وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
تحولت ليبيا إلى ساحة للصراع بين عدة دول إقليمية، بفعل ما تمثله من مصلحة حيوية لتلك الدول. فرنسا وتركيا ومصر والجزائر والسعودية وحتى الإمارات… كلها دول تتنازع على الأراضي الليبية، وبعضها دخل في ما يشبه التحالف دعماً لطرف ضد الآخر.
فرنسا منخرطة بقوة على خط هذا النزاع، وتدفع بطائراتها من طراز «رافال» إلى قصف قاعدة الوطية الليبية التي تضم جنوداً أتراكاً فتوقع فيها أضراراً جسيمة بينها منظومة صواريخ، وفقاً لمصادر قوات حفتر التي تبنّت الهجوم على القاعدة وإن نفت أية مساندة فرنسية.
تركيا من جهتها مع حليفتها «حكومة الوفاق» في طرابلس، قلّلتا من حجم الخسائر، مع نفي قاطع لوجود قوات تركية على الأرض، وأن الأمر يقتصر على مجموعة من الفنيين.
مصر بدورها، كانت اعتبرت على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي أن الشرعية الدولية لتدخلها العسكري في ليبيا باتت متوافرة، وأن هدفها من هذا التدخل هو حماية حدودها الغربية ووقف إطلاق النار وإطلاق العملية السياسية.
أطماع فرنسا في ليبيا، ليست جديدة، وهي حليفة حفتر وشريكته في هجومه على طرابلس، هذا ما يقوله الناطق باسم عملية «بركان الغضب» التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية، مصطفى المجعي الذي يؤكد أن التدخل الفرنسي «ليس جديداً»، لافتاً إلى أنه تم اكتشاف كميات سلاح كبيرة عندما تم تحرير مدينة غريان حتى أن هناك ضباطاً فرنسيين كانوا يقودون العمليات بأنفسهم والدليل على ذلك أنه بعد تحرير المدينة هربوا إلى تونس، وقد صرح بذلك وزير الداخلية التونسي حيث تم إلقاء القبض على مجموعة من الفرنسيين الفارين من ليبيا والذين كانوا يديرون العمليات العسكرية، وقد خسروا المعركة برهانهم الفاشل على قوات حفتر ومحور الإمارات ومصر، وفق تعبيره. ويضيف المجعي أن «معركتنا مستمرة وهدفنا هو بسط سيطرتنا على كامل الأراضي الليبية».
وعن موقفه من التدخل التركي في مقابل التدخل الفرنسي، يجيب المجعي بأن حكومة الوفاق تمثل «الشرعية الحقيقية» في طرابلس وبالتالي لها «حق سيادي بإبرام اتفاقيات تراها مناسبة وفي العلن، فيما المرتزقة و«الفاغنر» و«الجنجويد» أتى بهم حفتر».
ويشير المجعي إلى أن حكومة طرابلس كانت قد أبرمت اتفاقية مع أنقرة في خريف 2019، «بعد مرور تسعة أشهر على العدوان على طرابلس، والذي بشهادة الأمم المتحدة وخبرائها، كانت العمليات العسكرية فيه تُدار من خلال طائرات أجنبية، وتحدثوا أيضاً عن المرتزقة الأجانب»، لافتاً إلى أن الاتفاقية تم تفعيلها في كانون الثاني (يناير) 2020 و«هذا حق شرعي للدولة الليبية وقد ترجمت الاتفاقية إلى كل اللغات ونُشرت في كل وسائل الإعلام وهذا أمر لا نخجل منه».
واستشهد المجعي بـ«حلف الناتو» الذي وصفه بأنه «مجموعة دول وقعت اتفاقيات دفاع مشترك، وهذا اتفاق لا ينقص من سيادة هذه الدول شيئاً».
وفيما يتعلق بالموقف المصري وما أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي من أن الظروف الشرعية باتت مهيأة لتدخل عسكري مصري في ليبيا يعتبر المجعي «أن من السخرية بمكان، الحديث عن حق دولة في الاعتداء على دولة مجاورة لها تحت مُسمّى الأمن القومي، فالأمن القومي المصري يهمنا كما يهم مصر نفسها، لكن على الحكومة المصرية أن تطرق باب الحكومة في طرابلس لعقد الاتفاقيات والتنسيق على الأمن القومي المشترك بيننا وبينها».
وفي تحد للتهديدات المصرية بالتدخل العسكري، قال المجعي «فليتجرأ الجيش المصري ويفعل ذلك علماً» مستدركاً بأنهم «فعلوا ذلك سابقاً ونفذوا أكثر من عملية لكن بشكلٍ محدودٍ ودعموا قوات خليفة حفتر… ولكن نقول للمصريين ولغيرهم لا خطوط حمراً إلا تلك التي نرسمها نحن بدمائنا».
