كمال ذبيان – «صدى الوطن»
أنهت الحكومة اللبنانية برئاسة الدكتور حسان دياب، مهلة المئة يوم الأولى محققة جزءاً من وعود بيانها الوزاري الذي نالت على أساسه ثقة مجلس النواب.
أطلّ دياب على اللبنانيين معلناً عن نجاح الحكومة في إنجاز 97 بالمئة من أهداف مهلة المئة يوم و20 بالمئة من وعود البيان الوزاري بشكل عام، واعداً بمزيد من العمل الدؤوب «بعد إصلاح السكة» تمهيداً لانطلاق المهمة شبه المستحيلة للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة بعد أن أرخت الأزمة الاقتصادية المعقدة والمتراكمة منذ ثلاثة عقود بظلالها على اللبنانيين الذين يئنون تحت خط الفقر، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 60 بالمئة من الشعب بات يرزح تحت خط الفقر، مقارنة بحوالي الثلث فقط، قبل وباء كورونا و«الحراك الشعبي» الذي انفجر في 17 تشرين الأول الماضي ضد الطبقة الحاكمة التي أوصلت لبنان إلى الإفلاس.
ما هي الإنجازات؟
ما قاله الرئيس دياب في رسالته إلى اللبنانيين، حول إنجاز حكومته كان نظرياً أكثر منه تطبيقياً، إذ هو أشار إلى أنه طلب إلى الوزراء تخفيض النفقات التشغيلية ما بين 15 و20 بالمئة، وهذا سيؤدي إلى خفض الإنفاق العام ما بين 4 و5 بالمئة في موازنة 2020، رغم أن الموازنة الحالية هي هي متقشفة أصلاً.
لا شك أن التقشف في الإنفاق الحكومي يصب في الإصلاحات المطلوبة للحد من العجز ووقف الهدر الذي أنهك خزينة الدولة لاسيما من خلال صفقات المشاريع المشبوهة لحساب الدولة، والتي كانت تعقد في كثير من الأحيان خارج إدارة المناقصات، وإن مرّت عبرها، فإن تلزيمات المشاريع كانت تتوزّع على عدد قليل من المتعهدين الذين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، ومن بينهم شركات يملكها كل من جهاد العرب وجوزف خوري وسمير ضومط وغيرهم، ممن تتوزّع عليهم المشاريع المربحة مثل جمع النفايات وإدارة الإتصالات وشراء الفيول لمعامل الكهرباء وتعبيد الطرقات، وغير ذلك من الأشغال، ناهيك عن احتكارات شركات استيراد الدواء والمواد الغذائية، وصولاً إلى «كارتيل النفط»، الموزّع بين رجال المال والسياسة.
دياب تعهد للبنانيين بمحاسبة هؤلاء عبر مقترحات قوانين تقدّمت بها الحكومة إلى مجلس النواب، تتعلّق بمكافحة الفساد واسترداد المال المنهوب، وهذه خطوة إيجابية متقدّمة للحكومة، رغم أنه بإمكانها أن تبدأ بالمساءلة والمحاسبة من خلال القوانين المرعية الإجراء، دون الحاجة إلى إقرار قوانين جديدة.
صحيح أن القوانين قد تكون أشد وأنجع، ولكن الحكومة لم تظهر –حتى الآن– جدية في ملفات فتحت لمحاربة الفساد مثل «الفيول المغشوش» الذي تستورده وزارة الطاقة عبر شركات لمعامل إنتاج الكهرباء، ليتبيّن وجود تمييع لهذا الملف الذي ينطوي على هدر كبير، إذ تتكبد خزينة الدولة نحو ملياري دولار أميركي سنوياً لتوفير الكهرباء، ويذهب الجزء الأساسي من المبلغ إلى الشركات المحتكرة أيضاً من وكلاء محددين كآل البساتنة، الذين هم شركاء أيضاً مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ونجله النائب تيمور والنائبين أنور الخليل ومروان حمادة، عبر شركة نفط «Hypc Cogico» التي يملكون أسهماً فيها.
