ميلواكي – اختار الحزب الديمقراطي نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، والسناتورة كامالا هاريس رسمياً، لتمثيله في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض، في ختام مؤتمر وطني انعقد على مدار أربعة أيام عبر الإنترنت، في سابقة تاريخية.
وإلى جانب بايدن وهاريس، حفل المؤتمر الديمقراطي بمشاركة نجوم الحزب، وفي مقدمتهم الرئيس السابق باراك أوباما، والمرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، وزوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، إضافة إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، والسناتورين التقدميين بيرني ساندرز وإليزابيث وورن. كما استضاف المؤتمر الرئيس السابق جيمي كارتر (95 عاماً) الذي اكتفى بالظهور في تسجيل صوتي لضعف حالته الجسدية. وتحدث –كما سائر نجوم الحزب عن علاقته الشخصية ببايدن، فوصفه بالصديق الوفي والمخلص القادر على خدمة البلاد في هذه الأوقات العصيبة.
وفي حين تجاهل المؤتمر ملف عزل الرئيس دونالد ترامب الذي باء بالفشل أمام الكونغرس، شن الديمقراطيون هجوماً مركزاً على الرئيس الجمهوري وتحديداً في ملف التعامل مع وباء كورونا وتأجيج العنصرية في الولايات المتحدة. كما ظهر الديمقراطيون المعتدلون والتقدميون موحدين.
وبينما تركزت الأضواء في فعاليات اليوم الأول من المؤتمر (الاثنين الماضي) على نجوم الحزب الصاعدين وطنياً، مثل حاكم ولاية نيويورك آندرو كومو، وحاكمة ولاية ميشيغن غريتشن ويتمر، وجهت السيدة الأميركية الأولى السابقة، ميشيل أوباما، انتقاداً لاذعاً إلى ترامب، معتبرة أنه «غير كفء» ويظهر «افتقاراً تاماً للتعاطف»، في حين رد ترامب بانتقاد الإدارة السابقة واتهامها بالفساد.
وقالت ميشيل إنه «في كل مرة نلتفت إلى البيت الأبيض بحثاً عن بعض القيادة أو المواساة او أي مظهر من مظاهر الثبات، فإن ما نحصل عليه في المقابل هو الفوضى والانقسام والافتقار التام والمطلق للتعاطف».
وهذه انتقادات غير مسبوقة من جانب سيدة أولى أميركية سابقة، لرئيس في الحكم.
وسخر ترامب، من الخطاب المسجل مسبقاً لزوجة سلفه، وقال إنه لا يتضمن «شيئاً مثيراً للغاية!». وفي تغريدة على «تويتر»، وصف ترامب إدارة أوباما وبايدن بأنها «الأكثر فساداً في التاريخ»، وقال إنهما تجسسا على حملته «وهي أكبر فضيحة سياسية في تاريخ بلادنا. إنها تسمى الخيانة»، وختم تغريدته بالقول: «شكراً على كلماتك الرقيقة جداً ميشيل!».
وخصصت حملة بايدن جزءاً من الليلة الثانية للمؤتمر لتسليط الضوء على السياسة الخارجية للبلاد. فظهر وزير الخارجية السابق كولن باول، الذي خدم في إدارات جمهورية، في خطاب مسجّل أشاد فيه بخبرة بايدن في مجال السياسة الخارجية، فقال: «أنا أدعم جو بايدن لأنه في اليوم الأول من رئاسته سينقذ القيادة الأميركية وسلطتنا الأخلاقية. سوف يستعيد دور أميركا القيادي ويصحح العلاقات مع حلفائنا الذين نحتاج إليهم لمواجهة الأخطار التي تحدق ببلادنا، من التغيير المناخي إلى انتشار الأسلحة النووية».
إضافة إلى باول، انتقد وزير الخارجية السابق جون كيري أداء ترامب على صعيد السياسة الخارجية، فقال: «هذا الرئيس يختلف مع حلفائنا ويكتب رسائل غرامية إلى الزعماء الديكتاتوريين. أميركا تستحق رئيساً يُنظر إليه باحترام وتقدير، وليس رئيساً يثير السخرية». وانتقد كيري علاقة ترامب بروسيا، محذراً من مخاطر تجديد ولايته.
من جانبه، دعا السناتور اليساري، بيرني ساندرز، الذي كان خصماً كبيراً لبايدن في الانتخابات التمهيدية، إلى انتخاب هذا الأخير ونائبته كامالا هاريس.
وقال «أصدقائي، أقول لكم، لكل الأشخاص الذين دعموا مرشحين آخرين في الانتخابات التمهيدية، لأولئك الذين ربما صوتوا لدونالد ترامب في الانتخابات السابقة: مصير ديمقراطيتنا على المحك».
وأثار متحدثون عدة، مسألة الجدل حول خدمة البريد الأميركي. ويتهم الديمقراطيون، ترامب بأنه يريد تدميرها
وترك منظمو المؤتمر الكلمة الأخيرة في اليوم الثاني لزوجة بايدن، جيل، التي تحدثت بشغف عن زوجها، ودعت الأميركيين إلى انتخابه لإنقاذ البلاد من الأزمات التي تعصف بها، خاصة أزمة الفيروس، فقالت: «قاعات الدراسة صامتة وملاعب الأولاد حزينة… لكن إذا استمعتم جيداً تستطيعون سماع رياح التغيير في هواء البلاد».
وفي اليوم الثالث من المؤتمر، شنّت كامالا هاريس هجوماً عنيفاً على ترامب، في كلمة ألقتها بعد تسميتها رسمياً لمنصب نائبة الرئيس.
