ترامب يهدد بإرسال الجيش لمكافحة أعمال الشغب .. والاحتجاجات السلمية مستمرة
واشنطن – تظاهرات سلمية خلال النهار، وأعمال نهب وحرق وصدامات مع الشرطة خلال الليل. هكذا عمت الفوضى وحالة التوتر شوارع المدن الأميركية منذ مقتل الإفريقي الأميركي، جورج فلويد أثناء اعتقاله من قبل شرطة مينيابوليس في 25 أيار (مايو) الماضي، حيث انتشرت الاضطرابات خلال الأسبوع الماضي في أكثر من مئة مدينة أميركية وهو ما استدعى تدخل الحرس الوطني في 28 ولاية إضافة إلى العاصمة واشنطن، وسط تراشق سياسي حاد بين الرئيس دونالد ترامب والديمقراطيين الذين سارعوا إلى اتهام الرئيس الجمهوري بالاستبداد ومحاولة قمع التظاهرات السلمية، فضلاً عن تأجيج خطاب الكراهية والانقسام في البلاد.
ترامب الذي كان يضغط من أجل إعادة فتح الاقتصاد الأميركي بأسرع وقت ممكن مع تراجع وباء كورونا، لم يتوان عن التلويح بإنزال الجيش لضبط الأمن بعد عطلة نهاية أسبوع عصيبة عاشتها الولايات المتحدة، حتى أنه هدد حكام الولايات ورؤساء البلديات التي شهدت أعمال نهب واسعة مثل نيويورك ولوس أنجليس وفيلادلفيا ومينيابوليس وغيرها، بأنه سيرسل الجيش في حال فشلوا في احتواء أعمال الشغب وحماية ممتلكات المواطنين متهماً اليسار المتطرف بالوقوف وراء الفوضى، وتحديداً منظمة «أنتيفا» الفوضوية الشيوعية، التي قال ترامب إنه سيقوم بتصنيفها كمنظمة إرهابية.
تهديدات ترامب دفعت العديد من المسؤولين إلى تشديد الإجراءات مما انعكس تراجعاً ملحوظاً في وتيرة أعمال العنف والتخريب بعد عطلة نهاية الأسبوع، وهو ما دفع الرئيس الأميركي لاحقاً إلى التصريح بأنه لا يعتقد أنه سيحتاج إلى الاستعانة بقوات الجيش للتصدي للاحتجاجات، فيما وجّه ممثلي الادعاء العام الفدرالي إلى توجيه «اتهامات جنائية جديدة» لضباط شرطة مينيابوليس الأربعة المتهمين بالمشاركة في قتل فلويد.
وكان المدعي العام في ولاية مينيسوتا، كيث أليسون، قد عدل تهمة الشرطي السابق ديريك شوفين، الذي جثا على رقبة فلويد، من القتل من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية (العمد)، موجهاً أيضاً، تهماً للشرطيين الثلاثة الآخرين المشاركين في الاعتقال.
وشوفين متهم بقتل جورج فلويد الأميركي صاحب البشرة السوداء «خنقاً» خلال اعتقاله، بمشاركة ثلاثة عناصر شرطة آخرين هم تو ثاو، ألكسندر كوينغ، وتوماس لين. وقد وجهت لهم تهم المساعدة والتحريض، وصدرت في حقهم أوامر اعتقال، مع فرض كفالة بقيمة مليون دولار للإفراج عن كل منهم.
وأصبح مقتل جورج فلويد وكلماته الأخيرة «لا أستطيع التنفس»، الموثقة في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع، أحدث بؤرة للغضب من تعامل الشرطة ضد الأميركيين من أصل أفريقي، مما دفع قضية العرق إلى قمة جدول الأعمال السياسي، قبل خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تحل في الثالث من نوفمبر المقبل.
وفي مقابلة مع المتحدث السابق باسم البيت الأبيض شون سبايسر نشرها موقع «نيوز ماكس»، قال ترامب ردا على سؤاله بشأن إمكانية نشر جنود في المدن: «إذا اقتضى الأمر. لا أعتقد أننا سنضطر إلى ذلك». وأضاف: «لدينا سلطات قوية جداً للقيام بذلك. فالحرس الوطني معروف قوي جداً، لكن هل نقوم بما هو أبعد من ذلك؟ بالتأكيد إذا لزم الأمر».
وأضاف أن إدارته حققت «إنجازات كبيرة» للأقليات خلال فترة ولايته الأولى، مؤكداً أن «الأميركيين من أصول أفريقية في وضع أفضل مما كانوا عليه في أي وقت مضى، وسيكونون كذلك مرة أخرى قريباً جداً».
