كمال ذبيان – «صدى الوطن»
استراتيجية الردع التي اتّبعها «حزب الله» مع العدو الإسرائيلي، لم يتراجع عنها قط، منذ اندحار قوات الاحتلال عن لبنان في أيار 2000، وقد رسخها في تصديه لعدوان 2006، حين صمدت المقاومة 33 يوماً، دون أن يتمكن العدو من تحقيق أهدافه بتدمير قدراتها الصاروخية وسلاحها النوعي ففشل فشلاً ذريعاً، لترسخ المقاومة توازن الرعب. وما جرى الأسبوع الماضي في جنوب لبنان لم يخرج عن الإطار الذي خطه «حزب الله» على مدى العقدين الماضيين.
المواجهة مستمرة
منذ أن توقّفت العمليات العسكرية بين العدو الإسرائيلي والمقاومة في 14 آب 2006، عملاً بمضمون القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، أعلن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، بأن كل اعتداء إسرائيلي يستهدف المقاومة بقادتها وعناصرها وأجهزتها وسلاحها، سوف يردّ عليه داخل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلتين، بحسب تقدير المقاومة لحجم الاعتداء وطريقة الردّ عليه، والتي قد تكون في داخل فلسطين المحتلة، كما جرى في أيلول الماضي، عندما استهدفت المقاومة دورية عسكرية للاحتلال في مستوطنة «أفيفيم» في الجليل الأعلى قرب الحدود مع لبنان، ردّاً على قيام طائرات إسرائيلية مسيّرة باستهداف مكتب الوحدة الإعلامية في «حزب الله» في منطقة معوّض بالضاحية الجنوبية وجواره.
وقد تحدّث السيد نصرالله حينها عن نظرية للمقاومة، وهي أن يبقى العدو الإسرائيلي واقفاً على «رِجل ونصف رجل»، منتظراً ردّ المقاومة، في حرب نفسية عملت عليها المقاومة ضد المؤسسة العسكرية الصهيونية، والمستوطنين الصهاينة الذين يتقاطرون إلى الملاجئ بانتظار ردّ المقاومة بعد كل اعتداء، إذ لم يعد يمر أي عدوان دون رد في المكان والزمان اللذين تقدرهما المقاومة.
قواعد جديدة
منذ تحرير الجنوب وصمود المقاومة في حرب تموز، وإسرائيل تخشى بناء قواعد عسكرية جديدة للمقاومة في سوريا بعد أن اندلعت الأحداث الدامية فيها، ومشاركة «حزب الله» في القتال ضد الجماعات الإرهابية بجانب النظام الذي صمد بوجه الحرب الشعواء التي شُنّت عليه بسبب موقعه في محور المقاومة، إذ تشكل دمشق العمق الاستراتيجي للمقاومة وصولاً إلى طهران بمواجهة المحور الأميركي–الإسرائيلي المتحالف مع أنظمة عربية.
وبعد أن تغلغلت إسرائيل في جنوب سوريا عبر مجموعات مسلّحة، بدأت المقاومة تفكّر في أن تنشئ قواعد لها في جنوب سوريا، لاسيما في الجولان والقنيطرة، وأوكلت بالمهمة إلى جهاد مغنية نجل القائد العسكري في «حزب الله» عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في 12 شباط 2008، ووقفت إسرائيل وراء عملية الاغتيال، التي تبعتها عملية أخرى استهدفت جهاد مغنية قرب القنيطرة مع أحد ضباط «الحرس الثوري الإيراني»، لمنعهما من تأسيس خلايا المقاومة، والتي كان سمير القنطار الذي حرّرته المقاومة من الأسر في السجون الصهيونية، بعد 28 عاماً، قد بدأ إعدادها، فجرى اغتياله في منزله بمدينة جرمانا في إحدى ضواحي دمشق، حيث بدأت إسرائيل سياسة منع تمركز المقاومة عند حدودها في الجولان المحتل، وتكرار ما حصل في جنوب لبنان.
الحرب المفتوحة
محاولة إسرائيل منع إيران و«حزب الله» من بناء قواعد للمقاومة في سوريا، فتحت الصراع بينهما، إذ كانت المقاومة تردّ على كل اعتداء يستهدف عناصرها أو شحنات الأسلحة التي تقول إسرائيل إنها تستهدف منع وصولها إلى لبنان.
فقد واظب طيران العدو على قصف دمشق وريفها كما الساحل السوري، وأحياناً في الداخل، عندما كانت ترده معلومات عن أن شحنات أسلحة تُنقل إلى المقاومة في لبنان، كما لم توفر مسؤولين إيرانيين تعتبرهم أنهم يقفون وراء المقاومة في سوريا، وهو ما أعلن عنه قادة العدو وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن أو الحرب غابي غانتس وغيرهما، إذ يصرّون على المواجهة لمنع تحويل جنوب سوريا، إلى جنوب لبنان آخر، وربط الجنوبيين في جبهة واحدة، تمتد من الناقورة إلى جبل الشيخ، إذ يقدّر المسؤولون العسكريون، أن يصبح لبنان وسوريا جبهة عسكرية واحدة يمتد عمقها نحو العراق وإيران، حيث يشكّل هذا الترابط الجغرافي لاسيما اللبناني–السوري–العراقي، الكماشة التي يخشى الكيان الصهيوني أن تُطْبق عليه، فيما يشكل قطاع غزّة شوكة عصية على القلع في الخاصرة الغربية للكيان الصهيوني.
