وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
في زيارة خاطفة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصل يوم الأربعاء الماضي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في أول زيارة لمسؤول أميركي رفيع إلى إسرائيل منذ بداية أزمة جائحة كورونا.
بومبيو التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشريكه في الائتلاف الحكومي بني غانتس، إضافة إلى عدد من المسؤولين، بينهم وزير الخارجية المقبل غابي أشكينازي، ورئيس «الموساد» يوسي كوهين.
وحول فحوى المحادثات، وخلافاً لما كان متوقعاً، أجمعت الصحافة الإسرائيلية على أن الاجتماع غابت عنها مسألة ضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية، لتتركز المباحثات على ثلاثة عناوين رئيسية أخرى، هي: الوجود الإيراني في المنطقة، والعلاقات الصينية الإسرائيلية المتنامية، وطبعاً، أزمة كورونا شغل العالم الشاغل.
ضم الضفة
بالنسبة إلى ملف الضم، نقلت مصادر إسرائيلية صحافية مطلعة على المحادثات، أن بومبيو اكتفى بنقل رسالة من إدارة ترامب مفادها ضرورة تعليق مسألة الضم في الوقت الراهن على الأقل، من أجل إتاحة الفرصة لتقييم الموقف الفلسطيني، وما إذا كان سيتغير بشأن الدخول في مفاوضات مع إسرائيل على أساس صفقة القرن.
عدم الحماسة الأميركية هذه للقرار الإسرائيلي بضم غور الأردن والضفة الغربية مرده وبكل بساطة إلى القلق الذي يساور ترامب وإدارته من تبعات مفاعيل دعم قرار مماثل على مصيره في الانتخابات المقبلة التي سيخوضها في الربع الأخير من هذا العام، لكن، وفي الوقت عينه، يبقى استخدام هذه الورقة أمراً مفيداً للغاية كورقة ضغط على القيادة الفلسطينية لإرغامها على التفاوض وفق أسس صفقة القرن، بعد أن كانت قد رفضت ذلك، وهو ما يعني بطبيعة الحال تأجيل الموضوع في المدى المنظور، علماً بأن بومبيو تعمّد التلميح إلى تسليم بلاده بصوابية أي قرار تتخذه تل أبيب لجهة التوقيت والتنفيذ، قائلاً إن الحكومة الإسرائيلية هي التي ستحسم توقيت تنفيذ خطة فرض سيادتها على أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن والآليات التي ستعتمدها.
الخشية من مفاعيل سلبية على الانتخابات ليست الأمر الوحيد الذي يدفع ترامب وإدارته إلى التردد في دعم مشروع الضم الإسرائيلي بقوة، بل جرى الحديث أيضاً عن ضغط مارسته جهات أمنية إسرائيلية، لأنها ترى في الأمر سبباً لإشعال المنطقة وتفجيرها، فضلاً عن خلاف في وجهات النظر بين كل من نتنياهو وغانتس إزاء المسألة، فالأخير، وعلى عكس نتنياهو، يرغب في تنفيذ الخطوة بعد أخذ مباركة عربية، ولو بنسبة معينة، بقدر عدم رغبته في خسارة تقارب تلك الدول مع تل أبيب.
المرحلة الأولى من الخطة موضع الجدل، تتضمن فرض السيادة على غور الأردن وشمال البحر الميت، على أن يتم ضم كل المستوطنات في الضفة الغربية في المرحلة الثانية، والتي تشكل نحو 30 بالمئة من مساحتها، وفق ما نصت عليه صفقة القرن.
وعلى أهمية ملف الضم، يبقى الهاجس الأساس لدى واشنطن والذي سيطر على أجواء المحادثات، النفوذ الإيراني في المنطقة وقدراته المتعاظمة في موازاة تقاربه مع بكين.
