وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
اختلف المراقبون في تقييم خطوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، التي أعلنها مساء الثلاثاء الماضي، والتي اعتبر فيها أن بلاده في حلٍّ من كل الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل. البعض وصفها بالخطوة القوية والمصيرية، فيما ذهب البعض الآخر إلى التقليل من شأنها كثيراً، نظراً إلى التجارب السابقة، بحيث لم تتجاوز مفاعيل قرارات مماثلة عتبة الغرفة التي أُقرت في داخلها.
أتت الخطوة الفلسطينية كرد فعل رسمي من السلطة على التحركات الإسرائيلية الأخيرة، والمدعومة أميركياً والتي تهدف إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية وبعض أجزاء غور الأردن وشمال البحر الميت، إلى السيادة الإسرائيلية.
أما عباس فبدا وكأنه يواجه الإسرائيليين بمسدس فارغ ، هكذا يشبّه الباحث في الشؤون الإسرائيلية والأستاذ في الجامعة اللبنانية، عباس إسماعيل، قرار الرئيس الفلسطيني بإلغاء الاتفاقيات الموقعة مع الإسرائيليين، معتبراً أن السبب في ذلك هو أنها خطوة ليست جديدة، فقد سبق أن أقدم عليها «أبو مازن» مرات عديدة، من دون أن يكون لها أي تأثير عملي على أرض الواقع.
فالتجربة أثبت أن تهديدات عباس فارغة وخالية من أي مضمون، وقد جرت العادة أنه كلما أقدم الإسرائيليون على خطة توسعية جديدة، واجهها عباس بالتهديد نفسه، بحسب إسماعيل.
الأمر ذاته ينطبق على الإسرائيليين، الذين في كل مرة أيضاً، يقابلون تهديداته باللامبالاة نفسها، فقد اعتادوها وباتوا على يقين من أنها لا تساوي الحبر الذي تكتب فيه.
يؤكد إسماعيل أن وقف التنسيق الأمني يضر كثيراً بالإسرائيليين، لكنهم في الوقت عينه يراهنون على أن السلطة لن تجرؤ على تفعيل قرارها، لأنها ستخسر كل مكاسبها التي حققتها وتحققها من خلال هذا التنسيق، ولو أنهم يأخذون الأمر على محمل الجد –أي الإسرائيليين– أو كان لديهم أدنى تخوف من إمكان إقدام السلطة الفلسطينية على تنفيذ تهديدها، لكان الأمر مختلفاً تماماً، ولكنّا اليوم في مكان آخر.
أما فيما يتعلق بالأسباب التي تجعل من الصعب عليهم تحمل ذلك، فيؤكد الباحث اللبناني أنها عديدة، وأبرزها أن قوات الاحتلال ستُضطر وقتذاك إلى تحمل المسؤولية الاقتصادية والأمنية الكاملة في مناطق السلطة التي ستسقط تلقائياً بفعل التفلت الأمني والاقتصادي وحتى الاجتماعي، في حال إلغاء تلك الاتفاقيات، وستُضطر إلى زج قواتها الأمنية والعسكرية في المناطق التي كانت تمسك بها السلطة الفلسطينية من خلال تنسيق أمني وثيق مع سلطات الاحتلال على الصعد كافة، مع ما يمكن أن تواجهه من مقاومة شرسة تتحيّن الفرصة للانقضاض على الجيش الإسرائيلي، ما يعني انفلاتاً أمنياً كبيراً لا يمكن لإسرائيل تحمّله.
في حيثيات القرار الفلسطيني، يشير إسماعيل إلى أن التنفيذ الجدي لتهديدات أبو مازن يعني نسفاً لكل ما سبق إتمامه من اتفاقيات قديمة وجديدة، واجتثاثاً لأي أمل بتسوية أو مفاوضات لاحقة. السلطة الفلسطينية اليوم تتحمل كامل المسؤولية الاقتصادية والأمنية في المناطق التي تسيطر عليها، وفي حال تخلّيها عن ذلك فإنه لا يمكن تخيل مآل الأمور لجهة الانفلات الأمني والانهيار الاقتصادي، الذي أكثر مَن سيتضرر منه هو الإسرائيلي بطبيعة الحال.
وتأكيداً على وجهة نظره، يلفت إسماعيل إلى أن أكثر مَن يتطرق إلى الحديث عن هذا الموضوع هم القادة الأمنيون، بمعزل عن السلطة السياسية بطبيعة الحال، وذلك لأنهم أول المعنيين بما قد يجري، وعلى عواتقهم ستقع كل التحديات الأمنية المحتملة.
لكن السلطة السياسية في إسرائيل لم تكلّف نفسها عناء الرد الرسمي على أبو مازن، وهو ما اعتبره إسماعيل رد فعل طبيعي في سياق التجارب السابقة لقرار السلطة الفلسطينية على مدى السنوات الطويلة الماضية، إذ تتحدث الأوساط الإسرائيلية عن الأمر بأنه لا يعدو كونه زوبعة في فنجان، ولن يترك أي أثر فعلي.
