الاحتجاجات ضدّ العنصرية تطالب بقطع تمويل الشرطة وإزالة نُصب تاريخية
واشنطن – أخذت الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد، خلال الأسبوع الماضي، منحى جديداً، حيث تراجعت أعمال النهب والتخريب في المدن الأميركية، لمصلحة التظاهرات السلميّة المنددة بالعنصرية ضد السود والمطالبة بقطع التمويل عن الشرطة أو حتى حلّها، كما طالب المحتجون بإزالة عشرات النصب والرموز الوطنية بسبب ارتباطها الوثيق بحقبة العبودية والفصل العنصري.
وكان آلاف المشيعين قد تحدوا الحر القائظ في ولاية تكساس، الاثنين الماضي، لإلقاء نظرة الوداع على نعش فلويد، الذي أقيمت لجثمانه مراسم تأبين في إحدى كنائس هيوستن حيث ولد، وذلك بعد إقامة مراسم أخرى في ولايتي مينيسوتا ونورث كارولاينا.
وشارك في مراسم التأبين الأخيرة في تكساس، أسر أميركيين من أصول إفريقية، قضوا في أعمال عنف مشابهة على يد الشرطة، والذين عادت أسماؤهم للواجهة مجدداً وسط مطالب بإنهاء مظاهر العنصرية في البلاد.
وكانت عطلة نهاية الأسبوع المنصرم قد شهدت أكبر تجمّعات ومسيرات حتى الآن، ولا سيما في العاصمة واشنطن، حيث تظاهر عشرات الآلاف عند نصب لينكولن التذكاري، قبل أن يتوجّهوا في مسيرة نحو البيت الأبيض مردّدين: «لا أستطيع التنفس»، و«ارفعوا أياديكم… لا تطلقوا النار».
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورغم امتناعه عن أخذ أسئلة الصحفيين خلال إطلالته الإعلامية القليلة الأسبوع الماضي، واصل التصويب على منظمي أعمال الشغب والمسؤولين المتساهلين معهم بوصفهم «يساريين راديكاليين». واعتبر ترامب من يدعون إلى حلّ الشرطة «مجانين»، وقال في تغريدة صباح الاثنين الماضي، «القانون والنظام، لا قطع التمويل أو إلغاء الشرطة. لقد أصيب الديمقراطيون اليساريون الراديكاليون بالجنون!».
من جانبهم، أظهر الديمقراطيون دعمهم للاحتجاجات التي تقودها حركة «حياة السود مهمة»، سواء بالشكل، حيث جثا قادة الحزب في الكونغرس على ركبة واحدة لمدة 8 دقائق و46 ثانية تكريماً لفلويد، الذي قضى المدة ذاتها تحت ركبة شرطي بمدينة مينيابوليس في 25 أيار (مايو) الماضي، أو بالمضمون، إذ سارع مشرعون ديمقراطيون إلى تقديم مقترح قانون لإصلاح الشرطة دون الذهاب إلى حد تبنّي مطلب المحتجين وبعض الديمقراطيين الاشتراكيين، بقطع التمويل عن الشرطة أو حلّها، مثلما حصل في مينيابوليس حيث أذعن مجلس البلدية للضغوط وأقر بالإجماع قراراً بحل جهاز شرطة المدينة التي تعرضت لأعمال نهب وحرق واسعة خلال الأسبوعين الأولين من الاحتجاجات.
كذلك، دعت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، الكونغرس إلى اتخاذ خطوات سريعة لإزالة 11 تمثالاً في مبنى الكابيتول بواشنطن، لقادة وجنود من الجيش الكونفدرالي الجنوبي إبان الحرب الأهلية الأميركية.
وقالت بيلوسي في رسالة وجهتها إلى اللجنة المعنية بالنصب التذكارية، الأربعاء الماضي: «تمجد تماثيلهم الكراهية وليس تراثنا، يجب إزالتها».
وكان النواب الديمقراطيون قد حاولوا إخراج تماثيل رموز الجنوب في الحرب الأهلية الأميركية من مبنى الكونغرس بعد أن قتلت شابة وأصيب أكثر من 10 أشخاص خلال مظاهرات بين يساريين وعنصريين بيض في مدينة شارلوتسفيل عام 2017، لكنهم فشلوا في حشد الدعم المطلوب. غير أن مقتل فلويد أعطى زخماً جديداً لتلك الجهود، حيث شهدت مدن، بينها ديربورن، إزالة وهدم تماثيل ونصب تذكارية تعود لقوات الكونفدرالية.
وأسقط متظاهرون تمثال الرئيس الكونفدرالي السابق جيفرسون ديفيس في مدينة ريتشموند بولاية فرجينيا. وقد أمر حاكم الولاية رالف نورثام بإزالة تمثال أيقوني للجنرال الكونفدرالي روبرت إي. لي، الذي لا يبعد كثيراً عن موقع تمثال ديفيس، لكن المحكمة المحلية أمرت بمنع نقل تمثال لي. كذلك خرب محتجون تمثالاً للمستكشف كريستوفر كولومبوس بولاية ماساتشوستس.
من جهة أخرى، رفض الرئيس ترامب، بشدة، المطالبات بحل الشرطة أو قطع تمويلها، وذلك في معرض رده على اقتراحات موسعة تقدم بها الديمقراطيون في الكونغرس لإصلاح الشرطة.
وقال ترامب خلال اجتماع مع مسؤولي إنفاذ القانون في البيت الأبيض «إن 99 بالمئة من رجال الشرطة هم أشخاص عظماء على الرغم من وجود سيئيين بينهم.. الشرطة تسمح لنا بالعيش بسلام».
وفي استجابة للاحتجاجات، اقترح الديمقراطيون في الكونغرس إصلاحاً شاملاً للشرطة وطريقة عملها.
