عباس الحاج أحمد – «صدى الوطن»
استقبلت الجالية العربية الأميركية بمنطقة ديترويت أخبار اتفاقي التطبيع، بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، بمشاعر الاستياء والتنديد بالنظامين الخليجيين اللذين أماطا اللثام عن موقفهما الحقيقي بالارتماء في أحضان دولة الاحتلال وتجاهل الحقوق الفلسطينية.
الناشط والكوميديان الفلسطيني الأصل، عامر زهر، أعرب عن رفضه لمعاهدتي التطبيع مع الكيان الصهيوني، اللتين أُبرمتا في البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي. وقال: «كعربي أميركي من أصل فلسطيني، أنا أعارض التطبيع مع إسرائيل لأن الاعتراف بها يعني مباركة الاحتلال والاستمرار في بناء المستوطنات وسياسات الفصل العنصري التي تفرضها إسرائيل على الشعب الفلسطيني».
وطالب زهر، الأنظمة العربية بالتمسك بالحقوق العربية والفلسطينية، وعدم التخلي عنها أو المساومة عليها في جميع الظروف، لافتاً إلى أن «تل أبيب غير جادة بعملية السلام»، وقال: «في الوقت الذي كان فيه العالم يحتفل بتوقيع معاهدتي السلام، شنت إسرائيل هجمات متواصلة على قطاع غزة، ولمدة عشرة أيام متتالية».
ولفت أستاذ القانون في كلية الحقوق بـ«جامعة وين ستايت» إلى أن النقاش حول القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة قد تغير بشكل جذري، إذ أضحى «نقاشاً حقوقياً محرجاً للإسرائيليين في المحافل الدولية»، بعدما كان «نقاشاً سياسياً حول مفاوضات السلام وحول طبيعة الدولة الفلسطينية». وقال: «علينا كعرب أميركيين أن نستمر في فضح انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها إسرائيل ضد فلسطينيي الداخل البالغ عددهم أكثر من خمسة ملايين نسمة، فبهذه الطريقة نستطيع كسب تعاطف ودعم الأميركيين الذين يمتلكون حساسية شديدة تجاه حقوق الإنسان، على العكس من القضايا السياسية».
من جانبه، وصف الناشط الفلسطيني المخضرم جورج خوري، الاتفاق بين الدولتين الخليجيتين وإسرائيل بـ«الخيانة»، وقال: «لا أعرف لماذا لجأت هاتان الدولتان إلى إبرام المعاهدات مع تل أبيب.. إنها بلا معنى.. إنهم ليسوا بحاجة إلى الأموال من الولايات المتحدة، بل على العكس.. إنهم ينفقون الكثير من الدولارات على شراء البضائع الأميركية».
وعزا خوري الدوافع الحقيقية وراء «اتفاق إبراهيم» إلى رغبة النظامين الحاكمين في الإمارات والبحرين بضمان الحماية الأميركية، لافتاً إلى أن جميع الدلائل تثبت بما لا يدع مجالاً للشك، بأن إسرائيل لا تلتزم بأية قوانين، وأنها تنتهك جميع القواعد والحدود عبر سياسات الفصل العنصري التي تنتهجها منذ عقود، متسائلاً: «فكيف نصنع السلام معها، وكيف نكون راضين عن سياساتها كعرب وكمسلمين؟».
وتوقع خوري أن تلتحق السعودية بقطار التطبيع مع إسرائيل، وأن يشكل ذلك فاتحة لطرح بدائل لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، «بشكل سينتج عنه تهجير المزيد من الفلسطينيين، ويقوض الأمل بإقامة دولة فلسطينية غربي نهر الأردن».
وفي السياق ذاته، وصفت الناشطة الفلسطينية زينة عشراوي معاهدتي السلام بأنهما «طعنة في الظهر»، ليس فقط بسبب مضمونهما، وإنما لتجاهل الموقعين والرعاة الأميركيين للفلسطينيين وحقوقهم. وقالت: «هذا ليس اتفاق سلام، هذه صفقة تستثمر سياسياً وعسكرياً ومالياً في الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية».
وأكدت عشرواي لـ«صدى الوطن» بأن الفلسطينيين كانوا دائماً على علم بالعلاقات السرية بين الدولة العبرية وبعض الزعماء العرب، لاسيما في دول الخليج، منوهة بأن «سياق وتوقيت الاتفاق مقلق للغاية». كما أشارت إلى أن الشعبين الإماراتي والبحريني لا يوافقان على الصفقة المبرمة، ولكنهما لا يستطيعان الاعتراض عليها، في ظل حكمين استبداديين يضطهدان شعبهما، ويتواطئان على قتل الشعب اليمني منذ عدة سنوات.
ووصفت الناشطة الفلسطينية هويدا عراف ما حدث يوم الثلاثاء الماضي، بأنه «عرض مسرحي حزين وهزيل»، وقالت: «في ذلك اليوم، وقف حكام مستبدون وعنصريون، ومجرمو حرب، ومؤمنون بتفوق البيض، لتوقيع معاهدات ومحاولة تمريرها على أنها خطوة نحو السلام، مع استبعادهم للفلسطينيين، وتجاهل معارضتهم الكاملة لهذه الصفقة المشبوهة».
