ديربورن – بالتزامن مع حركة الاحتجاجات الوطنية على مقتل الإفريقي الأميركي جورج فلويد، شهدت منطقة ديربورن –على مدار الأسبوع الماضي– عدداً من الأنشطة والفعاليات التي أدانت عنف الشرطة ضد السود.
وتنوعت الفعاليات بين مؤتمرات صحفية وبيانات ومظاهرة سلمية أعرب خلالها الناشطون عن تضامن المجتمع العربي الأميركي مع الأفارقة الأميركيين، ومساندتهم في معركة الحريات والحقوق المدنية.
ولم تشهد مدينة ديربورن أي اضطرابات أو صدامات بين الشرطة والمحتجين الذين حافظوا على سلمية تحركاتهم.
ويوم الأحد الماضي، عقدت «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» (أي سي آر أل) مؤتمراً صحفياً حاشداً أمام دائرة الشرطة بمدينة ديربورن، حيث أجمع المتحدثون على وصف حادثة مقتل فلويد بـ«غير المعزولة» وبأنها «تشكل امتداداً ممنهجاً لسياسات التمييز والفصل العنصري»، داعين إلى تضافر الجهود المجتمعية لإنهاء ظاهرة «وحشية الشرطة الأميركية في التعامل مع الأفارقة الأميركيين».
وأعربت المديرة التنفيذية للرابطة الحقوقية، المحامية رلى عون، عن تضامن المجتمع العربي الأميركي مع الأفارقة الأميركيين، وقالت: «إن منظمتنا تستنكر مقتل جورج فلويد وتساند جميع ضحايا العنصرية بكافة أشكالها»، مضيفة «إن مقتل فلويد في مينيسوتا وأحمد أربري في جورجيا وبرونا تايلور في كنتاكي، يظهر لنا بأن معركة الحريات المدنية بحاجة إلى أن تستمر، أكثر من أي وقت مضى». وحثت عون، المجتمعات الأميركية على «مجابهة العنصرية والتمييز وعنف الشرطة في جميع أنحاء البلاد، كلما دعت الحاجة إلى ذلك».
ورفض رئيس «الرابطة العربية الأميركية لحقوق الإنسان»، ناصر بيضون، تصنيف حادثة مقتل فلويد على أنها «حادثة معزولة»، وقال: «تظهر لنا الأحداث المتكررة بأن: حياة السود غير مهمة». وأضاف: «إذا شاهدتم الفيديو (الذي وثّق الحادثة) على أنه شرطي يقتل رجلاً أسود، فأنتم جزء من المشكلة. أما إذا شاهدتموه على أنه يوثق مقتل شخص بريء على يد شرطي فاسد، فأنتم جزء من الحل».
واستفاض بيضون قائلاً: «قد يرى البعض أن أميركا قد تغيرت منذ أحداث الشغب في ديترويت عام 1967، ولكنني أقول لكم إن أميركا تحت قيادة هذا الرئيس (دونالد ترامب) لم تتغير. إننا نرى مظاهر العنصرية والكراهية والتمييز أقوى من أي وقت سابق، وإن الفصل العنصري –في حقيقة الأمر– لم ينته في بلادنا».
مؤسِس الرابطة، المحامي نبيه عياد، شجب –بدوره– تعرض الأفارقة الأميركيين لعسف الشرطة بشكل متكرر في الولايات المتحدة، وتساءل مستنكراً: «متى يتوقف كل هذا؟ كفى يعني كفى»، لافتاً إلى أن منطقة ديترويت تضم أكبر تجمع للعرب والأفارقة الأميركيين في أميركا، وقال: «لهذا نحن نقف معاً، بجانب إخوتنا الآخرين، من جميع المجتمعات الأخرى، في معركة الحريات والحقوق المدنية في هذه المنطقة».
