عنف الشرطة ضد السود يشعل احتجاجات غاضبة في مينيابوليس
مينيابوليس، إبسيلانتي
عادت قضيّة التمييز العنصري ضدّ السود في الولايات المتحدة إلى الواجهة، خلال الأسبوع الماضي، إثر مقتل رجل إفريقي أميركي اختناقاً على يد شرطي أبيض، الأمر الذي أثار احتجاجات غاضبة وتظاهرات جابت شوارع مدينة مينيابوليس التي شهدت أعمال سلب ونهب وصدامات مع الشرطة. وبالتزامن، شهدت ولاية ميشيغن –الثلاثاء الماضي– حادثة عنف مماثلة ضد المدنيين السود، حيث قام أحد عناصر شرطة مقاطعة واشطنو، بتوجيه عدة لكمات على رأس امرأة سوداء أثناء اعتقالها، فيما قام شرطي آخر بصعق زوجها بعد امتناعهما عن مغادرة موقع إطلاق نار في بلدة إبسيلانتي.
وإذا كانت حادثة ميشيغن، التي لم تسفر عن سقوط ضحايا، قد تم تطويقها بلقاء بين شريف مقاطعة واشطنو وممثلين عن المحتجين، فإن ردود الفعل على حادثة مقتل جورج فلويد (46 عاماً) في مينيابوليس خرجت تماماً عن نطاق السيطرة حيث تم تسجيل أعمال شغب واسعة استمرت بشكل يومي منذ الثلاثاء الماضي، مما دفع رئيس بلدية المدينة إلى مطالبة حاكم الولاية تيم والتز بتدخل قوات الحرس الوطني من أجل استعادة الأمن.
مأساة جورج فلويد
في لقطات فيديو هزت الولايات المتحدة، لفظ رجل أسود أنفاسه الأخيرة بعدما تعرض لمعاملة عنيفة من شرطة مدينة مينيابوليس، رغم توسلاته بأنه لا يستطيع التنفس.
وتظهر اللقطات، الشرطي الأبيض وهو يجثم بركبته فوق رقبة الضحية الذي راح يستعطفه لنحو ثماني دقائق من دون جدوى، مما تسبب بوفاته لاحقاً.
وقال ترامب في تغريدة على حسابه في «تويتر» يوم الأربعاء الماضي: «مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل يجريان بالفعل، بطلب مني، تحقيقاً في وفاة جورج فلويد المؤسفة جداً والمأساوية في مينيابوليس». وأضاف «طلبت الإسراع بهذا التحقيق، وأنا ممتن جداً لكل ما بذلته سلطات إنفاذ القانون المحلية من جهد».
وقال جايكوب فراي، رئيس بلدية مينيابوليس، إن الضباط الأربعة الذين ألقوا القبض على الضحية أوقفوا عن العمل، فيما فتح مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) تحقيقاً في الواقعة بمشاركة محققي الولاية.
وخلال اللقطات المصورة في أحد شوارع المدينة، يمكن سماع صوت الضحية وهو يقول: «من فضلك من فضلك، لا أستطيع التنفس»، ثم أضاف: «بطني تؤلمني. رقبتي تؤلمني. كل شيء يؤلمني». كما تظهر في الفيديو أصوات المارة الذين شاهدوا الواقعة، حيث قال أحدهم إن الضحية لم يقاوم الاعتقال، بينما أضاف آخر أن الشرطي كان يبدو «مستمتعاً» بتثبيت الرجل المسكين.
وقال ميداريا أرادوندو قائد شرطة مينيابوليس، إن «القوات لديها طرق في كيفية وضع شخص ما تحت السيطرة»، مشيراً إلى «تحقيق داخلي» في الواقعة.
