبرير عدم إقرارها كفقدان النصاب.
وإذ تحدث البعض عن خطأ ارتكبته الحكومة من خلال عدم إرسال هذه المشاريع في التوقيت المناسب، لكن أساس المشكلة يكمن في عدم وجود جدية في مكافحة الفساد، بحسب شقير الذي لفت إلى أن الكثير من تلك المشاريع، لو أقر، كان ليسهم إلى حد كبير في وقف النزيف الحاصل، بينما كل يلقي بالمسؤولية على الآخر فيما الأزمة تستفحل ساعة بعد ساعة.
يلوم شقير الحكومة في مسألة واحدة، وهي أنها، وكي لا تقع في ما وقعت فيه حكومات سابقة، عليها أن تشير بالبنان إلى كل تفصيل وأن يوضع أمام الرأي العام كل ما يجري، ومن الذي يعرقل، لأن هناك من يريد إسقاط هذه الحكومة في الشارع، والناس يتألمون ويتضورون جوعاً وقد لا يجدوا إلا الحكومة لتحميلها المسؤولية.
وأضاف «لا نمتلك في الوقت الراهن ترف التريث والاستمهال في اتخاذ القرارات وتنفيذها، فالوضع حساس وخطير جداً والناس يئنّون تحت وطأة الوضع الاقتصادي المنهار ويريدون أن يلمسوا تغييراً حقيقياً في النهج الذي ساد طيلة فترة الحكومات المتعاقبة». كذلك يلفت شقير إلى أن على هذه الحكومة، بشخص رئيسها وأعضائها، أن يصارحوا الشعب بما يجري. «فهذه حكومة التحديات وقد ورثت تركة كبيرة جداً من الفساد والرئيس حسان دياب رضي بحمل أعباء تلك التركة في وقت تهرب فيه كثرٌ من تحمل المسؤولية رغم أن لهم اليد الطولى في ما وصلت إليه البلاد».
ويحذر شقير من أن هذه الحكومة إذا سقطت بوجه الطبقة التقليدية فإن البلاد ستذهب في منحى لا تحمد عقباه في إشارة قوية إلى احتمال حدوث انفجار اجتماعي يولد انفجاراً أمنياً بطبيعة الحال، مؤكداً أن ما حصل في مجلس النواب يوم الأربعاء أشبه بمسرحية هزلية.
«فبعض النواب الذين قدموا اقتراحات قوانين لإقرارها صوّت ضدها أعضاء الكتل التي ينتمون إليها»، لافتا إلى أن هذه الأمور لم تعد تنطلي على الشعب اللبناني.
وفيما يتعلق بالزيارة المفاجئة التي قامت بها السفيرة الأميركية الأسبوع الماضي لجنبلاط يلفت شقير إلى أنه يجب علينا رصد توجهات البيت الأبيض ووزير الخارجية الأميركي وحتى كلام جيفري فيلتمان في الأيام الأولى لتأليف الحكومة، حيث تحدث وقتها عن نوايا مبيتة للبنان والمطلوب اليوم من السياسيين عدم التماهي مع إملاءات الإدارة الأميركية كي لا يُحسبوا عليها، وكي لا يكونوا موضع اتهام.
ويقول شقير إن واشنطن منعت كل الدول من تقديم المساعدة للبنان، وربطتها بتقديم التنازلات، «لكن على الحكومة أن تتحلى بالشجاعة وعلى الرئيس دياب أن يكمل ما بدأه لجهة التحدي والمواجهة ويتخذ قرارات سيادية، لاسيما وأن هناك فريقاً وازناً يقف إلى جانبه ويدعمه، هو فريق المقاومة.
يضيف شقير أن «حزب الله» ليس على رأس السلطة لكنه يتحمل الكثير في سبيل الحفاظ على السلم الأهلي، الذي بات مهدداً مع انعدام الأمن الاجتماعي وهو ما يعني دخولنا في مشروع الفوضى.
ارتفاع سعر الدولار الجنوني وعودة الحراك إلى الشارع قد يندرجان ضمن خطة مبرمجة ومنسقة وفق «أمر عمليات» خارجي، لا سيما بعد الزيارة الليلية غير المتوقعة التي قامت بها السفيرة الأميركية للزعيم الدرزي وليد جنبلاط والتي تزامنت أيضاً مع عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بهدف ممارسة ضغوط قصوى على حكومة دياب.
يلفت شقير هنا، إلى عودة قطع الطرقات والتي تحمل في طياتها مشروعاً فتنوياً خطيراً ويربط ذلك بالتعاميم التي يصدرها حاكم مصرف لبنان والتي تزيد من تأزم الوضع الاقتصادي بحسب الخبراء، وكلا الأمرين يصبان في اتجاه واحد: إسقاط حكومة دياب.
أفق الحل الاقتصادي يبدو مسدوداً بفعل الهندسات المالية الفاشلة التي اعتمدها رياض سلامة منذ تسلمه منصب حاكمية المصرف المركزي والذي يشبهه شقير بـ«الأخطبوط» الذي مد أذرعه حول غالبية الطبقة السياسية، مشيراً إلى أن التعاميم التي أصدرها سلامة زادت من غلاء الأسعار والتضخم وارتفاع الدولار وشحه في الوقت عينه.
ولكن مع أزمة كورونا، من سيقدم السيولة للبنان؟ بالطبع لا أحد، فالأزمة باتت عالمية. أما حتى لو لجأ لبنان إلى صندوق النقد الدولي فهناك شروط أميركية قاسية عليه أن يخضع لها تصل إلى حد المس بسيادته، وهو ما لن يكون مقبولاً أبداً… بل يؤكد شقير أنه على هذه الحكومة أن تسير في قرار المواجهة وأن تسلخ النظام السياسي والاقتصادي عن كل ماضيه مهما كان ذلك مؤلماً وصعباً، والعودة إلى الاقتصاد الإنتاجي بدلاً من الريعي.
يشير الباحث والكاتب اللبناني أيضاً إلى أن جوهر المشكلة يكمن في نقطة واحدة تتمحور حولها كل الضغوط والهدف منها واحد: سلاح المقاومة اللبنانية. وفي هذا السياق يذكر شقير كيف أنه وفي الأيام الأولى لتأليف حكومة الرئيس دياب نشطت وزارة الخارجية الإسرائيلية بقوة، وكانت توعز للأوروبيين بضرورة عدم تقديم أية مساعدة لهذه الحكومة إلا مقابل التنازلات وتحديداً في موضوع سلاح المقاومة، مشدداً أنه على لبنان أن ينفتح بسرعة باتجاه الشرق للحصول على الدعم من سوريا وإيران والعراق وصولاً إلى الصين وروسيا، قبل أن يشتد الخناق الاقتصادي ويهب الشارع بوجه الحكومة.
هو قبر يُحفر لهذه الحكومة كي تدفن فيه من قبل خصومها، وحتى من بعض الحلفاء… الأفق لا يبدو وردياً ولا حل أمام هذه الحكومة سوى تفعيل أوراق القوة وتوجيه الرسائل إلى أصحاب الرؤوس الحامية بأنها قادرة على الرد.
Leave a Reply