ولكن من باب فرض المُحال، ولقراءة كل الاحتمالات، فإن أبو مازن إذا ما كان جاداً هذه المرة –وهو أمر مستبعد– وقرر أن يختم حياته السياسية بموقف تاريخي، ويكمل المسار الذي بدأه ليل الثلاثاء الماضي، فإنه بذلك سيحرج الإسرائيليين كثيراً وسيضطرهم –عاجلاً أم آجلاً– إلى تقديم تنازلات لم تكن في حساباتهم يوماً، أقلها العدول عن فكرة ضم أجزاء من الضفة الغربية.
الجدير ذكره أن تقديرات فلسطينية كانت قد أشارت إلى أن «الضم» سيسلخ أكثر من 30 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.
لكن ذلك أمر مستبعد تماماً، فثمة ضغوط جاهزة لتمارَس من قبل الأميركيين وحتى من بعض العرب لمنعه من ذلك، وأقصى ما يمكن أن يفعله الرجل هو رفض صفقة القرن فقط، لا نسف كل الاتفاقيات المبرمة سابقاً.
«إحراق المراكب ممنوع، فهو يعني نسفاً لمبدأ التسوية من أصله، وكذلك لمبدأ العمل السلمي»، وهنا يشير إسماعيل إلى أن الأميركيين وبعض العرب في حال لمسوا جدية في قرار عباس إلغاء كل الاتفاقات مع إسرائيل فقد لا يتوانون عن استبداله في اللحظات الحرجة بطريقة أو بأخرى.
أكثر ما تراهن عليه إسرائيل هو المصلحة الملحة للسلطة الفلسطينية ورئيسها في استمرار الاتفاقات وتحديداً التنسيق الأمني، حتى لا يحصل في الضفة الغربية كما حصل في قطاع غزة من سيطرة لفصائل المقاومة.
وفي سياق الردود الإسرائيلية، صرّح مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة داني دانون بأن انسحاب رئيس السلطة الفلسطينية من الاتفاقيات مع إسرائيل ووقف التنسيق الأمني معها سيمسّان قبل كل شيء الطرف الفلسطيني.
التشكيك الإسرائيلي بدا واضحاً لدى المسؤولين الأمنيين، الذين أشاروا إلى أنه لم يطرأ أي تغيير على التنسيق الأمني بين الأجهزة الإسرائيلية وأجهزة السلطة الفلسطينية، وأكدوا أيضاً أنه في حال قرّر أبو مازن إيقاف النشاط ضد حماس وإيقاف التنسيق الأمني، فإنه سيكون معرّضاً لأنشطة «تآمرية» من جانب الحركة «عدوّه اللدود».
وقد كشفت قناة «كان» الإسرائيلية نقلاً عن مصادر فلسطينية أن السلطة الفلسطينية بعثت برسائل عبر القنوات الرسمية لإسرائيل شددت خلالها على أنها لن تسمح بانتشار العنف في الضفة الغربية حتى في ظل قرار وقف التنسيق الأمني.
عباس في خطابه الذي بثه التلفزيون بعد اجتماع للقيادة الفلسطينية في رام الله، قال: «إن منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، قد أصبحتا اليوم في حلّ من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة على تلك التفاهمات والاتفاقات، بما فيها الأمنية».
وتابع قائلاً «على سلطة الاحتلال الإسرائيلي ابتداءً من الآن، أن تتحمل جميع المسؤوليات والالتزامات أمام المجتمع الدولي كقوة احتلال في أرض دولة فلسطين المحتلة، وبكل ما يترتب على ذلك من آثار وتبعات وتداعيات».
وجدد عباس خلال خطابه الالتزام «بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين»، مع الاستعداد للقبول بوجود طرف ثالث على الحدود، على أن تُجرى المفاوضات لتحقيق ذلك تحت رعاية دولية متعددة، وعبر مؤتمر دولي للسلام، وفق الشرعية الدولية.
وفيما غاب التعليق الرسمي، ثمة قراءة إسرائيلية صحافية لخطوة عباس، حيث ذكرت صحيفة «هآرتس» أن إعلان عباس لم يشمل حل السلطة التي نشأت بموجب هذه الاتفاقيات، لافتة إلى أن التنسيق مع إسرائيل ما زال مستمراً. ونقلت الصحيفة عن مصدر فلسطيني كبير شارك في اجتماع عباس قوله إن الرئيس ينوي وقف التنسيق الأمني، لكنه لم يغلق الباب.
صحيفة «إسرائيل اليوم» قالت إن هذه خطوة رمزية وموجّهة إلى بيني غانتس، أي أن من المجدي له الدخول في مفاوضات، عندما يصل إلى رئاسة الحكومة.
وبحسب الصحيفة نفسها، فإن مسؤولين فلسطينيين يعتقدون أن إعلان عباس هو على المستوى التصريحي فقط، ولا توجد أية نية للانسحاب من اتفاقات أوسلو، مؤكدين أن قرار الانسحاب من هذه الاتفاقيات سيؤدي إلى حل السلطة.
أما موقع «واللا» العبري فقد نقل عن مسؤولين في جهاز الأمن الإسرائيلي قولهم، إنه لم يطرأ أي تغيّر على التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن في إسرائيل والسلطة الفلسطينية، في إشارة إضافية إلى التقليل من أهمية خطوة أبو مازن.
Leave a Reply