وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
كان يُفترض أن يتضمن هذا التقرير، الحديث عن آخر مجريات تأليف الحكومة أو عن مسار تفشي فيروس كورونا أو عن الضائقة الاقتصادية الخانقة، وهي الأزمات الملحّة التي تعيشها الساحة اللبنانية. لكن وقبل أن يلملم اللبنانيون آثار كارثة انفجار الرابع من آب في مرفأ بيروت، كانوا يوم الخميس الماضي على موعد مع حريق جديد هائل! وفي المرفأ نفسه!
هلع من تكرار السيناريو
عند الساعة الواحدة ظهراً بدأت تتصاعد ألسنة اللهب في المنطقة الحرة ضمن مرفأ بيروت، والتي تبعد حوالي 700 متر عن الإهراءات المدمرة حيث وقع الانفجار الأول، وهو ما أثار حالة من الهلع والرعب في أوساط العمال وسكان المناطق المحيطة.
الجيش طلب من كل الموجودين في محيط المرفأ والشوارع المجاورة، المغادرة فوراً. وغطّت سحب الدخان الأسود قسماً كبيراً من العاصمة اللبنانية وضواحيها.
وإن أُخمد الحريق وتمت السيطرة عليه في غضون ساعات دون وقوع ضحايا، يتساءل اللبنانيون عن إمكان تكرار هذه الحرائق الخطيرة في المقبل من الأيام. فما حصل في الرابع من آب الماضي، كان كافياً لأخذ العبر ومسح المنطقة بأكملها تفادياً لأية حوادث مشابهة.
طبعاً، هذا إذا تجاوزنا فرضية الافتعال والحادث المدبر، التي لم يستبعدها الرئيس ميشال عون. وبحسب الصليب الأحمر تبين أن الحريق اندلع في مستودع تُخزَّن فيه حصص غذائية. وقد سارع رئيس الجمهورية إلى دعوة مجلس الدفاع الأعلىإلى الانعقاد للوقوف على مسببات الحريق وعلى ما توصلت إليه التحقيقات الأولية.
وقد أكد عون ضرورة المحاسبة واتخاذ كل الإجراءات التي تحول دون تكرار مثل هذه الحوادث. كما أصدر القضاء استنابات لإجراء التحقيقات اللازمة حول أسباب الحريق «المفاجئ» في المرفأ.
والجدير ذكره أن حريقاً آخر كان قد نشب قبل يومين أيضاً، لكنه لم يكن بضخامة حريق ظهر الخميس، الذي تسبب بحسب خبراء الصحة والبيئة بـ«أعلى» درجات التلوث. ويبدو أن حريق 4 آب، ورغم ضخامته، لم يكن مفيداً، فكيف يمكن أن تُترك كميات كبيرة من زيت القلي إلى جانب كميات كبيرة من الإطارات؟ ثم أين هي شروط التخزين ومعايير السلامة العامة؟
المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار قال إن المواد المشتعلة مكوّنة من زيوت وإطارات وتحتاج إلى ست ساعات لإخمادها، وطمأن إلى عدم وجود خطر على عناصر الدفاع المدني، الذين يحاولون إخماد الحريق، إضافة إلى طوافات الجيش.
وبعد ساعات من اندلاعه، أعلن وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار أن حريق المرفأ بات تحت السيطرة، مؤكداً في حديث تلفزيوني أن المعلومات الأولية تفيد بأن أحد الأشخاص كان يستخدم منشاراً كهربائياً مما أدى إلى تطاير الشرار واندلاع الحريق.
وفي السياق، أعلن المدير العام للمرفأ تعميماً بمنع استيراد أو تخزين المواد القابلة للاشتعال من دون إذن مسبق.
عقوبات أميركية
بالعودة إلى مسار تأليف الحكومة، وفي وقت شديد الحساسية، وعلى وقع أزمات غير مسبوقة يشهدها لبنان ولا سيما على الصعيد الاقتصادي، أطلت واشنطن برأسها، وهي التي لم تغب أصلاً عن الساحة اللبنانية، وهذه المرة من بوابة العقوبات على حلفاء المقاومة، فزادت الطين بلة.
العقوبات طالت هذه المرة علي حسن خليل وزير المالية الأسبق واليد اليمنى لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزير الأشغال العامة الأسبق يوسف فنيانوس، المقرب من رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. وبحسب وزارة الخزانة الأميركية فإن الوزيرين المعنيين ضالعان في الفساد ويدعمان «حزب الله».
هذا في مقدمات الموضوع وظاهره، أما في خلفياته، فقد كانت الرسالة واضحة لا لبس فيها وتندرج في إطار شد الخناق أكثر فأكثر على الحزب، لفضّ الحلفاء من حوله، تحت تهديد مقصلة العقوبات، ليبقى الحزب وحيداً في مواجهة التغول الأميركي، الذي باتت سياسة العقوبات السلاح الأقل تكلفة والأكثر فعالية في رأيه.
