مصطفى أديب رئيساً مكلفاً بإيعاز من ماكرون .. وجدول زمني صارم لبدء الإصلاحات
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
لا يمكن الحديث عن تكليف السفير اللبناني في ألمانيا مصطفى أديب بتأليف الحكومة اللبنانية من دون التوقف مطولا عند الزيارة الثانية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان خلال أقل من شهر، والذي كان له اليد الطولى في هذا التكليف.
فقد تردد أن ماكرون طلب تسمية أديب بنفسه عبر الهاتف من السياسيين اللبنانيين مشترطاً السير باسمه لإكمال المبادرة الإنقاذية التي بدأتها بلاده.
لغة حازمة ومباشرة استخدمها الرئيس الفرنسي في كلامه مع القادة السياسيين اللبنانيين، الذين التقاهم في قصر الصنور بعد ظهر يوم الثلاثاء الماضي.
ماكرون القادم في مهمة إنقاذية وصل مساء الاثنين إلى بيروت مستهلاً زيارته بلقاء السيدة فيروز، حيث غطت وسائل الإعلام الزيارة من خارج منزلها في الرابية بالتزامن مع تجمع عدد من المتظاهرين المعترضين على تكليف مصطفى أديب بتأليف الحكومة، والذي كشف عن اسمه قبل وصول الرئيس الفرنسي.
وشملت زيارة ماكرون أيضاً، محمية أرز جاج ثم مرفأ بيروت حيث التقى ممثلي الأمم المتحدة وهيئات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية. وقد أقيم له ظهر الثلاثاء حفل استقبال رسمي في قصر بعبدا أقامه على شرفه الرئيس ميشال عون. وفي اليوم نفسه زار ماكرون «مستشفى الحريري» والتقى البطريرك بشارة الراعي. وبعد الظهر، قرابة الخامسة والنصف، كان الموعد الأبرز في الزيارة، مع المسؤولين اللبنانيين في قصر الصنوبر، حيث أنهى ماكرون اليوم الحافل بعقد مؤتمر صحافي في ختام اللقاء.
لقاء السياسيين
أما رؤساء الكتل والأحزاب السياسية فقد كان جمعهم في مكان واحد أمراً مهماً للغاية، لكن الأهم هو ما تعهدوا به ضمن مهل زمنية محددة، فقد وعدوا ماكرون بتأليف الحكومة خلال خمسة عشر يوماً، وتعهدوا أيضاً بإقرار الإصلاحات المطلوبة دولياً خلال ثمانية أسابيع بعد تأليف الحكومة.
الرئيس الفرنسي كان حاداً معهم: «عليكم أن تنفذوا تعهداتكم وإلا لن تحصلوا على الدعم الأوروبي والدولي وبعدها لا تطلبوا مني التدخل».
ووزع ماكرون ورقة إصلاحات تمثل مسودة لبرنامج عمل الحكومة المقبلة من خطة مكافحة كورونا إلى كيفية التعاطي مع المساعدات الدولية للمتضررين من انفجار المرفأ وإعادة الإعمار، كما تضمنت الورقة المطالبة بإجراء تحقيق محايد ومستقل يكشف حقيقة أسباب الانفجار، إضافة إلى تطبيق الإصلاحات المالية المطلوبة لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وأبرزها، معالجة ملف الكهرباء والتدقيق في حسابات مصرف لبنان وإنجاز التعيينات القضائية والمالية وفقاً لمعايير شفافة تعتمد على الكفاءة.
وتحت عنوان مكافحة الفساد والتهريب، نصت ورقة ماكرون على تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وعلى التطبيق الفوري للإصلاحات الجمركية.
أما عن بعض ما تكشف من داخل اللقاء، فقد ذكرت المعلومات أن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أصرّ على تأليف حكومة مستقلين فكان جواب ماكرون: هذا شأن لبناني، ولكن ما من بلد في العالم تشكل فيه حكومة لا تحظى بثقة مجلس النواب، وهناك مجلس نيابي منتخب، والأولوية الآن هي للإصلاحات». فتدخل رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل سائلاً «كيف يمكن أن نقر إصلاحات في ظل السلاح غير الشرعي، ولماذا لا نجري انتخابات نيابية مبكرة»، فأجابه ماكرون: «لدينا رأينا بالسلاح لكن الوقت الآن للإصلاحات، وإذا أُجريت الانتخابات المبكرة كم من المقاعد سيتغير؟ لذلك لا تقحموني في خلافاتكم»! ثم التفت إلى النائب محمد رعد ممازحاً: «أنا أدافع عنكم وأنت ساكت». ليرد عليه رعد بابتسامة.