من جانبه، شدد رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي على أن «المدينة تعتمد معياراً موحداً في معاملة الجميع»، وقال: «إن شعارنا في ديربورن، هو الترحيب بكل من يأتي إليها، وإن مبدأنا يفرض معاملة الجميع على قدم المساواة، مع تأكيدنا بأن هذه المعايير يجب أن تطبق في جميع أنحاء البلاد».
بدورها، لفتت عضو الكونغرس الأميركي ديبي دينغل (ديمقراطية–ديربورن) إلى أن مشاعر الغضب والخوف والرعب تعم أميركا بعد مقتل فلويد، وقالت: «لقد ولدنا جميعاً متساوين، ولكننا –بكل أسف– لا نُعامل بالتساوي». وأضافت: «لقد علمني (عضو الكونغرس الراحل) جون دينغل بأن الله أعطانا أذنين اثتنين وفماً واحداً لسبب محدد، وهو أنه لكل شخص منا منظور خاص في الحياة، ولهذا يجب أن نستمع لبعضنا البعض أكثر لنتفهم خصوصياتنا». واستدركت قائلة: «لكن الآن، في هذا الوقت الذي تتألم فيه بلادنا، أقول إن خوفي الأكبر على مجتمع الأفارقة الأميركيين، لأنني لا أريد أن أرى موتاً آخر».
وتابعت: «لقد علمتنا التجارب بأن الخوف والتوتر يدفعاننا جميعاً للعمل معاً من أجل تصحيح الأوضاع، ومن أجل أن نكون موحدين في هذه البلاد».
ناشر «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، أهاب بجميع الأميركيين الوقوف ضد عنف الشرطة لكي لا يقعوا ضحيتها في يوم من الأيام. وقال: «عندما سمعت جورج فلويد وهو يخاطب رجل الشرطة قائلاً: لا أستطيع التنفس، تذكرت أنني سمعت هذه العبارة من قبل، من شخص آخر وقع ضحية رجل شرطة قبل نحو ثلاث سنوات».
وأضاف السبلاني: «لم نفعل شيئاً في ذلك الحين، لذلك فإن رجل الشرطة ذاك حر طليق».
واستدرك قائلاً: «أنا سعيد لأننا نقف هنا اليوم، كباراً وصغاراً، مسلمين ومسيحيين ويهوداً، لكي نعرب عن استنكارنا لجريمة مقتل فلويد، وأؤكد لكم أننا بحاجة لكي نستمر بالوقوف معاً، وإلا فسوف يأتي ذلك اليوم، الذي نلقى فيه على الأرض، مكبّلي الأيدي، ورُكب الشرطة فوق أعناقنا، بينما نحن نستغيث: نريد أن نتنفس!».
وفي كلمته، أشار عضو مجلس نواب ميشيغن، النائب العربي الأميركي عبد الله حمود (ديمقراطي–ديربورن) إلى أن الولايات المتحدة لديها «تاريخ مظلم من العنصرية الممنهجة»، وأن «وحشية الشرطة هي واحدة من معالم تلك العنصرية».
وأدان حمود مقتل فلويد، وقال من الخطأ الفادح اعتبارها جريمة معزولة، لأنها «جزء من الحقيقة القبيحة بأن فلويد اعتقل وقتل بهذه الطريقة لأنه أسود البشرة». وختم بالقول: «إن النظام يعمل كما لو أنه مصمم بشكل مسبق، ولذلك يجب علينا جميعاً أن تقف جنباً إلى جنب، ونتابع المعركة من أجل العدالة».
كما أدان عضو مجلس مفوضي مقاطعة وين، سام بيضون، عنف الشرطة ضد الأفارقة الأميركيين، داعياً إلى عدم التغاضي عن الممارسات التي تنتهك الدستور الأميركي، وقال: «إن مقتل فلويد وهو مكبل اليدين، لأكبر دليل على وحشية عناصر الشرطة الذين يفترض بهم أن يكونوا على قدر المسؤولية التي يحملونها».
