ستيرلنغ هايتس – بعد سنوات من المعارضة الأهلية والنزاعات القانونية، تم –الأربعاء الماضي– وضع حجر الأساس لمبنى «مركز المجتمع الأميركي الإسلامي» (AICC) بمدينة ستيرلنغ هايتس، بحضور مسؤولين بلديين ورسميين منتخبين وقيادات روحية في منطقة ديترويت الكبرى.
وكان «مركز المجتمع الأميركي الإسلامي» في مدينة ماديسون هايتس، قد تقدم بطلب بناء المسجد في مدينة ستيرلنغ هايتس المجاورة عام 2015، لكنه سرعان ما اصطدم بمعارضة شعبية منظمة، رفضاً لـ«الغزو الإسلامي» للمدينة التي تضم زهاء 132 ألف نسمة، وتضم كثافة عالية من المسيحيين العرب والكلدان.
وقد جوبه المشروع الذي جاء تلبيةً لتنامي الجالية الإسلامية في ستيرلنغ هايتس بتظاهرات وتجمعات شعبية ضمّت المئات، ولم تخلُ من الشعارات العنصرية المعادية للإسلام. وقد دفعت الضغوط الشعبية –آنذاك– أعضاء هيئة التخطيط في بلدية ستيرلنغ هايتس إلى التصويت بالإجماع ضد بناء المسجد، بحجج متعددة، بينها الضوضاء والازدحام المروري والتلوث وغيرها من المبررات التنظيمية، مثل ضخامة المبنى المقترح، ونقص الأماكن المخصصة لركن السيارات، وعدم ملاءمة المشروع وانسجامه مع الجوار.
وبناءً على قرار البلدية الجائر، تقدمت إدارة AICC –بالاشتراك مع وزارة العدل الأميركية– بشكوى قضائية ضد مدينة ستيرلنغ هايتس بتهمة التمييز الديني ضدها، ليتم التوصل في العام 2017 إلى تسوية قضائية سمحت ببناء المسجد على شارع الميل 15 بالقرب من تقاطع ماوند. وتضمنت التسوية الفدرالية تغريم بلدية ستيرلنغ هايتس بمبلغ 350 ألف دولار، إضافة إلى مبلغ آخر لم يتم الكشف عنه، بسبب تعطيلها للمشروع بشكل غير قانوني.
لكن ناشطين من سكان المدينة سارعوا إلى نقض التسوية التي أبرمتها بلدية ستيرلنغ هايتس مع إدارة المركز الإسلامي، وبادروا إلى رفع دعوى قضائية ضد البلدية لمنع إقامة المسجد، إلا أن المحكمة الفدرالية في مدينة ديترويت، أقرت عام 2018 بأن بلدية ستيرلنغ هايتس لم تنتهك أية قوانين من خلال موافقتها على إقامة المسجد وفق التسوية مع وزارة العدل الأميركية.
وفي حفل الافتتاح الذي حضره رئيس بلدية ستيرلنغ هايتس، مايكل تايلور، شدد المتحدثون على أهمية التضامن الاجتماعي، وعلى استثمار القيم الإسلامية السامية لتعزيز الوحدة بين سكان المدينة على اختلاف عقائدهم وخلفياتهم وأعراقهم.
وشكر إمام المركز، السيد نجاح الحسيني، الأفراد والمسؤولين الذين دعموا مشروع المسجد خلال المحنة التي استمرت لنحو خمس سنوات، وقال: «إن بناء هذا المسجد يظهر عظمة بلادنا، وقيمها التي تضمن للجميع إقامة شعائرهم الدينية»، مؤكداً أن الجالية الإسلامية في مدينة ستيرلنغ هايتس «ليس لها أجندة خاصة»، وأنها «تريد العيش بسلام ووئام مع جميع سكان المدينة».
وأشار الحسيني إلى أن الإسلاموفوبيا (التخويف من الإسلام) قد شوهت «صورة ديننا الحنيف»، مؤكداً على أن المسلمين الأميركيين جزء لا يتجزأ من الأمة الأميركية، وأنهم «يعيشون منذ مئات السنين في أميركا بسلام، ويعملون على حماية هذا البلد».