تحرّك القضاء ووضع يده على الملف وأوقف موظفين كباراً من الفئة الأولى، وترك بعضهم بسند إقامة، لكن لم يتم استرداد المال المنهوب، الذي تتشوق إليه خزينة الدولة، حيث قد تصطدم التحقيقات بحواجز السياسة، وهو ما ظهر في المؤتمر الصحافي لرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي أعلن أنه لا يثق بقضاة تابعين لجهة سياسية، رافضاً مدير المنشآت النفطية سركيس حليس.
محاربة الفساد
محاربة الفساد التي كانت تؤكّد عليها الحكومات السابقة كبند أساسي في البيانات الوزارية المتعاقبة منذ الاستقلال، والتي كانت تُدرج أيضاً في خطابات القسم لرؤساء الجمهورية، لم تجد طريقها إلى أرض الواقع قط. إذ لم يلمس اللبنانيون منذ عقود، أية جدية في معالجة هذا الموضوع الشائك، الذي تتداخل فيه الطائفية مع الفئوية والزبائنية السياسية، وإن جرت محاولات خجولة لتطهير الإدارة من الفاسدين، وتمّ إعفاء وطرد موظفين، لكنها كانت مخيبة للآمال دوماً.
لم تفعل حكومة دياب خلال مئة يوم، ما يؤكّد على جدية محاربة الفساد، وقد تكون هذه الفترة قصيرة جداً للمس تغيير حقيقي، خاصة وأن المواطنين لم يلاحظوا أي تبدل يذكر في أداء الموظفين. ربما قد يكون إغلاق المؤسسات الحكومية في ظل وباء كورونا، أحد الأسباب التي لم تمكن الحكومة من تنفيذ ما وعدت به على أرض الواقع، علماً بأن وزيرة العدل قد وضعت خطة وآلية لمحاربة الفساد، وتقدّمت بمقترحات قوانين، منها ما تمّ إقراره كرفع الحصانة عن الموظفين، وكذلك عن النواب والوزراء.
إصلاح الإدارة
لم تتّخذ الحكومة قراراً بتسريح الموظفين الذين أدخلوا إلى إدارات الدولة دون مسوغ قانوني، منذ العام 2017، رغم أن القانون 46، الذي أقرّ سلسلة الرتب والرواتب قد منع التوظيف غير أن السياسيين قاموا بتسريب حوالي 5,300 موظف إضافي عشية الانتخابات النيابية الأخيرة، وقد طلبت لجنة المال والموازنة النيابية وقف صرف رواتبهم وإيقافهم عن العمل، لكن هذا لم يحصل لا في هذه الحكومة الحالية ولا السابقة، لأن توظيفهم كان سياسياً.
هذا اختبار لم تنجح فيه الحكومة ولا رئيسها الذي –وفي إطار الإصلاح الإداري– كان قد وعد بأن يقوم بإعادة هيكلة القطاع العام، وهو ما لم يبدأ بعد، رغم أنه كان من ضمن برنامج الحكومة خلال المئة يوم الأولى.
ويشار إلى أن المراجع الدولية، تطالب بتخفيض عديد موظفي القطاع العام، واعادة البحث في رواتبهم كما معاشاتهم التقاعدية مقابل منح القروض والمساعدات. ومع ارتفاع سعر الليرة أمام الدولار لم يعد باستطاعة الحكومة أن تقدم خطوة من هذا النوع، بعد أن خسرت الرواتب نحو 70 بالمئة من قيمتها وقدرتها الشرائية بفعل الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد.
الاتصالات والكهرباء
تعتبر الحكومة أن استرداد قطاع الاتصالات، هو من الإنجازات الموعودة، لاسيما وأنه يدرّ أرباحاً طائلة تقدّر بنحو ملياري دولار سنوياً، وهو قطاع لا يزال في عهدة الدولة، لكن إدارته مخصخصة، وهناك توجّه لإعادته إلى الدولة بإدارة جديدة. غير أن حال مؤسسة كهرباء لبنان المملوكة من الدولة لا يبشر بالخير، لاسيما وأنها تعاني من عجز سنوي يقدّر بـنحو 2 مليار دولار، بسبب تأخّر إنجاز معامل الإنتاج.