المبادرة بيد المقاومة
مع الاستهدافات التي تتعرّض لها المقاومة ومحورها في سوريا، فإن المبادرة مازالت بيدها، إذ مع مقتل أي عنصر لها، يأتي الرد ولو متأخراً احيانا على الجريمة، وهو ما يتوقّعه قادة العدو دائماً، لأنهم يصدقون ما يقوله ويتوعّد به السيد نصرالله، الذي أعلن بأن مقتل المقاوم علي كامل محسن قرب مطار دمشق، لن يمر دون ردّ، وسيكون الرد في التوقيت الذي تريده المقاومة، وداخل لبنان وتحديداً في مزارع شبعا، وهو ما حصل مرات عدة، وقد يكون الردّ خارج هذا النطاق الجغرافي.
ولم تؤكد إسرائيل ولم تنف أنها شنت الغارة، التي وقعت في الساعات الأولى من صباح الاثنين الماضي، ولكنها حذرت «حزب الله» من الرد.
وفي ظل حالة الترقب، اخترع العدو الإسرائيلي خبراً مفبركاً، بأن إحدى دورياته تصدّت لمجموعة مسلّحة من «حزب الله» في مزارع شبعا، كانت ستنفذ عملية ضد هدف إسرائيلي، لكنها لم تنجح في ذلك بعد أن تصدّى لها الجيش الإسرائيلي، وأوقع قتلى وجرحى في صفوفها، ليتبيّن بعد ساعات قليلة، بأن الخبر عار عن الصحة، وهو من تلفيق إعلام العدو، الذي أصيب بإرباك شديد بعد أن صدر بيان «حزب الله» الذي نفى فيه حصول أية عملية عسكرية مؤكداً أن الأمر ليس إلا من صنع الإعلام الافتراضي للعدو الذي خرج قادته في توصيفات متناقضة ومرتبكة لما جرى في تلة رويسات العلم في مزارع شبعا.
وقال «حزب الله» في بيان رسمي: «إن كل ما تدعيه وسائل إعلام العدو عن إحباط عملية تسلل من الأراضي اللبنانية إلى داخل فلسطين المحتلة وكذلك الحديث عن سقوط شهداء وجرحى للمقاومة في عمليات القصف التي جرت في محيط مواقع الاحتلال في مزارع شبعا هو غير صحيح على الإطلاق، وهو محاولة لاختراع انتصارات وهمية كاذبة».
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد حذر قبيل الحادثة المزعومة من أن إسرائيل سوف تحمل «حزب الله» ولبنان مسؤولية أي هجوم من الأراضي اللبنانية.
وقال: «الجيش الإسرائيلي مستعد لأي سيناريو. نحن يقظون في جميع الميادين من أجل أمن إسرائيل، سواء قرب حدود إسرائيل أم بعيدا عنها».
الردّ آتٍ
إن السيناريو الذي قدّمته إسرائيل عن إجهاض عملية للمقاومة، فضح ما يعيشه قادة دولة الاحتلال كما المستوطنون من حالة ضياع وارتباك، وقد ارتفع منسوب القلق عندهم، بعد أن أعلنت المقاومة بأن الردّ آتٍ لا محالة، وهو ما تفعله دائماً، وهذا هو نهجها.
إذ تدرس قيادة المقاومة الرد المناسب، بما لا يؤدي إلى وقوع حرب شاملة، كما حصل في صيف 2006، وهي تقدّر الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان، واحتمال أن يتم استغلال الوضع المعيشي المزري للبنانيين، من أجل خلق شرخ مع المقاومة وإفقادها حاضنتها الشعبية.
فالوضع الداخلي في لبنان محل دراسة معمقة من قيادة المقاومة لاسيما بعد مطالبة البطريرك الماروني بشارة الراعي بـ«الحياد»، وهو ما قد يدفع إسرائيل نحو مغامرة عسكرية لتطبيق القرار 1701 مع إدخال تعديلات عليه، بإدراجه تحت الفصل السابع وتكليف القوات الدولية نزع سلاح المقاومة، حيث يقترح الأميركيون تعديلاً على مهمة قوات الأمم المتحدة، ونشرها على طول الحدود الجنوبية كما الشمالية والشرقية عند الحدود مع سوريا.
المقاومة لا تطلق شعارات شعبوية، ولا تتراجع قيد أنملة عن استراتيجية الردّ التي تتبعتها منذ سنوات طويلة والتي رسخت توازن الرعب بوجه إسرائيل، والرد الذي توعد به السيد نصرالله آتٍ، ولو تأخّر. وإلى حين حصوله فإن قادة العدو يعيشون حالة إرباك وضياع، ويخشون من أي خطأ أو مغامرة تؤدي إلى اندلاع حرب لا أحد يعرف كيف ستنتهي…
Leave a Reply