مريم شهاب
هل أصاب أم أخطأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما حوّل كنيسة «آيا صوفيا» في اسطنبول من متحف عالمي إلى جامع إسلامي؟
لا شك أن أردوغان أراد من قراره الشعبوي هذا استنهاض المشاعر الإسلامية من خلال إثارة النقاش حول مدى صوابية قراره، ولكنه في المقابل أثار زوبعة من الانتقادات وحرك أوكار المعادين للإسلام من مشارق الأرض إلى مغاربها، حتى هنا في ميشيغن، حيث لا يتوانى مروجو الكراهية عن بث سمومهم وافتراءاتهم عبر الأثير كلما سنحت لهم الفرصة.
قرأت العديد من المقالات وسمعت الكثير من الآراء. كثيرون عارضوا تحويل تلك الأيقونة المعمارية التي كانت في الأصل كنيسة مسيحية إلى جامع إسلامي، وكثيرون هللوا للقرار واعتبروه انتصاراً إسلامياً مؤزراً. ولكن طالما أن الكنيسة هي بيت الله والمسجد هو بيت الله وكلاهما مغلق بأمر كورونا فلماذا الخلاف إذن؟
لماذا فُتحت أبواب جهنم للهجوم على الإسلام والمسلمين حتى هنا في منطقة ديترويت الكبرى، حيث وجد القائمون على برامج الراديو الدينية المسيحية، الفرصة سانحة لزيادة جرعة الاستهزاء برب العالمين ونبي الإسلام، زاعمين أنهم أصحاب الدين الحق وهم منه بُرآء.
يهينون الآخرين ومعتقداتهم «في سبيل الله» و«لإعلاء كلمة الله». ما هي كلمة الله؟ هل تحويل كنيسة إلى جامع يعلي شأن الله؟ أم تحويل جامع إلى كنيسة تمجيد الله؟ ألا يرتاح الرب في ملكوته إلا إذا هُدم المسجد الآقصى وبني هيكل مكانه لينزل الله من عليائه ويرتاح فيه ويحل السلام على الأرض؟
هل هذه كانت إرادة الله حين خلق الإنسان ليعمر الأرض وأرسل له الأنبياء والرسل؟ وهل هذه هي روحية الدين، التفرقة والكراهية والحقد والحروب التي لا تنتهي والتفاخر بدور العبادة التي للأسف أكثرها بات يستخدم للشحن الديني والاستعلاء على الآخرين.
في طول الأرض وعرضها يُرفع الآذان بأن الله أكبر. فهل خضع الإنسان وخصوصاً المسلم لذلك النداء بأن الله أكبر ولا يمكن مقارنته بأي مخلوق؟ هل علا شأن الله سبحانه وتعالى حين رُفع الآذان في متحف آيا صوفيا في تركيا؟ ماذا استفاد المسلمون الذين يُقتلون في سوريا وليبيا واليمن بالسلاح التركي؟ ما هي الفائدة الكبرى من أن يصلّي الآلاف يوم الجمعة في آيا صوفيا بينما ملايين الأطفال المسلمين جائعون، خائفون، ذليلون ومشرّدون في المخيمات وفي أصقاع الغرب؟
الإسلام يعني التكافل والتكامل بين الناس والحفاظ على حقوقهم وأرزاقهم وأعراضهم، وليس بناء الجوامع والمساجد الفخمة. لكن للأسف، هذا زمن المرتزقة والوصوليين وتقلب المواقف بحسب المصالح والثراء وجنون العظمة.
دولة الإمارات أرسلت مسباراً إلى المريخ بمليارات الدولارات، ونسيت أنها تسببت في تشريد وموت ملايين العائلات والأطفال في اليمن. إنه الكِبَر والسفَه وليس الجنون. رُفع القلم عن المجنون لكن الحماقة أعيت من يداويها.
هكذا خلا ميدان العالم بأسره، ليس لـ«حديدان» كما يقول المثل، بل للعنف والخوف والفساد ولفيروس كورونا الذي أرغم معظم الناس على تكميم أفواههم والاكتفاء بالنظر وتلقي الأوامر دون أن يعقلوها.
لعل الإنسان إذا سمع أكثر مما يتكلم لخجل من فساده وجشعه وشذوذه.
لا يطلب الله من الناس تطهير المعابد بل يريد من الإنسان أن يطهّر قلبه من التكبّر والحقد.
Leave a Reply