وفي نفس السياق، أكد إمام «المنتدى الإسلامي الأميركي» في ديربورن هايتس، السيد حسن القزويني، أن بناء المركز الإسلامي في ستيرلنغ هايتس «يعكس جمال البلاد التي نعيش فيها، حيث كل العقائد والأقليات متساوية أمام القانون والدستور». وقال: «إن حقوقنا الدستورية تضمن لنا، كمسلمين ومسيحيين ويهود وأتباع ملل أخرى، أن نقيم شعائرنا الدينية في دور العبادة الخاصة بنا، ودستورنا العظيم يكفل حق التعبد والتعبير للجميع».
وأضاف «أما الجمال الثاني الذي يعكسه بناء هذا المركز الإسلامي فهو جمال الإسلام.. هذا الدين الذي لا يؤمن بأفضلية الأمم والشعوب على بعضها البعض»، مضيفاً: «ليس عندنا في الإسلام، أمة مُختارة، أو شعب مُختار، إننا جميعاً متساوون أمام الله سبحانه وتعالى».
وأكد على أن الهدف الأساسي من إقامة المراكز الدينية هو «عبادة الله، وخدمة الإنسانية»، لافتاً إلى أن مدينة ستيرلنغ هايتس تضم العديد من الكنائس والكُنُس اليهودية، وأن إقامة مسجد إسلامي سيثري تنوعها وتعددها الاجتماعي والثقافي.
إمام «دار الحكمة الإسلامية» في ديربورن هايتس الشيخ محمد علي إلهي أشار إلى أن الاحتفال بوضع حجر الأساس هو «احتفال مزدوج»، لأنه احتفال «بإقامة مسجد لعبادة الله من جهة، ومن جهة أخرى، هو احتفال بحرية التعبّد في الولايات المتحدة»، وقال: «إننا في هذه المناسبة لا نتحدث عن بناء مسجد يُعبد فيه الله، ولكننا نحتفل بتشييد مكان لنشر السلام والمحبة والوحدة بين جميع أطياف المجتمع»، مضيفاً أنه «من الرائع أن نرى في هذا الحفل رئيس بلدية المدينة والعديد من أعضاء المجلس البلدي والمسؤولين الآخرين، وهم يشاركوننا الاحتفال بإقامة هذا المركز الإسلامي».
وأكد على أن الأدبيات الأميركية التي تصف الولايات المتحدة بأنها «أمة واحدة تحت الله» تنسجم بعمق مع الرسالة الإسلامية التي تقول إن الناس جميعهم هم أمة واحدة، مستشهداً بالآية الكريمة التي تقول: «إن هذه أمتكم واحدة، وأنا ربكم فاعبدونِ».
وعزا ناشر صحيفة «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني عظمة أميركا إلى تنوع شعبها، وقال: «عندما نضع حجر الأساس لبناء هذا المسجد، فإننا نحتفل بالتنوع الذي يجعل أميركا عظيمة»، مضيفاً: «والأهم، أننا نحتفل –مرة أخرى– بعظمة الدستور الأميركي».
وقال: «إن البعض يريدون تفريقنا وتمزيقنا، يريدوننا أن نقف بوجه بعضنا البعض، مسلمين بمواجهة المسيحيين، ومسيحيين بمواجهة اليهود، واليهود بمواجهة العرب، والعرب بمواجهة الكلدان… ولكننا نثبت اليوم، عبر بناء هذا المسجد، بأننا أفشلنا تلك المحاولات».
وتابع قائلاً: «إن البعض يريدون الإيقاع بين العرب والكلدان، وهذا غير مقبول، ولن يحصل، لأننا جميعاً كعرب وكلدان، أميركيون في نهاية المطاف، وقد غادرنا الشرق الأوسط، وجئنا للعيش في هذه البلاد كأميركيين في المقام الأول، ولا شيء آخر».