وكان تقرير الشرطة الأولي قد قال «إن الضحية، طُلب منه النزول من سيارته، وبعدما ترجل قاوم عناصر الدورية». وأضاف: «تمكن العناصر من تكبيل المشتبه به، ولاحظوا أنه يعاني ضائقة طبية»، موضحاً أن سيارة إسعاف نقلته إلى مستشفى قريب حيث أعلن عن وفاته فور وصوله.
وكانت الشرطة تشتبه في محاولة فلويد استخدام أوراق بنكنوت مزيفة بأحد المتاجر.
وقال محمود أبو ميالة، صاحب متجر «كاب فوودز» بمدينة مينيابوليس خلال لقاء مع قناة «سي أن أن»، إن أحد الموظفين اتصل بالشرطة عندما أعطاه فلويد ورقة مزورة بعشرين دولار. وأوضح أبو ميالة أنه عندما أتت الشرطة إلى المتجر، كان فلويد واقفاً في الخارج، كما أنه لم يلاحظ أية مقاومة من جانبه أثناء عملية اعتقاله.
وكانت مواقع إخبارية قد نشرت لقطات تظهر فلويد وهو يتعاون مع الشرطة خلال لحظة إخراجه من السيارة دون مقاومة، قبل أن يطلب منه الشرطي الانبطاح أرضاً.
وأثارت الواقعة موجة احتجاجات متواصلة في مينيابوليس، ضد التعامل العنيف للشرطة مع السود، كان شعارها الأبرز «لا أستطيع التنفس».
ودارت اشتباكات بين المحتجين، الذين قدرت أعدادهم بالآلاف، وشرطة مكافحة الشغب التي أطلقت الأخيرة قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق المحتجين، بعد تسجيل أعمال سلب ونهب وحرق طالت عدة أحياء ومتاجر في المدينة.
وملأ مئات من المحتجين، كثيرون منهم كانوا يغطون وجوههم، الشوارع المحيطة بقسم الشرطة المحلي الذي على بعد حوالي نصف ميل من المكان الذي اعتقل فيه فلويد، وقاموا بتخريبه. وأظهرت تغطية تلفزيونية من طائرة هليكوبتر، الأربعاء الماضي، عشرات ينهبون متجراً من متاجر «تارغت»، ويخرجون منه محملين بملابس أو بعربات تسوق مليئة بالسلع. كما أضرم آخرون النيران في متجر لقطع غيار السيارات. ويقع المبنيان بالقرب من قسم الشرطة الذي كان يعمل فيه الشرطيون المتورطون بقتل فلويد قبل أن يتم تسريحهم في اليوم التالي للحادثة.
وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع وشكلت حاجزاً بشرياً لمنع المتظاهرين من اقتحام قسم الشرطة الذي تم تكسير نوافذه.
وبحلول يوم الخميس استدعى حاكم ولاية مينيسوتا الحرس الوطني «للمساعدة في حماية السكان والحفاظ على السلم» بموجب أمر تنفيذي أصدره في أعقاب عمليات الشغب والنهب التي امتدت إلى مدينة سانت بول المجاورة.
وكتب الحاكم في تغريدة أنه اتخذ هذا القرار بناء على طلب «قادتنا المحليين الحصول على مساعدة الحرس الوطني في مينيسوتا لحماية المتظاهرين السلميين وجيراننا والشركات الصغيرة».
وشهدت مدن أميركية عديدة تظاهرات احتجاج ضد مقتل فلويد، كان أبرزها في نيويورك وكاليفورنيا.
وفيما تعهد الرئيس ترامب لعائلة الضحية عبر «تويتر»، «بإحقاق العدل»، طالبت عائلة فلويد باتهام رجال الشرطة المتورطين بالقتل. وقالت بريدجيت فلويد شقيقة الضحية، «هذا ما فعلوه بالضبط، ارتكبوا جريمة قتل بحق أخي»، مؤكدة أن طرد الشرطيين «ليس كافياً».
وبدوره،، تساءل رئيس البلدية –فراي– «لماذا الرجل الذي قتل جورج فلويد ليس (موجودا) في السجن؟». وأضاف «لو كنتم أنتم أو أنا الذين فعلوا ذلك لكنا الآن وراء القضبان».