واتهم ترامب، اليسار المتطرف باستغلال حادثة مقتل فلويد لدفع أجندته السياسية، مشيراً إلى أن اليساريين يستهدفون الشرطة من أجل إشاعة الفوضى والجريمة، عبر استهداف قوات الشرطة وإسقاط دولة القانون من خلال استغلال شعارات العنصرية.
ونفى ترامب، التقارير التي أفادت بأنه لجأ إلى مخبأ تحت الأرض في البيت الأبيض مع تصاعد الاحتجاجات خارج القصر الرئاسي، مصراً على أنه لم يزر المنشأة الآمنة إلا لفترة قصيرة خلال النهار لأغراض «التفتيش».
وفرقت قوات الأمن الأميركية، المتظاهرين المتجمعين في ساحة لافاييت قرب البيت الأبيض باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، قبل أن يخرج الرئيس ووزير الدفاع ومسؤولون آخرون من البوابة متجهين إلى كنيسة سانت جونز التاريخية التي تعرضت للتخريب والتقط صوراً له قرب مدخلها وهو يحمل إنجيلاً، مما أثار موجة انتقادات واسعة في أوساط الديمقراطيين.
من جهته، اتّهم المرشّح الديمقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، الرئيس ترامب، بتحويل الولايات المتّحدة إلى «ساحة معركة» بقصد الفوز بولاية ثانية في الانتخابات، واعداً بفعل كل ما بوسعه من أجل «معالجة الجروح العنصرية» في الولايات المتحدة.
وقال بايدن إن ترامب «يستخدم الجيش الأميركي ضد الشعب الأميركي» ويستخدم الغاز المسيل للدموع ضد «متظاهرين سلميين»، وكل هذا لمجرد الترويج لنفسه، وذلك بعيد زيارة مفاجئة قام بها ترامب إلى كنيسة مجاورة للبيت الأبيض.
قال وزير العدل الأميركي وليام بار، إن «متعصبين ومحرضين مندسين» يقودون أعمال الشغب والتخريب، مؤكداً أنهم «يستغلون الوضع لمواصلة تنفيذ أجندتهم للعنف».
وفي أكثر المدن الأميركية تضرراً بأعمال النهب والتخريب، أعلن رئيس بلدية نيويورك، بيل دي بلازيو، أن حظر التجول الليلي الذي أعلن في المدينة، سيبقى سارياً حتى الأحد المقبل، رافضاً نشر الحرس الوطني في العاصمة الاقتصادية للبلاد، بناءً على مطالبة الرئيس ترامب.
لكن دي بلازيو اعتبر أن المدينة، ورغم استباحتها من قبل اللصوص والمخربين، لا تحتاج إلى الجيش بفضل شرطييها الذين يتجاوز عددهم 38 ألفاً، وهو أكبر جهاز شرطة في البلاد.
وقال «سنتخذ تدابير فورا لاعادة النظام والهدوء. أعلم أننا سنتجاوز ذلك، سنشهد بعض الأيام الصعبة لكننا سننجح».
من جهته، اعتبر حاكم نيويورك أندرو كومو أن عمليات النهب «لا يمكن تبريرها»، لافتاً إلى أن رئيس البلدية والشرطة «لم يقوما بعملهما».
وقال كومو في مؤتمر صحفي: «أعتقد ان رئيس البلدية يقلل من حجم المشكلة، لا اعتقد أنهم استعانوا بعدد كاف من عناصر الشرطة للرد» على ما حصل.
واستمرت، خلال أيام الأسبوع، التظاهرات السلمية في كبريات المدن الأميركية، دون تسجيل أعمال عنف أو صدامات إلا بعد تحرك الشرطة لفض المحتجين بالقوة تطبيقاً لأوامر حظر التجول التي فرضتها السلطات المحلية. وقد تم اعتقال أكثر من عشرة آلاف شخص في لوس أنجليس ونيويورك، فيما أصيب عشرات عناصر الشرطة بجروح في أماكن متفرقة.
وكانت أعداد كبيرة من المحتجين قد تحدت حظر التجول وخرجت لشوارع المدن في مختلف أنحاء الولايات المتحدة رافعين شعارات «لا حرية لا سلام» و«حياة السود مهمة» فضلاً عن ترديد اسم جورج فلويد الذي تحول إلى رمز للخطاب المناهض لوحشية الشرطة.
وسيوارئ فلويد الثرى صباح الثلاثاء المقبل في هيوستن، المدينة التي نشأ فيها والتي تقيم فيها عائلته، وذلك بعد أن يقام له حفل تأبيني بمسقط رأسه في ولاية نورث كارولاينا يوم السبت. وذلك بعد تأبينه في مينيابوليس، الخميس الماضي، بمشاركة واسعة من السياسيين الديمقراطيين.
Leave a Reply