أما عن مدينة سرت التي وصفها السيسي بأنها من الخطوط الحمر، فقال المجعي إنها «تبعد عن الحدود المصرية نحو ألف كلم، أما قاعدة الوطية فتبعد أكثر من ألف وستمئة كيلومتر، وبالتالي هي لا يمكن أن تشكل أي خطر على أمن مصر القومي. السيسي لديه من المصائب ما يكفيه، والليبيون يحترمون ويجلّون الشعب والجيش المصريين لكن عليه –أي السيسي – أن يحرّر بعض الكيلومترات في سيناء والتي أعجزته منذ سنوات، وهذا الكلام مردود عليه ونحن موجودون على أرضنا وأي دولة تعتدي علينا سواء كانت مصر أو غيرها سنواجهها».
وبالنسبة إلى استهداف قاعدة الوطية يشير المجعي إلى أن «لا قيمة عسكرية لها»، معتبراً «تضخيمها» يأتي في سياق «رفع المعنويات»، لأن حكومة الوفاق تتجهز لعملية عسكرية كبيرة لتحرير سرت والحقول النفطية وقاعدة الجفرة، لذلك ربما يكون استهداف قاعدة الوطية هو لثني قوات «بركان الغضب» عن الإقدام على هذه الخطوة.
أما الحديث عن منظومة الصواريخ التي دُمرت في القاعدة فهي منظومة «أم أي أم 23» الأميركية الصنع سنة 1961، و«هي منظومة قديمة، كما لا وجود للطائرات في قاعدة الوطية».
بركان الغضب
يعتبر المجعي اتهام الليبيين بالموافقة على جعل بلادهم ساحة للصراعات الدولية، تغييباً لإرادة الشعب الليبي الذي يصوره البعض على أنه مجرد أدوات خارجية، مؤكداً أن «هناك إرادة شعبية حقيقية للتصدي للعدوان». وأشار إلى أنه في 4 أبريل 2019 –يوم تأسيس عملية بركان الغضب– «لم يكن هناك سوى الليبيين أنفسهم، وهم الذين اختاروا التصدي لهذا المشروع الذي يريد أن ينقلب على مفهوم الدولة ويعيد حكم العسكر وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء».
وبالعودة إلى الدعم التركي يقول المجعي إن هذا النوع من التحالف والدعم المتبادل شائع بين الدول، وساق الجمعي المقاومة اللبنانية مثالاً وهي التي حررت الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي وهزمته، بدعم من سوريا وإيران، وكانت تجاهر بهذا الدعم بل وتفتخر به، وقرارنا اليوم هو تحرير كامل الأرض من المنقلبين على الدولة. وأضاف: أصل العدوان سببه التمرد الذي قام به خليفة حفتر عندما رفع السلاح في وجه الدولة. نحن نرغب ونفضل، بل ونسعى، إلى عملية سياسية لكن العملية السياسية لا يمكن أن تتم إلا بعد القضاء على خليفة حفتر.
وعن دور الأمم المتحدة وممثلها غسان سلامة و«اتفاق الصخيرات» وإمكانية العودة إلى الاتفاقات السابقة، يقول المجعي إن «التجارب العملية تثبت عبر التاريخ أن أي حرب تُخاض من البديهي أن تعقبها عملية سياسية وطاولة حوار، وبالفعل قبل 4/4 كنا ذاهبين إلى مؤتمر مصالحة وطني برعاية الأمم المتحدة كان مقرراً في 15 ابريل في مدينة غدامس، لكن حفتر استبق هذا الموعد بهجومه على طرابلس».
وتابع «ما زلنا نطمح لعملية سياسية لكننا نريد شريكاً حقيقياً يبني معنا ليبيا على أساس الدولة المدنية بعيداً عن سلطة العسكر، وحفتر لا يصلح لأن يكون شريكاً حقيقياً ودائماً لأي عملية سلام مقبلة» مشيراً إلى أن «هذا ما جرى تأكيده مرات عديدة في بيانات رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ومجلس النواب وفي كل البيانات التي صدرت عن الدولة الليبية. «حفتر لا مكان له إلا في السجن بعد أن يُحاسب على الجرائم التي اقترفها، هو وكل داعميه، بحق الشعب الليبي» وفقاً للمجعي.
الميدان ومسار المواجهة
وعن الوضع الميداني حالياً، يؤكد المجعي لـ«صدى الوطن» أنه «بعد تحرير كامل المنطقة الغربية، قبل شهر كنا نتحدث عن معارك تدور على بعد 4 كلم عن طرابلس أما اليوم فالكلام يدور عن تحشيد لمعركة مقبلة في سرت وهي تبعد 450 كلم عن طرابلس واليوم قوات بركان الغضب موجودة في محيط سرت التي باتت محاصرة من أكثر من محور والقوات تنتظر ساعة الصفر للتقدم باتجاه المدينة ودخولها والجفرة والسيطرة على الحقول النفطية وإرجاعها إلى حضن الشرعية باعتبار أنها تمثل المورد الوحيد لليبيين».
