مريم شهاب
لشهر نيسان الذي ولّى حزيناً قبل أيام، معزّة خاصّة عندي.
مضى دون أن أحيّيه وأذكّره بأيام الضيعة حيث الربيع والزهور وجدول الماء والشمس اللطيفة قبل حرارة الصيف. لن أدع كورونا تفسد علاقة جميلة بأيام الربيع. كنا ننتظره بلهفة. تلاقي ألوانه البهيجة دواخلنا بعد برد الشتاء بفرحة الشجر وهو يكتسي زهراً بديعاً وبمرح الطيور وهي تنعم بشمسه ونسيمه الهامس اللطيف يحمل زقزقةً وتناغماً في لوحة زاهية لا تملك إلّا أن تقول تبارك الخالق فيما أبدع.
الطفولة في القرية حلم، أكثر مما هي حقيقة. فيها عشت وكبرت وأمدّتني عبر السنين فيضاً من البراءة والبساطة والمصالحة مع الحياة مهما كانت مرارتها. أقول لحفيدي زين، ابن الاثني عشر ربيعاً ولا زال لا يعرف كيف يقص أظافره و«يتفركش» في رباط حذائه، ويولِّي هارباً من العنكبوت أو النملة، أقول له: أنا عندما كنت في عمرك كنت أسوق بقرتين وحماراً للرعي في الصباح وبعد الظهر. يضحك حفيدي متظاهراً أنه يصدقني ولا يريد أن يحرج سذاجتي كما هو يفكِّر. يعتقد ما أقوله له هو لعبة افتراضية من ألعابه الإلكترونية العديدة. لكنها الحقيقة يا صغيري. الحقيقة الجميلة الغائبة عن جيلك.
في نيسان كانت تمتلِئ بركة الضيعة، تفيض ينابيع العين، وتتوالد الماعز والغنم؛ جداء وأكباشاً صغيرة لطيفة تمشي وراء أمهاتها بغنج ودلال. وعلى درب العين وطرقات القرية يتمشى الشباب كل مساء وتبتسم لهم الصبايا من بعيد بما يكفي لكتابة قصائد على البحر الطويل.
كان ذلك أيام الشباب الذي لن يعود. أيام كان الأصدقاء يتلاقون دون تلفون أو «مسدج». مشاوير في الهواء والشمس بلا أراكيل وبلا آيفون. كانت أبواب البيوت في شهر نيسان تفتح طوال اليوم لتبث الدفء وتطهر الأجواء. لم تكن للأبواب أجراس أو «كودات» لفتحها. لم يكن فيها جهاز إنذار من السرقة أو الحريق لأنها ببساطة، بلا كهرباء. كان الجميع يحفظون عادات وأوقات بعضهم البعض.
لم نكن ملائكة بالمطلق.
إذ كان معروفاً أن أكل اللوز الأخضر أشهى إذا قطفته خِلسة وسرقته من أشجار الجيران، خصوصاً البخلاء منهم. كانت المقالب بريئة ولا تؤذي. كل ذلك كان يبدأ بحلول شهر نيسان قبل بدء تعب الفلاحين وشقائهم في تحمّل المشاق والإرهاق في حقولهم وكرومهم ومعاناتهم في دورة أخرى لشتل الدخان وتدليل أوراقها طوال الصيف وصولاً إلى حساب الحقل الذي لا يضبط غالباً مع حساب البيدر.
أعود إلى حفيدي وأقول له: كنت في عمرك، أجلس على صخرة وأحلم… ربما حلمت بالسفر. لم أتخيّل أن تحملني الأحلام إلى هذه البلاد البعيدة. لقد قذفتني أحلامي إلى مدن كثيرة وبلاد عديدة. فهل ينتابني الندم؟ لا. سوف أحدثك يا زين عن كل ذلك فيما بعد. أما الآن فدعائي وحلمي أن يمر كابوس كورونا وتبقى بخير.
Leave a Reply