عراف، المشاركة المؤسسة لمنظمة «حركة التضامن الدولية» لدعم القضية الفلسطينية، أشارت إلى أن «اتفاق إبراهيم» يهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية التي «ستزيد من قمع الناس في المنطقة»، لافتة إلى أن دور المعارضين لمسلسل التطبيع مع إسرائيل، هو «الاستمرار في التثقيف والتعبئة».
من جانبه، أشار الناشط اللبناني الأصل، زهير علوية إلى أن الاتفاق الذي أبرمته إسرائيل مع البحرين والإمارات العربية لم يشكل «مفاجأة» لأحد على الإطلاق، لافتاً إلى أن الدول الثلاث منخرطة في العديد من الأنشطة والعلاقات الرياضية والتجارية والدبلوماسية، بما فيها «الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين». وقال: «العلاقات بين الدول الثلاث ليست حديثة العهد، وتوقيت اتفاقي التطبيع يتزامن مع الوضع السيء لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، الذي كان المتظاهرون خارج البيت الأبيض يتهمونه بالفساد».
واعتبر أن قضية فلسطين تمثل «واجهة الصراع العربي الإسرائيلي، الذي هو في جوهره حرب ضد الأمة العربية بأكملها» على حد تعبير علوية الذي أبدى دهشته من التنازلات المجانية التي قدمت لدولة الاحتلال، من دون تحقيق أية مكاسب تذكر للدولتين الخليجيتين. وتساءل قائلاً: «هل أعاد الاتفاقان أرضاً عربية؟ هل كسرا الحصار على غزة؟ هل اعتذرت إسرائيل عن جرائمها بحق العرب والفلسطينيين؟ هل استعدنا الكرامة العربية؟».
ووصف علوية، السلام المزعوم الذي سينتج عن اتفاقي البيت الأبيض بـ«سلام الجبناء»، وقال: «لقد سمعنا عما يسمى بسلام الشجعان، فأما هذا السلام فهو سلام الجبناء، فالجبان لم يتجرأ على القدوم إلى أميركا، وبدلاً من ذلك أرسل وزير خارجيته للتوقيع على المعاهدة»، في إشارة إلى ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، عرّاب الاتفاق مع الدولة العبرية. وأضاف: «الحضور كان هزيلاً بكل المعايير، وكذلك كان التمثيل الدبلوماسي»، لافتاً إلى غياب الفلسطينيين عن حفل التوقيع، «ولو على هامش جدول الأعمال»، بحسب تعبيره.
وحذر علوية من أن «الآتي أعظم»، مندداً بالاتفاقين اللذين يتذرعان بالتهديد الإيراني لدول الخليج، واستدرك مستنكراً: «لقد أعلن ترامب نفسه أنه سوف يتفاوض مع الإيرانيين ويبرم معهم اتفاقاً جديداً، إذا فاز في الانتخابات المقبلة، فهل توقيع أبو ظبي والمنامة معاهدات مع طهران، هو أصعب من توقيع معاهدة مع تل أبيب؟».
الناشط اللبناني الأصل، نعيم بزي اعتبر أن معاهدتي البيت الأبيض لا تتجاوزان «الاتفاق الأمني» بين الدول الثلاث، مشيراً إلى أن الإمارات اشتركت في السابق مع إسرائيل في إجراء مناورات عسكرية. وقال: «الهدف الرئيسي من هذين الاتفاقين هو إظهار إيران وكأنها البعبع الذي يتهدد دول الخليج». ولفت بزي إلى أن العديد من الدول العربية ستلتحق بقطار التطبيع مع إسرائيل في المستقبل القريب، وأن الأهم في هذه المرحلة هو الحفاظ على الحقوق العربية والتمسك بـ«حق عودة الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم».
وأشار إلى سيطرة اللوبي الصهيوني على السياسة الأميركية الخارجية، قائلاً «سواء فاز ترامب في الانتخابات المقبلة أم خسرها، فإن أولويتنا يجب أن تكون عدم التفريط بالحقوق السياسية والإنسانية للشعب الفلسطيني».
وطالب بزي المؤسسات العربية الأميركية أن تضاعف جهودها وأن تستثمر علاقاتها مع المسؤولين الحكوميين والرسميين من أجل دفع الإدارة الأميركية إلى عدم تجاهل أوضاع الفلسطينيين في المنافي والمخيمات وضمان حقوقهم بالعودة إلى منازلهم التي أجبرهم الاحتلال الإسرائيلي على مغادرتها.
واستغرب أحد النشطاء، أن يوصف اتفاقا البيت الأبيض بـ«معاهدتي سلام»، وقال: «السلام يعقد بين الدول المتعادية، وليس بين الدول الصديقة»، مضيفاً: «للأسف لقد أضحت العلاقات بين إسرائيل وبين الدول العربية علنية، وعلى الشعوب العربية أن تواجه الواقع الجديد بمزيد من الوعي والعمل، وألا تستكين للظروف والضغوط المفروضة عليها من كل حدب وصوب».
Leave a Reply