مريم شهاب
لو عاد الحالم، المتمرد، الرومانسي الحزين، السوري محمد الماغوط، ماذا سيقول لأبيه وهو يضحك بأسلوبه الساخر وكلماته المثقلة بالصور الكوميدية المؤلمة من واقع الإنسان العربي البسيط اليوم، وهو يواجه أباطرة السلطة في سائر بلاد العرب.
هل سيقول له، وهو يشرب كأس مرارته: لقد ضاع ما تبقى من فلسطين والجولان والقدس والضفة الغربية وغور الأردن؟.. هل سيقول سقطت البلدان التي خرجت فيها الجماهير إلى الشوارع والساحات هاتفة للتغيير والإصلاح وللقانون والمؤسسات، فلم تحصد سوى الخيبة والخراب والموت، كمثل رجل قرّر قتل ذبابة فأطلق النار على أنفه؟
ماذا سيقول الشهيد لأبيه الشهيد؟ كيف يصف فصول الانحدار العربي وضياع الأجيال والأوطان.
مما كانت تشكو سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن قبل أن يدمرها هذا الجيل الفاجر العاجز، الذي بدلاً من أن يعمل بجهد وإخلاص لتحصين الدولة وتطويرها قرَّر هدمها ليبني فوقها الجمهورية الفاضلة؟
هل يجد الماغوط كلاماً يقوله لأبيه في وصف الدرك الذي تهاوت إليه أوطاننا العربية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً؟ هل يجرؤ على البوح بأسماء من أهانوا الأرض والناس وتحالفوا مع الصهيونية ضد الأخ والأب وحتى الابن؟
هل سيخاطب وطنه وأباه كما في قصيدته «وطني»:
أناشدك الله يا أبي:
دع جمع الحطب والمعلومات عني
وتعال لملم حطامي من الشوارع
قبل أن تطمرني الريح أو يبعثرني الكنّاسون
محظوظ هو الماغوط، ذلك الحزين في ضوء القمر، لأنه رحل قبل أن يرى ميتات أخرى «للوطن العربي» الذي وصفه بأنه تابوت ممدّد حتى الأطلسي… ولأن ما عاناه من إذلال وإهانة في حياته لا يقارن بما يعانيه الآخرون اليوم في بلادٍ ضيّعت البوصلة، مثل «مرتا»، المشغولة بأمور كثيرة والمطلوب واحد…
بل اسمحوا لي أن أخاطب أنا أبي وأقول له، لولا يا أبي بقينا فلاحين بسطاء، نفلح ونزرع ونأكل من تعب أيدينا! كنا فقراء يا أبي، لكن كانت لدينا كرامة وحنو وألفة وإيمان.
ما نفع الشهادات والنظريات والأحلام الهوائية دون عقل وحرية إرادة؟
لقد أمحلت الأرض يا أبي، لا زراعة ولا بيادر ولا كروم، حقول أكلها الشوك والعشب الضار وكتل الإسمنت. لقد أفل زمان الكبار والأوادم يا أبي… إننا نعيش في زمن الزعران والنفوس المريضة… إنه زمن القحط والحرائق لا زمن الطاقة والنور.
ليت لبنان ظلَّ بلداً صغيراً فيه تفاوت طبقي، وأسياد وعبيد، على الأقل كان كلُّ في شأنٍ يغنيه. أما وقد أراد الجميع أن يصبحوا زعماء، ولو بالزعبرة، ضاع البلد وضاع الناس ولم يعد يمكن التفريق بين الراعي والقطيع.
كنت أتمنى في عيد الأب أن أقول لك إننا بخير ووطننا بخير. لكننا ضائعون نبحث عن وطنٍ يتفتت بين أصابعنا من شدّة التعصب والجهل واليأس.. لقد انكسر الكأس وتحطم الوطن.
Leave a Reply