واستنكر بيضون صمت عناصر الشرطة الذين شاهدوا الجريمة من دون أن يحركوا ساكناً، وقال «ثلاثة عناصر من الشرطة شاهدوا ما حدث، ولم يفعلوا شيئاً، وهذا بدوره يجب أن يُعامل كجريمة».
من جانبها أشارت رئيسة مجلس بلدية ديربورن سوزان دباجة إلى أن مجتمع المدينة «يواجه أيضاً تحدياته الخاصة»، مشددة على أن معركة الحقوق والحريات المدنية في الولايات المتحدة، هي «معركة الجميع». وأعربت دباجة عن سعادتها لمشاركة الشباب في التحركات الرافضة لعنف الشرطة ضد المدنيين.
رئيس دائرة شرطة ديربورن، رونالد حداد، وصف مقتل فلويد بأنه «جريمة ضد الإنسانية» لافتاً إلى أنه لن يدعو قاتله بـ«الشرطي». وأضاف: «أستطيع إخباركم بأنه ليس بإمكان أي عنصر في دائرتنا أن يفعل ذلك، لأنني منذ تسلمت قيادة الدائرة قبل 12 عاماً، عملنا معاً على ضرورة معاملة الناس بالتساوي، وألا نستخدم القوة المفرطة ضد أي مواطن من مواطنينا».
وتابع قائلاً: «على عناصر الشرطة أن يقفوا إلى جانب الأشخاص عندما يكونون على حق، وأن يواجهوهم عندما يكونون على خطأ، وسوف نواصل العمل على حماية مجتمعنا بغض النظر عما يحصل في الأمكنة الأخرى».
تظاهرة
يوم الثلاثاء الماضي، تظاهر قرابة مئتي شخص أمام مقر شرطة ديربورن، رافعين لافتات تندد بمقتل فلويد وتدعو للاقتصاص من قاتله.
وحملت بعض اللافتات ترميزات رقمية، مثل «8:46» في إشارة إلى المدة التي قضاها فلويد تحت ركبة الشرطي القاتل، وكذلك رقم «16» في إشارة إلى عدد المرات التي قال فيها فلويد «لا أستطيع التنفس».
وضمن برنامج خطابي سبق مسيرة للمتظاهرين على شارع ميشيغن أفنيو، قالت إحدى الناشطات: «في هذه الفترة من الصيف، نحن معتادون على الخروج من أجل التمتع بالطقس، ولكننا نجتمع اليوم لكي نعبر عن تضامننا مع ضحايا الشرطة من الأفارقة الأميركيين وفي مقدمتهم جورج فلويد، لأن حياة السود مهمة».
وطالبت المتظاهرين السود والبيض والعرب أن يختلطوا وأن يتجمعوا ضمن مجموعة واحدة للتعبير عن تضامن جميع الأميركيين بكافة ألوانهم وأعراقهم ضد العنصرية ووحشية الشرطة، وقالت: «علينا أن نتعاون من أجل إحداث تغيير حقيقي في المجتمع الأميركي».
ناشطة أخرى، طلبت خلال كلمتها من المتظاهرين «أن يتنفسوا بعمق»، قائلة «خذوا أنفاساً عميقة بقدر ما تستطيعون، ففي هذه الأوقات العصيبة علينا أن نتنفس بعمق، إنه لإمتياز كبير أن تكونوا قادرين على التنفس، لقد طلب فلويد من الشرطي 16 مرة أن يسمح له بالتنفس، لكنه لم يحصل على فرصة.
وتساءلت مستنكرة: «هل فعلاً لايزال لدينا هذا الكم من الحقد والكراهية والتعصب، طوال ثماني دقائق وست وأربعين ثانية من العنصرية ومنع التنفس، ما هذا؟ إننا نطالب بحقوق السود والعرب والكلدان واللاتينيين والآخرين.. إننا نطالب بالحرية والعدالة للجميع».