ودعت هاريس إلى «هزيمة ترامب» في الانتخابات القادمة التي أجمع الديمقراطيون على وصفها بأنها ستضع «الديمقراطية في الولايات المتحدة على المحك».
وقالت السناتورة الكاليفورنية «نستحق أفضل من ذلك بكثير!»، منددة «بالفوضى الدائمة» و«عدم الكفاءة». وأضافت أن «غياب الحس القيادي لدى ترامب كلّفنا خسائر في الأرواح» في إشارة إلى وباء كورونا الذي أدى إلى أكثر من 170 ألف حالة وفاة في الولايات المتحدة.
واختار بايدن قبل ثمانية أيام هاريس المتحدّرة من أب جامايكي وأم هندية لتخوض وإياه السباق الرئاسي، لتصبح بذلك أول أمرأة سوداء يرشّحها أحد الحزبين الكبيرين لمنصب نائبة الرئيس.
وقالت هاريس: «ليس هناك من لقاح للعنصرية» وطالبت بتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية «من أجل جورج فلويد» الذي أشعل مقتله اضطرابات واسعة في أنحاء متفرقة من الولايات المتحدة.
من جهة أخرى، ردّ دونالد ترامب بقوّة على الانتقادات الشديدة التي وجّهها إليه الديمقراطيون، وفي مقدمتهم الرئيس السابق، أوباما، الذي وصفه ترامب بأنه كان رئيساً «سيّئاً» و«مروّعاً».
وكان أوباما قد شن هجوماً غير تقليدي على الرئيس الحالي قائلاً إنه «لم يأخذ أبداً منصبه على محمل الجدّ»، واتهمه بأنّه «يفتقر إلى المهارات اللازمة لقيادة أقوى دولة في العالم».
وردّاً على هذا التوصيف قال ترامب خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض «عندما أسمع هذا الكلام وأرى الرعب الذي تركه لنا وغباء الاتّفاقات التي أبرمها… انظروا كم كان سيّئاً، وكم كان غير فعّال».
وتابع «الرئيس أوباما لم يؤدّ عملاً جيّداً. أنا موجود هنا بسبب الرئيس أوباما وجو بايدن».
وكان أوباما قد قال في خطابه: «أطلب منكم أن تؤمنوا بقدرة جو بايدن وكامالا هاريس على إخراج بلادنا من هذه الأوقات العصيبة وإعادة بنائها بشكل أفضل، لأنّ هذا ما هو على المحكّ اليوم: ديمقراطيتنا».
وفي ختام المؤتمر، ألقى بايدن من مقر حملته بمدينة ويلمنغتون بولاية ديلاوير، خطاب قبول الترشيح، قائلاً «بشرف وتواضع كبيرين أقبل هذا الترشيح لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية».
وتعهد جو بايدن في خطاب قبول الترشيح بطيّ صفحة «الخوف» و«الانقسامات»، وتجاوز ما وصفه بـ«هذه المرحلة القاتمة في أميركا».
وقال إن الاقتصاد يتهاوى والرئيس الحالي «ليس لديه خطة».
وأضاف «سنعيد بناء الاقتصاد مع التركيز على الوظائف وسنعلن عن استراتيجية وطنية لمكافحة فيروس كورونا»، مشيراً إلى أنه سيتم تطبيق هذه الاستراتيجية اعتباراً من اليوم الأول لولايته.
وقبيل كلمة بايدن، اعتبر ترامب، في خطاب، ألقاه بولاية بنسلفانيا، أن منافسه في الانتخابات، سيكون «كابوساً» في حال وصل إلى السلطة، متهما إياه بالتخلي عن العمال الأميركيين.
وقال ترامب، أمام حشد قرب بلدة سكرانتون مسقط رأس بايدن، إن المرشح الديمقراطي هو «أسوأ كابوس» يواجهونه.
وأضاف، «لقد أمضى (بايدن) نصف القرن الماضي في واشنطن يبيع بلادنا ويسرق وظائفنا ويبيح لدول أخرى سرقة وظائفنا»، محذراً من أن منافسه سيرفع الضرائب ويفتح الحدود.
وادّعى ترامب أن تصاعد الجريمة في المدن الكبرى والاحتجاجات العنيفة ضد انتهاكات الشرطة ستلفّ البلاد في حال فوز منافسه.
وقال «إذا أردتم تصور حياتكم في ظل رئاسة بايدن، فكّروا بالركام الذي ينبعث منه دخان الحرائق في مينيابوليس، والفوضى العنيفة في بورتلاند، والأرصفة الملطخة بالدماء في شيكاغو، وتخيلوا الفوضى تجتاح مدنكم».
ووصف ترامب الديمقراطيين بأنهم «يؤلّبون أسرتك ضدّك لمجرد تعبيرك عمّا يجول في رأسك، في حين يلقّنون أطفالك وجهات نظر ملتوية حول العالم».
وأضاف «أنّهم قادمون للسيطرة عليكم»، مؤكّداً «أنا، نحن، وكلّنا، نمثل الجدار الفاصل بين الحلم الأميركي والجنون التام والدمار لأعظم دولة في تاريخ العالم» في إشارة إلى السياسات التي يتبناها الديمقراطيون.
ولا يزال بايدن متقدماً في استطلاعات الرأي على ترامب، مع أن الفارق بدأ يتقلّص شيئاً فشيئاً بين الرجلين. ويتقدم بايدن حالياً على الرئيس الأميركي بـ7 نقاط فقط، بحسب متوسط استطلاعات الرأي لموقع «ريل كلير بوليتيكس»، بعد أن كان الفارق أكثر من 10 نقاط.
والجدير بالذكر أن الحزب الجمهوري سيعقد مؤتمره الوطني خلال الأسبوع المقبل.
Leave a Reply