كما دانت شخصيات عديدة، العنف غير المبرر الذي يمارسه رجال الشرطة ضد السود.
وقالت السناتورة كامالا هاريس (عن كاليفورنيا) إنه «عمل تعذيب» و«إعدام علني» في مجتمع يتسم بالعنصرية.
أما نائب الرئيس السابق جو بايدن المرشح الديمقراطي للرئاسة فرأى أنه «تذكير مفجع بأن هذا ليس حادثاً عرضياً بل جزء من دوامة من الظلم المنهجي الذي ما زال قائماً في بلدنا». وأضاف أن هذه القضية تذكر بملابسات مقتل أريك غارنر في نيويوك عام 2014. وكان هذا الرجل الأسود قد توفي اختناقاً خلال قيام رجال شرطة بيض بتوقيفه لاشتباههم بأنه يبيع سجائر مهربة. وأدت هذه القضية إلى ظهور حركة «حياة السود مهمة» التي نظمت احتجاجات في العديد من المدن الرئيسية وقد تحول بعضها إلى أعمال شغب واسعة، مثل بالتيمور وفيرغسون.
حادثة إبسيلانتي
وبالعودة إلى حادثة إبسيلانتي في ولاية ميشيغن، قال شريف مقاطعة واشطنو، جيري كلايتون، إن عناصر الشرطة المتورطين في الحادث تم وضعهم في إجازة إدارية، بمن فيهم الضابط الذي شوهد عبر كاميرات المراقبة وهو يلكم المرأة أثناء اعتقالها، مؤكداً أن الدائرة فتحت تحقيقاً داخلياً حول الحادث.
وقال كلايتون: «ليس عندي شك على الإطلاق، ولا أجادل في أن لقطات الفيديو مقلقة.. وتستدعي إجراء تحقيق كامل» في الحادثة التي وقعت في بلدة إبسيلانتي، التي تبعد 40 ميلاً إلى الغرب من ديترويت.
وجاء بيان شريف واشطنو، عقب تظاهر عشرات الأفارقة الأميركين أمام مقر الدائرة في بلدة بيتسفيلد، احتجاجاً على العنف ضد السود. وردد المتظاهرون شعارات «لا عدالة، لا سلام».
وقال كلايتون الذي استقبل في مكتبه ممثلين عن المحتجين، إنه أمر بفتح تحقيق داخلي حول استخدام القوة ضد الزوجين، مؤكداً التزام دائرته بنشر جميع الحقائق حول الحادث عندما تصبح متاحة.
وقال الناشط تريش داكوورث، أحد منظمي الاحتجاج: «لا يمكننا الاستمرار في السماح بحدوث ذلك».
وكانت الشرطة قد قالت في بيان إن الإجراءات التي اتخذت ضد شاتينا غرايدي إل، وزوجها دان غرايدي إل، بعد تجاهلهما الأوامر بمغادرة موقع إطلاق النار حفاظاً على سلامة سكان الجوار.
وكان قد تم استدعاء الشرطة إلى المكان بعد ورود بلاغات عن شجار كبير ضمّ نحو 30 شخصاً وتخلله إطلاق نار. وعند وصول عناصر الشريف، تم إسعاف امرأة (34 عاماً) أصيبت بعيار ناري فيما تحلق حولها عدد من الأشخاص، وقد اضطر العناصر إلى طلب المؤزارة من دوائر الشرطة المحلية للمساعدة في إخلاء وتطويق موقع الحادث.
وفي مشهد لافت يوم الخميس الماضي، تظاهر نحو خمسين مسلحاً من الأفارقة الأميركيين أمام مقر الكابيتول في عاصمة ميشيغن تأكيداً على حقوق السود ورفضاً للعنصرية ضدهم بعد حادثة مقتل فلويد.
Leave a Reply