إيران.. الكابوس المستمر
واشنطن التي لطالما مثلت طهران هاجساً لها، ترى أن الأخيرة، وبرغم ما هو مفروض عليها من عقوبات وما تعانيه من أزمة اقتصادية خانقة، فضلاً عن أزمة كورونا التي وضعتها في مقدمة الدول المتأثرة بالوباء، تستمر إيران في امتلاك جزء كبير من القرار على الساحة الدولية كلاعب أساسي، مع عدم إغفال خطر امتلاكها القنبلة النووية، الذي لا تفوّت طهران فرصة إلا وتنفي سعيها إليه.
كل هذه الوقائع لا تعني بالضرورة سعياً أميركياً إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع طهران، بل لا يعدو الأمر أن يكون سوى مزيد من الضغط السياسي لخنق الجمهورية الإسلامية عبر العقوبات المتصاعدة لدفعها إلى التفاوض المباشر مع ترامب.
في السياق عينه، كان الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني السيد حسن نصرالله قد أشار في خطاب له، يوم الأربعاء الماضي لمناسبة الذكرى السنوية الثانية لاغتيال القيادي مصطفى بدر الدين، إلى أن على الإسرائيليين ألا يصغوا إلى أكاذيب قادتهم لأنهم قد يرتكبون حماقة ربما تؤدي إلى انفجار المنطقة.
وتحدث نصرالله بإسهاب عن الوجود الإيراني في سوريا، مؤكداً أن إسرائيل تعتمد التضليل في خطابها، وما تروّج له على أنه انتصار ما هو في الواقع إلا انتصار لمحور المقاومة، لافتاً إلى أن خفض عدد المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا تم بالتنسيق بين قيادة البلدين على خلفية الانتصارات التي تحققت في الميدان، وسخر نصرالله من وزير الحرب الإسرائيلي ووصفه بـ«الأبله» وهو الذي كان قد وعد بإخراج الإيرانيين من سوريا قبل نهاية العام. وفي إشارة إلى نية تصعيدية لدى إسرائيل، قال نصرالله إن الكيان الإسرائيلي مرعوب من التطورات الميدانية في سوريا لمصلحة محور المقاومة وهو ما قد يدفعه إلى مغامرات غير محسوبة.
التعاون الصيني الإسرائيلي
في الجانب الآخر للهاجس الأميركي، وهو العلاقات الصينية الإسرائيلية المتنامية لدرجة باتت تمثل مدعاة قلق كبير لواشنطن، حيث يعتقد مسؤولون في إدارة ترامب أن الصين تنظر إلى إسرائيل باعتبارها باباً خلفياً يمكنها من خلاله الوصول إلى البرامج الأميركية السرية واختراقها.
المشاريع الصينية في إسرائيل هي الموضوع الأصعب في المشاورات بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو في السنتين الأخيرتين، حيث أعربت واشنطن مراراً عن قلقها من الاستثمارات الصينية في إسرائيل وتبعاتها الأمنية «الخطرة»، وهو الأمر الذي تسبب بتوتر غير معلن بين إسرائيل والإدارة الأميركية، رغم دعم الأخيرة المطلق لتل أبيب.
وفي جولة سريعة على الإعلام الإسرائيلي، بدا واضحاً أن واشنطن منزعجة جداً من التعاون الإسرائيلي–الصيني في ثلاثة مجالات رئيسية، تتمحور –أولاً– حول اتفاق جديد لا يزال قيد البحث بين بكين وتل أبيب، يتعلق ببناء جسور وطرقات سريعة، حيث تهدف إسرائيل إلى الإفادة من تجربة الصين في هذا المجال، إضافة إلى مشاريع بنى تحتية أخرى. التعاون الثاني هو عبارة عن مشروع صيني يتعلق بتحلية مياه البحر في الأراضي المحتلة. أما المجال الثالث والذي لا يقل أهمية، هو مجال التكنولوجيا المتقدمة، حيث تسعى واشنطن إلى إيقاف مشروع تبلغ قيمته عشرات المليارات من الدولارات. وكذلك تضغط لوقف أي محاولات للتعاون بين تل أبيب وبكين في مجال إنتاج اللقاحات والأمصال ولاسيما ما يتعلق بفيروس كورونا. الجواب الإسرائيلي لبومبيو بحسب الصحف الإسرائيلية لم يكن مجزياً وهو: «سندرس طلب الحليف الأميركي»!