وتحدثت ناشطة عربية عن المشاعر التي اعترتها وهي تشاهد فيديو مقتل فلويد، وقالت: «عندما رأيت ما حدث لجورج فلويد، بكيت بحرقة. لم تكن تلك المرة الأولى التي أبكي فيها. إنني أبكي باستمرار». وأضافت: «كمهاجرة من لبنان بعد عام 1975، أعرف ماذا تعني الحرب، وماذا يعني التعصب والكراهية، وعندما جئت إلى هنا، أدركت ماذا يعني أن تذهب أموالي كدافعة ضرائب إلى إسرائيل، لمساعدتها على قمع الفلسطينيين».
وتابعت بالقول: «علينا أن ندرب شرطتنا على الحب والتفهم، لا التمييز والقمع لكي يعاملونا كأعداء. لا مزيد من الركب فوق رقاب الناس، وعلينا أن نتوقف عن إرسال شرطتنا إلى إسرائيل لكي يتدربوا هناك ويعودوا لقتلنا».
وقال الكوميديان والناشط السياسي عامر زهر «نجتمع اليوم هنا في ديربورن، التي يعلم الجميع بأنها عاصمة العرب الأميركيين، لأنه من المهم للغاية بالنسبة لنا كعرب أن نرفع صوتنا مؤكدين على أن: حياة السود مهمة».
وأضاف: «ننضم إليكم في هذه المظاهرة، لكي نظهر تعاطفنا مع أخوتنا الأفارقة الأميركيين، لأننا أكثر من يعرف ما الذي يعنيه الظلم والتهميش. نحن هنا لنظهر تضامننا مع فلويد وجميع ضحايا العنصرية الذي كان بينهم –مؤخراً– الشاب الفلسطيني إياد خلاف الذي أردته الشرطة الإسرائيلية بعشر رصاصات لمجرد أنه فلسطيني تواجد في مكان غير مرغوب فيه».
وأثار زهر حماسة المتظاهرين حين خاطبهم قائلاً: «لا عدالة بدون سلام.. إننا نطالب بالعدالة قبل السلام، لأنهم يعتقدون بأننا سنعطيهم السلام بدون تحقيق العدالة، ولكن هذا لن يحدث مطلقاً». وقال: «أريدكم أن ترفعوا أصواتكم عالياً، خاصة في هذه المدينة التي تمتلك تاريخاً من التمييز ضد السود. نعم إنها عاصمة العرب الأميركيين، ولكن فيها شرائح تكره الأفارقة الأميركيين، وعلينا الوقوف ضدها وتعريتها».
مؤتمر صحفي
ويوم الأربعاء الماضي، أقام ممثلون عن الجالية الإسلامية في منطقة ديترويت مؤتمراً صحفياً في «المركز الإسلامي بديترويت» (آي سي دي)، أعرب خلاله المنظمون عن «تضامنهم الكامل مع أبناء المجتمع الإفريقي الأميركي»، وأدانوا بشكل قاطع حادثة مقتل فلويد.
وجاء في بيان أصدره المنظمون: «لقد أثار مقتل فلويد موجات من الغضب والاحتجاج في ديترويت وفي العديد من المدن الأميركية، حيث دعا المتظاهرون إلى إنهاء التمييز العنصري ووقف انتهاكات الشرطة لحقوق الأفارقة الأميركيين».
كما أصدر «المجلس الأميركي لحقوق الإنسان» بياناً أكد على أن «العرب والمسلمين متحدون ضد جميع أشكال العنصرية»، داعياً إلى «تحقيق العدل والاندماج والمساواة بين جميع الأميركيين». وقال البيان: «نقف معاً، مجتمعاً بجانب مجتمع، ضد العنصرية الممنهجة ووحشية الشرطة. كفى يعني كفى. لقد حان الوقت لإصلاح نظام الشرطة بشكل حقيقي، لتجنب هذه الحلقة من العنف».
Leave a Reply