يشار إلى أن ماكرون كرر كلامه السابق عن أحقية «حزب الله» بالمشاركة في الحياة السياسية لكونه منتخباً من الشعب وله كتلته البرلمانية الوازنة في مجلس النواب وهو ما لم يعجب الكثيرين، لكنه عكس ارتياحاً لدى الحزب وبيئته.
أما رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل فقد قدم لماكرون ورقة مفصلة عن رؤيته للحل، رافضاً تعديل قانون الانتخاب الذي صُرفت عليه سنوات لإقراره وتأمين أكبر قدر ممكن من صحة التمثيل، بحسب باسيل. وقال: «لن نقبل بتعديله إلا من خلال عملية متكاملة لبناء الدولة المدنية وإلغاء الطائفية السياسية».
ممثل «حزب الله»، النائب محمد رعد، قيل إنه وافق على نسبة كبيرة من الإصلاحات الواردة في ورقة ماكرون، وعندما سأله الرئيس الفرنسي عن النسبة القليلة المرفوضة قال: «الانتخابات المبكرة وتعديل قانون الانتخاب».
رفض الانتخابات المبكرة انسحب أيضاً على رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. فيما قدم رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورقةً حول رؤية الحزب للحل المنشود، وكذلك فعل ممثل الرئيس نبيه بري النائب إيراهيم عازار. أما رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري فقال إن الانهيار الحاصل دفعه إلى تسمية مصطفى أديب لتأليف الحكومة على الرغم من معارضة الكثيرين لهذا القرار ولكن إذا لم تقر الحكومة الإصلاحات عندها سأسحب دعمي لها.
ما لم يقله ماكرون للسياسيين على الطاولة قاله في المؤتمر الصحافي: «إذا لم يحصل تغيير قد تترتب على ذلك إجراءات عقابية وهذه الإجراءات قد تطال الطبقة الحاكمة».
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بدوره، أعرب عن ارتياحه لزيارة ماكرون وأكد أنه لمس منه استعداداً لتذليل العقبات من أجل تطبيق الإصلاحات الضرورية في لبنان ومكافحة الفساد والتدقيق الجنائي في المصرف المركزي. عون طالب أن تُقابَل اندفاعة ماكرون بعزم لبناني لمساعدة أنفسنا بتأليف حكومة فاعلة وشفافة بأسرع وقت ممكن للبدء بخطوات إصلاحية فورية.
كثير من السياسيين –كما بدا واضحاً– كانت لديهم ملاحظات على الورقة الفرنسية، لكن الارتياح عمَّ بعد وضع بند إجراء الانتخابات النيابية المبكرة جانباً.
لكن، وبطبيعة الحال، الشيطان يكمن في التفاصيل. فمثلاً هناك حقائب وزارية كُرّست لطوائف معينة، وثمة أحزاب سياسية اعتادت تسمية من يتسلّم تلك الحقائب بنفسها. ويبدو أنها ماضية في هذا الأسلوب وربما لن تتخلى عنه، لأن كل طرف متمسك بحقائبه انطلاقاً من رؤية معينة للنظام.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الورقة الفرنسية التي جرى تداولها كان قد وضعها السفير السابق في لبنان برنار إيميه مع الرئيس الفرنسي إضافة إلى مسؤولين فرنسيين آخرين هم على اتصال مستمر مع القيادات اللبنانية، لمتابعة تأليف الحكومة العتيدة التي تتجه لأن تكون من عشرين وزيراً.
وهناك تأكيدات من جميع الأطراف على نية تسهيل التأليف، لكن المحك هو كما في كل مرة، هل يمكن أن يتخلى زعماء الطوائف عن حقائبهم التي يعتبرونها حقاً مكتسباً عبر تاريخ الحكومات؟
من هو رئيس الحكومة المكلف؟
مصطفى أديب (48 عاماً) الذي كلفه الرئيس اللبناني بتأليف حكومة جديدة، ينحدر من مدينة طرابلس في الشمال، كان سفير لبنان في ألمانيا منذ العام 2013، وشغل من قبل منصب مستشار لرئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي.
