وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
في إطار الدفاع عن النفس والرد على الاعتداءات السعودية، وضع عضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله» محمد البخيتي، الضربات الصاروخية اليمنية والمسيرات التي استهدفت مواقع سعودية عسكرية الأسبوع الماضي، معتبراً أن ما يميز العملية الأخيرة التي سُميت «عملية الردع الرابعة» هو العدد الكبير من الصواريخ التي استُخدمت.
وإذ أكد البخيتي أن الصواريخ والطائرات المسيّرة أصابت وزارتي الدفاع والاستخبارات وقاعدة الملك سلمان الجوية في الرياض، إضافة إلى أهداف عسكرية أخرى في مدينتي جيزان ونجران الحدوديتين، جاء النفي السعودي على لسان العقيد الركن تركي المالكي المتحدث باسم التحالف، الذي أكد أنه جرى اعتراض جميع الصواريخ، وإسقاط ثماني طائرات مسيّرة.
وكان الناطق العسكري باسم حركة «أنصار الله» العميد يحيى سريع، قد أكد استهداف المواقع السعودية مشيراً إلى أن العدوان السعودي على بلاده قد شن أكثر من 2,890 غارة جوية على الأراضي اليمنية منذ التاسع من نيسان (أبريل) الماضي، إضافة إلى أن الطائراتِ السعودية شنّت أكثر من 400 غارة خلال الأسبوعِ الماضي وحده، كما نفّذت قوى العدوان أكثر من 195 عملية هجومية توزّعت على عدة محافظات.
الورطة السعودية
الحرب لم تتوقف بعد وهي مستمرة، وهذه العملية تأتي في إطار دفاع الشعب اليمني عن نفسه، لأن الحصار الخانق بلغ ذروة لم يسبق لها مثيل، بعد نحو أكثر من خمس سنوات من العدوان على اليمن. هذا ما يؤكده عبد الوهاب المحبشي، عضو المكتب السياسي لـ«أنصار الله»، لـ«صدى الوطن»، كاشفاً أن السفن التي تحمل المشتقات النفطية باتت اليوم محتجزة في البحر الأحمر من قبل السعودية، لا من قبل الأمم المتحدة، وذلك من ضمن الحصار الشامل الذي يُفرض على كل من سوريا ولبنان وإيران والعراق، ما يعني أنها سياسة واحدة موجهة ضد كل دول «المحور»، وهو ما يفسر أيضاً التصعيد السعودي الكبير في تشديد الحصار على اليمن.
يقول المحبشي إن السعودية تعيش اليوم مأزقاً لم يسبق لها أن عاشته من قبل، بعد فشل محاولاتها في إخضاع اليمن، متهماً المملكة بضخ مليارات الدولارات إلى الخزانة الأميركية كي تستطيع فعل ما تشاء على مستوى الإقليم. وأضاف «ضخت السعودية مليارات الدولارات إلى مصانع السلاح الغربية لشراء ما تحتاج إليه وما لا تحتاج إليه من السلاح»، متهماً الرياض بشراء أصوات العديد من أعضاء مجلس الأمن بتغطية عدوانها، و«كذلك فعلت مع الكثير من العاملين في المنظمات الحقوقية لتشتري صمتهم عما ترتكبه من تجاوزات وانتهاكات في حق الشعب اليمني»، مضيفاً أنها «حاولت حتى أن تشتري المفوضين الساميين لحقوق الإنسان، كما مارست ضغوطاً شديدة على الأمم المتحدة لرفعها من قائمة العار».
لكن لاحقاً –بحسب المحبشي– تعرّض الاقتصاد السعودي لانتكاسة قوية عندما دخلت الرياض في مغامرة تخفيض أسعار النفط، حتى وصل سعر البرميل إلى الحضيض، كما عانت سوقها النفطية من حالة عدم الثقة والأمان إثر الضربة الكبيرة التي تلقتها في منشآت شركة «أرامكو» التي خسرت نصف إنتاجها من النفط، «كل ذلك، دفعها للجوء إلى أسوأ أنواع الأسلحة وهو سلاح التجويع ضد الشعب اليمني».
واستشهد المحبشي بما ورد في تقرير أممي صدر حديثاً يقول إن السعودية تستخدم سلاح التجويع ضد اليمنيين لتحقيق مكاسب سياسية، معتبراً أن ما تقوم به السعودية من تشديد للحصار هو آخر ما تمتلكه من أوراق بعد أن استنفدت كل وسائل الضغط، وبعد غرقها المتواصل منذ أكثر من خمس سنوات في المستنقع اليمني، وفشل مخططاتها في لبنان والعراق وسوريا، مضيفاً أنها فيما كانت تصب الزيت على النار، تمكّن المناوئون لها في تلك الدول من تحسين أوراقهم في الميدان، وتجنب الشر الذي كانت تنوي إغراق شعوب المنطقة فيه.
وتيرة العمليات
إذا كانت حكومة صنعاء تعتقد أن عمليات مماثلة لعملية الردع الرابعة ولضربة أرامكو التي نفذتها منذ أيام هي خيار صائب، فلماذا لا تلجأ إلى تكرارها للضغط أكثر ودفع التحالف السعودي إلى وقف حربه على اليمن؟ سؤال طرحناه على المحبشي، فاعتبر أن القيادة ترى أن هذه الخطوة سابقة لأوانها، لأن العقلية السعودية تتميز بنزعة الغرور والانتقام، حتى لو أوصلها ذلك إلى الجحيم، وتجعلها تأنف التراجع تحت وقع الضربات، وهي عقلية بعيدة تماماً عن المنطق العسكري الذي يفرض تراجعاً ميدانياً تحت وطأة الهجمات المتلاحقة والقوية، والقيادة في صنعاء تأخذ هذه المسألة في عين الاعتبار، لأنها تفهم تلك العقلية وتكتفي بضربات متباعدة زمنياً كي لا تستفز الرياض فتندفع باتجاه المزيد من الأذى والتدمير والحصار بحق الشعب اليمني وتبلغ الأمور خط اللاعودة. واعتبر المحبشي أن المطلوب أيضاً إعطاء فرصة للسعودي كي يراجع حساباته، «ولكن ليس إلى حد الوقف الشامل للعدوان والحصار، لأن الرياض لا تمتلك قرار وقف الحرب وهو ليس في يدها».