ويشير المجعي إلى أن اليوم هناك من يسعى إلى فتح قنوات حوار، «لكن بوجود حفتر في المشهد لا يمكن تحقيق ذلك». وأضاف «نحن اليوم نستعد لعملية عسكرية كبيرة لأن كل الحلول السلمية فشلت مع هذا الرجل».
وعن الدعم التركي والأطماع التوسعية لرئيسها رجب طيب أردوغان، قال المجعي إن «الإعلام يحاول دائما تضخيم الأرقام بشأن الدعم التركي ومحاولة حصر المعركة معه، فيما الحقيقة هي أن طرابلس تشتري السلاح من مالها»، نافياً وجود أي قوات تركية في بلاده، باستثناء بعض الخبراء.
ونفى ما جرى تداوله عن استقدام 2500 جندي قائلاً إن «الأتراك إن وُجدوا فهم عبارة عن مجموعات من الفنيين وفقاً للاتفاقية وعددهم معروف ومحدود».
وعن المصالح المشتركة بين البلدين لفت المجعي إلى أنه «بعد 42 سنة من حكم معمر القذافي ليس لدينا مستشفى وربما سنمنح عقود استثمار في مجالات عديدة لتركيا، وهذا طبيعي لأنها وقفت إلى جانبنا وساعدتنا وسيكون لها الأولوية». وتابع قائلاً «أردوغان عمل بذكاء وقد توجه نحو ليبيا لأنه كان يعلم أننا بحاجة إلى الدعم».
وعن مسار المواجهة لفت المجعي إلى أن وتيرة العنف قد تتصاعد أكثر ولكن داعمي حفتر وصلوا إلى أن لا قدرة لهم على هزيمة قوات حكومة الوفاق ورئيسها السراج «لا سيما بعدما عاينوا بأنفسهم كيف كان تحرير المدن الغربية يتم خلال ساعات، في دلالة كبيرة وواضحة على عدم وجود بيئة حاضنة لجماعة حفتر»، بحسب المجعي الذي أكد أن الأهالي احتشدوا ضدهم بعشرات الآلاف، «رغم تضليل الإعلام المصري والإماراتي في المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها حفتر بالقوة». وأضاف: «هذه القوة ستهزم كما هزمت في الغرب الليبي وبمجرد تحرر سرت والحقول النفطية سينتهي مشروع حفتر مباشرة».
المقلب الآخر
تركيا ترسل سفنها إلى قبالة السواحل الليبية وطائراتها تعبر الأجواء بالعلن محملة بالأسلحة والمقاتلين من مختلف الجنسيات، تحت عنوان دعم «حكومة الوفاق» الشرعية.
لكن لا تخفى على أحد الرغبة التركية في القضاء على القوى الموالية لمصر والمتمثلة بالمشير خليفة حفتر، على سبيل تحقيق أحلام أردوغان التي لا تنتهي باستعادة أمجاد السلطنة العثمانية.
لكن فرنسا التي انخرطت مباشرة في إسقاط القذافي، تقف بالمرصاد أمام أطماع أردوغان عند سواحل جارتها، على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط.
وقد ذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تهديد أنقرة بإخراجها من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، متهماً إياها بمسؤولية جنائية تاريخية في الصراع الليبي. وبناء على طلب من باريس، سيجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في الأيام القليلة المقبلة للتباحث في شأن ليبيا مع احتمال فرض عقوبات إضافية على أنقرة، علماً بأن فرنسا أوقفت مشاركتها في دوريات المراقبة البحرية في إطار مهام «الناتو» بسبب اعتراض فرقاطة عسكرية لها من قبل البحرية التركية التي بدورها طالبت باريس بالاعتذار لتقديمها معلومات خاطئة للاتحاد الأوروبي.
أما مصر بحدودها الغربية، المأزومة أصلاً بفعل مشاكل عديدة ومزمنة، فقالت إن جيشها بات جاهزاً للتدخل وهو «في انتظار الساعة الصفر». وأما الجزائر التي تخشى امتداد النار إليها من جارتها الشرقية، فقد طالبتها حكومة الوفاق بتفعيل الاتفاقية الأمنية معها، في جو يوحي بإمكان دخول الجزائر على خط الدعم العسكري والسياسي لحكومة طرابلس برئاسة السراج.
وسط كل ذلك، ثمة محاولات خجولة تجري بعيداً عن الأنظار، لتحريك عجلة التفاوض والعودة إلى طاولة الحوار، «لكن من دون حفتر»، يقول المجعي.
Leave a Reply