بحسب ما هو منشور في موقع سفارة لبنان في ألمانيا، يحمل أديب دكتوراه في القانون والعلوم السياسية. بدأ مسيرته المهنية أستاذاً جامعياً في عدة جامعات بلبنان، وعمل أستاذاً متفرغاً في الجامعة اللبنانية منذ العام 2010، وفي فرنسا. وشارك في إعداد أبحاث أكاديمية وقدّم استشارات في مجالات عديدة، بينها الرقابة البرلمانية على قطاع الأمن واللامركزية والقوانين الانتخابية. أديب متزوج من فرنسية ولديهما خمسة أولاد.
بعد تكليفه تعهد أديب بإجراء الإصلاحات اللازمة وتأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن، وأول ما قام به كان جولة بدأها من شارع الجميزة المتضرر من جراء انفجار المرفأ في الرابع من آب، حيث تجول سيراً على الأقدام متبادلاً أطراف الحديث مع السكان قائلاً لهم: «يا إخوان أنا أريد ثقتكم».
وكان اسم أديب قد برز وبدأ تداوله فجأة عشية الاستشارات النيابية، بحثاً عن خليفة لحسان دياب الذي استقالت حكومته تحت ضغط الشارع إثر انفجار المرفأ.
وأعلن بيان صدر عن أربعة رؤساء حكومة سابقين بينهم سعد الحريري، الزعيم السني الأبرز، ونجيب ميقاتي، ترشيحه، قبل أن يتم التوافق عليه بين الكتل السياسية الأكبر، وهي، إلى جانب «المستقبل»، «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» و«حركة أمل».
وأسفرت الاستشارات النيابية الملزمة التي جرت في القصر الرئاسي قبل وصول ماكرون، عن حصول أديب على 90 صوتاً من أصل 114، أي بزيادة 21 صوتاً على سلفه حسان دياب، الذي كان قد حصد 69 صوتاً فحسب، بعد امتناع كتلتي «المستقبل» و«اللقاء الديمقراطي» (جنبلاط) عن تسميته.
عناوين ماكرون
يجمع المراقبون على أن الدبلوماسية الفرنسية تهدف إلى تثبيت وجودها في المنطقة، وها هي تنزل بكل ثقلها، لإغلاق الساحة بوجه قوًى أخرى مثل الصين وروسيا وتركيا.
ووسط كل ذلك، ثمة سؤال مشروع يُطرح بقوة بشأن الموقف الأميركي من المسعى الفرنسي لتأليف حكومة تنفذ ورقة إصلاحات محددة، وفق جدول زمني محدد سلمتها باريس للسياسيين اللبنانيين. إلا أن وزير الخارجية الأميركي مارك بومبييو قد يكون حسم الجدل بشأن موقف واشنطن من الجهود الفرنسية، بقوله: «نتشارك والفرنسيين الأهداف نفسها. وضع لبنان لم يعد مقبولاً والمطلوب حكومة تقوم بإصلاحات حقيقية».
في هذا الوقت يبقى لبنان وجهة لعدد كبير من الزائرين كان آخرهم مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر ووزيرة الخارجية الإيطالية. هناك عناوين ثلاثة رئيسية
ركّز عليها ماكرون:
1– فرنسا ستنظم مع الولايات المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي مؤتمراً عالمياً لدعم لبنان في حال السير بورقة الإصلاحات.
2– إعادة بناء نظام سياسي جديد في لبنان.
3– فرنسا لن تعطي شيكاً على بياض لسلطة فقدت ثقة شعبها.
الوقت يضيق وعداد المهلة انطلق، فهل يستطيع اللبنانيون تلقف فرصة تقاطع المصالح الأميركية–الفرنسية، في ظل الحديث عن إمكانية حدوث خرق ما في الملفات الساخنة قبل موعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر القادم؟
عقلاء لبنان مطالبون اليوم بالذهاب نحو التغيير وهو ما لم يعد خياراً أو ترفاً يمكنهم التريث إزاءه. بل هو الخيار الأوحد في مواجهة خطر «الاختفاء» على حد تعبير وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
Leave a Reply