مريم شهاب
«من الناسِ قومٌ لو مات نصفهم لما اتّعظ النصف الآخر، ولا أحسبني إلّا منهم»، هذا ما قاله أحد الحكماء القدماء، وهذا ما ينطبق على أكثرنا نحن المنتمين إلى العروبة…
فينا البريء الجريء، الذي يكتب ويصرخ على وسائل التواصل وعلى الشاشات، على حسب قول الفنان الرائع أنطوان كرباج في مسرحية صح النوم الرحبانية: «الشعب إلو حق يصرّخ، والدولة إلها حق تسكر دينيها».
وفينا المذنب الخائف دوماً، مثل الرئيس الصامت، في مسرحية «الشخص» للرحابنة أيضاً، فهو يخاف على كرسيه ومنصبه فلا يخرج من قصره ويمشي بين الناس
وفينا، المسيء. وقد صدق من قال إن «من أساء استوحش»، تماماً مثل «برهوم» أو الإمبراطور في مسرحية «يعيش يعيش» للرحابنة أيضاً. برهوم إمبراطور يسيء إدارة الحكم ويسيء إلى شعبه وتتحكم به زوجته وبطانة الفساد من حوله حتى انقلبوا عليه فهرب منهم ذليلاً مكسوراً لا يجد ملاذاً آمناً إلا دكان «أبو ذيب» وحفيدته «هيفا».
فقط في ذلك الدكان، وبين أصحابه البسطاء الشرفاء ممن يأكلون الخبز بعرق جبينهم، ودون أن يعرفوه، وجد الإمبراطور المخلوع، الأمان.
تمسكن حتى تمكّن، وبمساعدة بعض المهربين الخارجين عن قانونه، عاد إلى عرشه بانقلاب آخر، فعاد كما كان، حاكماً ظالماً وفاسداً. بل أول ما يقوم به هو الإساءة إلى أصحاب الدكان الذين آووه، «أبو ذيب» وحفيدته، وكل البسطاء الذين منحوه الأمان حين تخلّى عنه المتملقون والمنافقون.
منذ مئات السنين ونحن العرب نائمون. لدينا اطمئنان عجيب بأن الزمن يعمل لصالحنا. نمنا على حرير وتركنا الأيام تدور على كيفها، فإذ بها تعمل لصالح غيرنا وضدنا على طول الخط، ونحن من قلنا «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك».
ها هي السنين قد أنهكت الأوطان العربية وقطعتها إرباً إرباً، وبثت التفرقة والعداوة بين الشعوب، أما الجامعة العربية فلم تجمعنا على شيء، فهي ليست إلا «شاهد ما شفش حاجة»، جسداً بلا روح.
جيلنا يتذكر كيف كانت نكسة حزيران زلزالاً هزَّ العرب النائمين وأخرجتهم من رومانسية الأحلام إلى أرض الواقع، فتضامنوا وتعلموا وخططوا وبنوا وحركوا جيوشاً في حرب تشرين 1973 التي وإن لم تُعِد للعرب أرضهم لكنها أعادت لهم شيئاً من كرامتهم.
تلك النهضة، سرعان ما جعلت الأعداء يدركون أن أهم سلاح لدى العرب، ليس مال النفط ولا الطائرات والدبابات والصواريخ، بل في تضامنهم، فكانت الطعنة الأولى في «كامب ديفيد» الذي توالت بعده الطعنات بلا هوادة حتى قُتل التضامن العربي ودُفن في كل تراب «بلاد العرب أوطاني».
لقد صار جيلنا يترحّم على أيام النكسة التي شكلت بدايةً لصحوة عربية مضيئة أشعلت قبس تشرين الذي أطفأه الجهل والحقد والحسد حتى وصلنا إلى زمنٍ يحكمنا فيه زعماء–أولاد لا تنفع معهم العظات وهم مستعدون أكثر من إسرائيل نفسها للتطبيع ، بل –وللأسف المرير– يريدون جرجرة الأكثرية من الشعوب المغلوبة على أمرها إلى متاهات الباطل والذل حتى تقوم إسرائيل الكبرى على أشلاء أراضينا وحقوقنا فنعيش بين ظهرانيها مغلوبين على أمرنا، ونُعامل معاملة أبناء الجارية.
Leave a Reply