وعن تحييد الإمارات وعدم استهدافها رغم أنها الشريك الأساسي للسعودية في حربها على اليمن، يؤكد المحبشي أن الإمارات هي مجرد تابع للرياض، وأنها تقف خلف السعودية، التي بمجرد أن توقف تلك الحرب ستتوقف معها بطبيعة الحال، مشدداً على حرص حكومة صنعاء أيضاً على إيصال الرسائل إلى الإماراتيين للنأي بأنفسهم عما يفعله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ثمار عملية الردع الرابعة
أولى ثمار عملية الردع الرابعة بدأت بالظهور، يقول المحبشي. وقد وردت إشارات إيجابية حول الإفراج عن سفن المشتقات النفطية المحتجزة، إضافة إلى رسائل سعودية مستمرة تطلب التفاوض مع الجانب اليمني، مع وعود متجددة بعدم استهداف المدنيين ووقف الغارات الجوية، وبالطبع ليس ذلك رغبة منها في السلام بقدر ما هي محاولة للفكاك من المأزق الذي غرقت فيه.
يشبّه المحبشي الوضع في اليمن اليوم، بما يعانيه قطاع غزة من حصار خانق، والسبب هو أن الجغرافيا اليمنية مقفلة ولا تمتلك امتداداً باتجاه أي دولة من دول «المحور» كي تقدم لها العون المباشر، لكن هذا لا ينفي أو يمنع من أن دول المحور تدعم وتؤازر اليمنيين سياسياً وإعلاميا ومعنوياً، وهو جانب مهم جداً وفقاً للمحبشي.
ويؤكد أن الوضع في اليمن عنوانه «المزيد من الصمود»، وأنه أفضل بكثير مما كان عليه في بداية العدوان على المستويين العسكري والاقتصادي، رغم الحصار والتدمير الممنهج للدورة الاقتصادية. فـ«الأوراق في غالبيتها سقطت من أيدي التحالف السعودي الذي سيُضطر إلى وقف الغارات الجوية على الشعب اليمني»، لكنه يتوقع في الوقت نفسه تشديد الحصار كاستراتيجية بعيدة المدى للرياض.
إنسانياً، حذّر منسق الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة مارك لوكوك، من أن عدم سد الفجوات الواسعة بميزانية عمليات الإغاثة الإنسانية في اليمن ستكون له عواقب كارثية على هذه الدولة، ولا سيما في ظلِ انتشار فيروس كورونا، مشيراً الى أن كثيراً من الإصابات والوفيات لا يُحصى بسبب انهيار نظام الرعاية الصحية.
سلسلة عمليات الردع
سلسلة عمليات الردع بدأتها القوات اليمنية الصيف الماضي مع عملية توازن الردع الأولى في 17 آب (أغسطس،) حيث أعلنت القوات اليمنية تنفيذ عملية واسعة في العمق السعودي، استهدفت حقل الشيبة النفطي الذي يضم مخزون النفط الاستراتيجي في الربع الخالي بجنوب شرق المملكة، ويبعد حوالى عشرة كيلومترات عن إمارة أبو ظبي.
وبعد أقل من شهر، أعلن اليمنيون تنفيذ عملية توازن الردع الثانية في منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، حيث تم استهداف مصافي بقيق وخريص النفطية التابعة لشركة «أرامكو» في أقصى المنطقة الشرقية السعودية، مما ألحق أضراراً فادحة بالمنشآت النفطية وأدى إلى توقف بعضها.
أما عملية الردع الثالثة فقد جرت في أواخر شباط (فبراير) الماضي، ونُفذت باستخدام اثنتي عشرة طائرة مسيرة وصاروخين مجنحين، وشملت استهداف مدينة ينبع السعودية ومنشآت لشركة «أرامكو».
الإدانات الواسعة التي صدرت عن غالبية الدول العربية ربما تكون دلالتها الوحيدة هي أن حجم الضربة كان كبيراً وأن الاستهداف كان مؤلماً بالفعل، بحسب المحبشي.
الرسالة الأهم التي أرادت حكومة صنعاء إرسالها هي أنها لم تعد قوة ناشئة تمتلك قدرات عسكرية محدودة بل باتت قادرة على تهديد العمق السعودي وإيلامه، وبدقة عالية، وأن قيادتها تتمتع بالشجاعة الكافية لأخذ قرار بحجم عملية الردع الرابعة كلما دعت الحاجة.
أما حكومة صنعاء، فقد بات الاعتراف بها، وهي التي تواجه التحالف السعودي منذ أكثر من خمس سنوات، أمراً واقعاً وغير قابل للنقاش، وبات لزاماً على الرياض مراجعة حساباتها في المقبل من الأيام، تفادياً لضربات مؤلمة جديدة قد تكون أوسع وأشمل، بما يهدد أسس اقتصادها المتعب أصلاً لأسباب عديدة، لعل أهمها الاستنزاف المستمر في الحرب على اليمن.
Leave a Reply