وقد وُعد اللبنانيون بعودة التيار الكهربائي 24 ساعة على 24 منذ خمس سنوات، لكن الخلافات السياسية حول تقاسم الحصص في النفط والإدارة، أوقع اللبنانيين في التقنين، وتسديد فاتورتين (كهرباء الدولة والمولدات الخاصة)، حتى بات التوجّه نحو رفع الدعم عن الكهرباء، وهذا أيضاً يدخل ضمن الإصلاحات المطلوبة دولياً، لكن الحكومة لم تضع قطار إصلاح قطاع الكهرباء على السكة، سوى عبر الطلب إلى وزير الطاقة، استدراج عروض جديدة لبناء معامل الإنتاج، وهذه المرة على الغاز وليس الفيول. غير أن هذا التوجه ليس كافياً أو مقنعاً للمواطن الغارق في العتمة والذي سأم الوعود الفارغة.
الوضع المالي
أكثر ما يشغل اللبنانيين، هو الوضع المالي الضاغط، إذ خلال أشهر قليلة، وجد اللبنانيون أنفسهم أمام تدهور حاد في سعر صرف الليرة التي كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يطمئنهم على ثبات سعرها واستقرارها، ليستفيقوا على فقدان مدخراتهم، وهبوط قيمتها الشرائية، وعدم تمكّنهم سحب أموالهم، بعدما مارست المصارف إجراءات «الكابيتال كونترول»، بتحديد سقف السحوبات بالدولار والعملات الأجنبية.
وأوقف «مصرف لبنان» لاحقاً، «الكابيتال الكونترول بحكم الأمر الواقع»، بالسماح بالسحوبات –دون سقف، ولكن بالليرة اللبنانية، ووفق سعر حدّده بـ3,200 ليرة مقابل الدولار الواحد، وهو ما خلق إرباكاً في السوق، ودفع رئيس الحكومة إلى اتهام سلامة بإخفاء الأرقام الحقيقية عن الحكومة واللبنانيين، مؤكداً أن «مصرف لبنان» يعمل خارج التدقيق والمحاسبة، فكلّفت الحكومة شركة أجنبية لتحديد موجودات المصرف المركزي، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ لبنان.
في المقابل نفى سلامة اتهامات دياب معلناً أنه سيتدخل للجم ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة، وسيبدأ العمل بالمنصة التي ستحدد السعر الرسمي للدولار وتتقيّد به المصارف والصرافون الشرعيون، وهذا كان من ضمن اتفاق دياب وسلامة الذي وعد بتأمين التغطية المالية بسعر منخفض للدولار لشراء المواد الغذائية الأساسية، لتوفير السكر والرز وبعض أنواع الحبوب بأسعار منخفضة للفقراء، في ظل احتكار التجار.
إذ لم تعد المئة ألف ليرة تشتري إلا كمية قليلة من المواد الضرورية، وهذا ما يطرح موضوع الأجور والرواتب، في ظل التضخم الذي أصاب الاقتصاد اللبناني، وبطء نموّه.
أما المفاوضات التي بدأتها الحكومة مع صندوق النقد الدولي، فلم يرشح عنها معلومات بعد، سوى ما أعلنته الحكومة عن البدء بالإصلاحات. ولكن على دياب أن يقنع الصندوق والمجتمع الدولي بجديتها، في حين أن العالم يواجه حالة من عدم اليقين الاقتصادي مما يجعل لبنان في أسفل قائمة الاهتمامات الدولية، في ظل جائحة كورونا التي عصفت بالاقتصاد العالمي ورفعت من منسوب البطالة والفقر في العديد من الدول المتقدمة.
الحكومة تبدو جادة في خطتها للتعافي المالي والانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج، لكن التحدي يبقى في الخروج من النظريات إلى التطبيق، وهو ما طالب به الرئيس برّي.
Leave a Reply