فتحالفات «حزب الله» اليوم على المحك، والحلفاء كلهم يتوجسون من أن يكونوا مشمولين في الدفعة التالية من العقوبات التي وعد بها الأميركيون، فهل تكون هذه التحالفات متينة إلى درجة تمكنها من الصمود في وجه تلك العقوبات أم تنفض عن الحزب؟ والمعروف أن بعض تلك التحالفات مرت بمنعطفات عديدة كادت تطيحه بها.
الأميركيون كانوا تحدثوا سابقاً عن تلك العقوبات، حتى أنه جرى تداول بعض الأسماء المتوقعة، لذلك يرى المراقبون أنها غير مرتبطة بتأليف الحكومة وأنها لا تستهدف المبادرة الفرنسية. غير أن البعض الآخر يؤكد أنها تأتي في توقيت مشبوه جداً، ولا بد أن ينعكس على ملف تأليف الحكومة بطريقة أو بأخرى.
في هذا الإطار، الجميع ينتظر موقف الرئيس بري من مسألة التخلي عن حقيبة المالية كحق للطائفة الشيعية، من ضمن جملة من الأعراف السياسية المعتمدة في التركيبة اللبنانية. أما فرنسا التي تتابع أدق التفاصيل على الساحة اللبنانية بحكم «تبنيها للطفل المريض لبنان» فسترسل وزير خارجيتها من جديد إلى بيروت خلال الأسابيع المقبلة من باب التأكيد والإصرار على المضي في مبادرتها بغض النظر عن المستجدات.
ردود فعل
في بيان له، اعتبر «حزب الله» أن سياسة العقوبات الأميركية لن تتمكن من تحقيق أهدافها في لبنان ولن تؤدي إلى إخضاع اللبنانيين وإجبارهم على التنازل عن حقوقهم الوطنية السيادية بل ستزيدهم تمسكاً بقرارهم الحر وكرامتهم الوطنية وسيادتهم الكاملة، وهي «وسام شرف للصديقين العزيزين (خليل وفنيانوس) ولكل من تتهمه الإدارة الأميركية بأنه مقاوم أو داعم للمقاومة».
بدورها، وضعت «حركة أمل»، العقوبات في إطار استهداف لبنان وسيادته و«خط الحركة في الدفاع عن لبنان ووحدته، وطناً نهائياً لجميع أبنائه». وأضاف البيان: «أنتم مخطئون في العنوان وفي الزمان وفي المكان، ولكن وصلت الرسالة».
من جهته، ردّ رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية على العقوبات الأميركية بحق وزير الأشغال السابق المقرّب منه يوسف فنيانوس، واضعاً إياها في خانة القرار السياسي، الذي «يزيدنا تمسّكاً بنهجنا وخطنا».
وقال فرنجية في بيان الرد على الخطوة الأميركية «إننا كمردة لم ولن نخجل يوماً من مواقفنا بل نفتخر ونجاهر بها من منطلق إيماننا بأرضنا وسيادتنا وهويتنا».
الرئيس ميشال عون، طلب من جهته، من وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة إجراء الاتصالات بالسفارة الأميركية في بيروت وبالسفارة اللبنانية في واشنطن، للاطلاع على الظروف التي أملت قرار وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على الوزيرين السابقين، «ليُبنى على الشيء مقتضاه».
وفي واشنطن أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن بلاده «ستُعاقب كل سياسي لبناني يساعد حزب الله»، كما أنها ستحاسب أي شخص يساعد الحزب على تنفيذ «أجندته الإرهابية» بحسب تعبيره. أما مساعده ديفيد شينكر، فقد قال إن العقوبات سببها توفير الوزيرين السابقين الدعم لـ«حزب الله»، ولذلك يجب أن يتحمّلا المسؤولية والعقوبات، وإنهما انخرطا أيضاً في الفساد في لبنان. أما في ما يتعلّق بالحكومة فقال «إننا نختلف مع الحكومة الفرنسية في ما يتعلق بوجود جناح سياسي للحزب، نحن نعتبر أنه تنظيم إرهابي»، وأضاف «نحن نركّز على المبادئ أكثر من الأشخاص، ونريد أن يتحمّل الفاسدون مسؤولية أفعالهم وأن تتمّ محاربة الفساد»، وإذا «التزمت الحكومة بهذه الأمور، فنحن نتطلع إلى العمل معها»، مشدداً على أنه «يجب أن لا يكون هناك تدخل خارجي في تأليف الحكومة. الفرنسيون حاولوا دفع الأمور، ونحن على تنسيق معهم».
Leave a Reply