استثمارات التنين الصيني
وكان مسح أجرته وكالات الاستخبارات الإسرائيلية سابقاً قد كشف أن الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط قد تضاعفت بنسبة 1700 بالمئة خلال الفترة من 2012 إلى 2017. وقد ورد أيضاً أن الصين أصبحت تمثل أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا وثالث أكبر شريك تجاري لها في العالم بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأن الصينيين استثمروا 700 مليار دولار في المنطقة خلال هذه الفترة، نصفها تقريباً كان في قطاع الطاقة.
أما خلال الفترة من 1992 إلى 2017 فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 50 مليون دولار إلى 13.1 مليار دولار. وكانت الصين قد استهدفت الاستثمار في أكبر شركتين مصدّرتين للسلاح في إسرائيل وهما شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية وشركة «رفائيل» المصنّعة للأسلحة، إلى جانب شركة «إلبيت سيستمز». والجدير ذكره أن الشركتين الأولى والثانية مملوكتان للدولة، ولديهما فروع في الولايات المتحدة وتساعدان على تصنيع الأسلحة الإسرائيلية الأكثر تطوراً، بما في ذلك الصواريخ وإلكترونيات الطيران. أما ما يثير القلق الأكبر لدى واشنطن فهو أن شركات صينية قد حصلت على امتيازات لتشغيل وإدارة الموانئ الجديدة التي قامت بإنشائها لمدة 25 عاماً.
بعد زيارة تناولت كل تلك الملفات الساخنة، اختتم وزير الخارجية الأميركي زيارته بمؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإسرئيلي بينيامين نتنياهو، حيث قال إنّه «لا يزال هناك عمل يجب القيام به ضمن رؤية الرئيس دونالد ترامب للسلام (صفقة القرن) في المنطقة».
الموقف الفلسطيني
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ولمناسبة الذكرى الثانية والسبعين للنكبة الفلسطينية، قال إن «صنّاع نكبتنا مارسوا أبشع المؤامرات والضغوط والمجازر والمشاريع التصفوية، التي كان آخرها ما يُسمى صفقة القرن، لكن كل ذلك تكسّر على صخرة هذا الشعب الفلسطيني».
وفي إشارة منه إلى توجّه حكومة الوحدة الإسرائيلية الجديدة إلى ضمّ أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، هدّد عباس «بإعادة السلطة النظر في كل الاتفاقات والتفاهمات، سواء مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أو مع الولايات المتحدة الأميركية نفسها» مؤكداً أن السلطة ستكون في حلّ من كل تلك الاتفاقيات والتفاهمات إذا أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن ضم أي جزء من أراضينا المحتلة. وحمّل الحكومتين الأميركية والإسرائيلية المسؤولية عن كل ما يترتب على ذلك من «آثار أو تداعيات خطيرة».
وكان «أبو مازن» قد دعا في وقت سابق، إلى عقد اجتماع لقادة الفصائل الفلسطينية في رام الله، السبت المقبل، للتباحث في طرق الرد على خطوة الضم الإسرائيلية المزمعة، رفضت المشاركة فيه كل من حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، لكونهما تريان أن المدخل الحقيقي لمواجهة الضم والاستيطان يكون عبر عقد اجتماع الإطار القيادي للمنظمة بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأمناء الفصائل وقادتها. وكان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات قد استبق زيارة بومبيو بالقول إن وزير الخارجية الأميركي لم يتواصل مع الفلسطينيين قبل مجيئه، معلِناً أن تعاون إدارة ترامب مع إسرائيل فيما يتعلق بخطة الضم، يُعَدُّ محاولة لدفن حقوق الشعب الفلسطيني، وهجوماً صارخاً على القانون الدولي.
Leave a Reply