وأثنى السبلاني على جهود المدعي العام الفدرالية السابقة، باربرا ماكويد، التي قاضت بلدية ستيرلنغ هايتس للسماح بإقامة المسجد، وقال: «نحن لا ننسى أصدقاءنا ومن يساندنا في قضايانا وحقوقنا، ولهذا فإنني، وبالنيابة عن المجتمع العربي الأميركي، أرسل تحياتي للمدعي العام الفدرالية باربرا ماكويد التي واجهت بلدية ستيرلنغ هايتس، بحسب أحكام الدستور الأميركي».
وفي نهاية الاحتفال، أعرب النائب الديمقراطي في الكونغرس الأميركي آندي ليفين عن سعادته ببدء الأعمال الإنشائية للمبنى، وقال: «هذا حقاً يوم جميل وسعيد من حياتي، في أكثر الأوقات صعوبة بالنسبة لأمتنا».
وأضاف: «أن آتي إلى هنا، إلى قلب ستيرلنغ هايتس، وأرى هذه الصورة للمركز الإسلامي، فهذا يشرفنا جميعاً.. إنها متعة خالصة بالنسبة لي».
وأشار عضو الكونغرس اليهودي عن المنطقة، إلى أن قصة «مركز المجتمع الأميركي الإسلامي» لا تختلف عن قصص الكثير من العائلات اليهودية التي قدمت إلى أميركا منذ مئات السنين وكافحت من أجل بناء معابدها الخاصة، وقال: «في كثير من الأحيان، كان هنالك جدل ومعارضة.. إذ لم يكن مرحباً بنا على الدوام، ولكننا تمكنّا في النهاية، وبحماية التعديل الأول في الدستور الأميركي، من بناء دور العبادة الخاصة بنا».
وأشار ليفين إلى أن الوصايا اليهودية تولي أهمية قصوى لمحبة الناس جميعاً، وقال: «في تعاليمنا الدينية، في التناخ وفي الأسفار الخمسة الأولى من التوراة، هنالك وصية تتردد أكثر من غيرها، تلك الوصية لا تحث على الذهاب إلى الكنيس، أو الزواج بين اليهود، أو الحفاظ على التقاليد، ولكنها تحث على محبة الغرباء». وختم بالقول: «إننا جميعاً عائلة إنسانية واحدة، وإنني أتشرف بالوجود معكم اليوم، ومشاركتكم الاحتفال ببناء هذا المركز الإسلامي».
وفي حديث مع «صدى الوطن»، أفاد مدير المركز، جعفر (جيف) شهاب بأنه يتوقع أن يتم الانتهاء من أعمال البناء في غضون عامين، معرباً عن أمله في أن يوفر المبنى مساحة تلاقٍ لأعضائه ولكامل المجتمع، إضافة إلى تعزيز التواصل وترسيخ العلاقات مع سكان الجوار.
وقال: «هذا ليس مسجداً فقط، إنه مركز اجتماعي، وسوف يضم مصلى وقاعة كبيرة، إضافة إلى ملعب لكرة السلة وصالة رياضية ومكتبة وكافيتريا.. إنه مكان مصمم لكي يتواجد فيه الناس بارتياح مع الأشخاص الذين يتشاركون معهم نفس العقيدة».
وأكد شهاب بأن إدارة المركز الجديد ستركز «على تعميق التفاهم والحوار المفتوح»، مضيفاً: «نريد أن يفهم الناس عقيدتنا، وأن يطرحوا علينا الأسئلة، وألا يكتفوا بمتابعة الإعلام الذي يشوه صورة ديننا».
بدوره، أكد عضو مجلس إدارة المركز، حسين صبح أن ستيرلنغ هايتس «مدينة مرحبة»، لافتاً إلى أنه «من المهم التطلع إلى الأمام، واستثمار حفل وضع حجر الأساس كفرصة لتنمية روابط أعمق مع سكان المدينة».
وقال «نحن نؤمن بالتعايش والتنوع، ونحن مستعدون لمد يد السلام لجميع السكان من حولنا والترحيب بهم لزيارة مركزنا، تماماً كما نرغب نحن في زيارة مراكزهم».
وختم بالقول: «إنني أتطلع إلى إنشاء تحالف بين الأديان للعمل مع المؤمنين الآخرين في المنطقة، على القضايا التي تجمعنا وتؤثر في حياتنا ومستقبل أبنائنا».
Leave a Reply