وسيحد «قانون العدالة في العمل الشرطي» من الحماية القانونية للشرطة، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية للحوادث المفرطة في القوة وحظر الخنق من قبل الشرطة، من بين تغييرات أخرى.
ومع ذلك، فإن الحزمة لم تصل إلى حد تلبية دعوات ناشطين بارزين بحل الشرطة أو تقليص مواردها المالية.
في المقابل، لم يصدر أي موقف عن إدارة ترامب تجاه مطالب الشارع، بل إن وزير العدل بيل بار رفض أية خطوة تحدّ من حصانة أفراد الشرطة، قائلاً: «لا أعتقد أن هناك ضرورة لتقليص الحصانة من أجل ملاحقة شرطيين سيئين، لأن هذا الأمر سيؤدي حتماً إلى تراجع الشرطة عن أداء واجبات إنفاذ القانون». وفي حين كان ترامب يتلقى انتقادات حادة من سياسيين جمهوريين سابقين، ككوندليزا رايس وكولن باول، مضى منافسه الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، جو بايدن، في استغلال اللحظة بالسفر إلى هيوستن للقاء أسرة فلويد قبل دفنه.
وأعرب بايدن عن اعتقاده بأن التمييز العنصري المنهجي، موجود في كل مكان في الولايات المتحدة، وليس فقط في أجهزة تطبيق القانون. لكن نائب الرئيس الأميركي السابق، أكد أنه لا يؤيد الدعوة إلى تقليص تمويل الشرطة، وقال: «أنا أؤيد تقديم التمويل الفدرالي للشرطة، شريطة أن تمتثل لمعايير أساسية معينة في مجال السلوك والأخلاق».
وتعجز أجهزة الشرطة في العديد من المدن عن احتواء المتظاهرين. ففيما تم ضبط الانفلات الأمني نسبياً في نيويورك ولوس أنجليس وسانت لويس وشيكاغو وغيرها من المدن التي تعرضت للنهب والتخريب، إلا أن مدناً أخرى، مثل سياتل، بدأت تعاني من تسيب أمني لافت وهو ما دعا ترامب إلى مطالبة المسؤولين في المدينة الواقعة بولاية واشنطن في شمال غرب البلاد، إلى إعادة السيطرة على المدينة وإلا «سيفعل هو»، وذلك بعد أن أمرت البلدية بإخلاء مركز للشرطة فيما احتل محتجون جزءاً من وسط سياتل وأقاموا «منطقة محررة» وسط انتشار للمسلحين عند مداخلها. وكتب ترامب في تغريدة مساء الأربعاء الماضي، أن «حاكم الولاية (جاي إنسلي) اليساري الراديكالي ورئيس بلدية سياتل (جيني دوركان) يتعرضان للسخرية والتلاعب على مستوى لم تشهده بلادنا العظيمة من قبل».
وأضاف: «استعيدا مدينتكما الآن. إذا لم تفعلا ذلك، سأفعل. هذه ليست لعبة. يجب إيقاف هؤلاء الفوضويين القبيحين على الفور. تحركا بسرعة».
وكان ترامب قد وجه انتقادات من قبل، لرئيس بلدية مينيابوليس جاكوب فراي بعد احتلال المتظاهرين لأحد مقار الشرطة في أعقاب وفاة فلويد، ووصفه بأنه «يساري راديكالي» و«ضعيف جداً».
ملاحقة منظمي أعمال الشغب
قال وزير العدل الأميركي، إن السلطات تعتزم اعتقال عدد من الأشخاص بتهمة تنظيم أعمال شغب خلال الاحتجاجات التي أعقبت مقتل فلويد.
وأضاف بيل بار، في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، تم بثها الثلاثاء الماضي: «جرت محاولات من جانب جماعات اليمين المتطرف، لانتحال هوية اليسار المتطرف. وتظاهر اليساري المتطرف بأنه يميني متطرف. حاول ممثلو الجانبين التحريض على العنف».
ورد وزير العدل الأميركي بالإيجاب على سؤال عما إذا كان من المخطط اعتقال أشخاص قاموا بدور المنظمين. وقال: «لا يمكنني تحديد جدول زمني لهذه التحقيقات. ومع ذلك، أعتقد أننا نعتزم بالكامل كبح جماح هذه الجماعات».
وذكر الوزير، أن السلطات الأميركية تحقق مع عدد من المتظاهرين في البلاد، الذين لهم علاقة بحركة «أنتيفا» الفوضوية الشيوعية.
وأوضح بار، أنه تم احتجاز هؤلاء الأشخاص خلال الاحتجاجات بتهمة ارتكاب العديد من الجرائم.
وكان ترامب، الذي هدد باستخدام الجيش لمكافحة أعمال الشغب التي اندلعت غداة مقتل فلويد، قد سارع إلى اتهام حركة «أنتيفا» بالوقوف وراء الأنشطة التخريبية، متعهداً بضم المنظمة السرية إلى قائمة المنظمات الإرهابية. ونوّه ترامب مراراً عبر «تويتر» بأن الجماعات اليسارية الراديكالية مسؤولة عن أعمال الشغب وحوادث العنف خلال الاحتجاجات.
وفي السياق، ألقت السلطات الفدرالية القبض على محاميين في نيويورك لقيامهما بإلقاء زجاجات مولوتوف حارقة على الشرطة خلال التظاهرات.
وقد تم رصد المحامية الباكستانية الأصل، أروج رحمن، وهي تقوم بتوزيع زجاجات مولوتوف مصنوعة منزلياً برفقة صديقها المحامي أيضاً، على العديد من المتظاهرين، وذلك لرميها على سيارات الشرطة وإحراقها.
Leave a Reply