واشنطن – قبل أسابيع قليلة من موعد انتخابات الرئاسة، أججت وفاة القاضية الليبرالية في المحكمة الأميركية العليا روث بايدر غينسبرغ، الانقسام السياسي الحاد في الولايات المتحدة، حيث هبّ الديمقراطيون لاعتراض أية محاولة لملء المقعد الشاغر قبل انتخاب رئيس جديد للبلاد، لكن ذلك لم يمنع الرئيس الأميركي دونالد ترامب من وضع قائمة من خمس مرشحات لخلافة «أيقونة» الدفاع عن حقوق المرأة والمثليين، مستنداً إلى «واجبه الدستوري» ودعم شامل من الجمهوريين الذين يسيطرون على الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي.
ومن المتوقع أن يكشف ترامب، هوية مرشحته لخلافة القاضية الراحلة، بحلول يوم السبت 26 أيلول (سبتمبر) الجاري، تمهيداً للبدء بإجراءات تثبيتها في مجلس الشيوخ حيث للجمهوريين أغلبية 53 مقعداً مقابل 47 للديمقراطيين.
وستمنح وفاة غينسبرغ الرئيس ترامب فرصة لاختيار قاض محافظ مكانها، الأمر الذي سيقلب توازن المحكمة بين الليبراليين والمحافظين، ويؤثر على الكثير من القضايا المهمة في البلاد لسنوات.
ويعيّن قضاة المحكمة العليا مدى الحياة أو إلى أن يقرروا من تلقاء أنفسهم أن يتقاعدوا.
وقد أعرب كبار قادة الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ عن استعدادهم للتصويت على مرشحه قبل الانتخابات، وهو ما اعترض عليه ديمقراطيون رأوا ضرورة إتاحة الفرصة للرئيس القادم في اختيار القاضي الجديد، مشيرين إلى أن القاضية الراحلة أوصت بذلك من على سرير الموت.
حتى أن السناتور الجمهوري، ميت رومني، المعروف بانتقاده لترامب، قال إنه لن يعارض تصويت مجلس الشيوخ على مرشح الرئيس للمحكمة العليا، قبل الانتخابات المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل، ما يعزز فرص الحصول على الأغلبية المطلوبة لتعزيز أغلبية القضاة المحافظين في أعلى سلطة قضائية بالبلاد.
وفي حالة الموافقة على مرشح ترامب، سيصبح عدد القضاة المحافظين في المحكمة ستة، مقابل ثلاثة قضاة محسوبين على التيار الليبرالي.
ودافع ترامب، عن رغبته في ملء المقعد الشاغر، قائلاً إنه يتوقع أن تتولى أعلى محكمة في البلاد مسألة حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية، المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل.
وتابع أن التصويت بالبريد في الانتخابات، الذي ضغط من أجله الديمقراطيون، هو عملية «احتيال» سينتهي بها المطاف أمام المحكمة العليا، لذلك فإن صدور قرار متساو من قضاة المحكمة (4 مقابل 4) «لن يكون وضعاً جيداً»، مشيراً أن تكون المحكمة مكتملة بأعضائها التسعة كي لا تنقسم على نفسها.
وكانت المحكمة العليا قد تدخلت مرة واحدة من قبل لحسم نتيجة السباق الرئاسي، وذلك عام 2000، في الانتخابات التي جرت بين المرشحين، الجمهوري جورج بوش الابن، والديمقراطي آل غور.
الراحلة غينسبرغ
توفيت القاضية روث بايدر غينسبرغ عن عمر يناهز 87 عاماً من مضاعفات سرطان البنكرياس. وأصبحت غينسبرغ أيقونة أميركية بامتياز، بعد أن تغلبت على التمييز الجنسي الراسخ في مهنة المحاماة لتصعد إلى المحكمة العليا الأميركية، حيث دافعت على مدى 27 عاماً عن المساواة بين الجنسين وحقوق المثليين وحق الإجهاض، كما اشتهرت بدفاعها عن قانون الرعاية الصحية «أوباماكير»، وتعزيز حقوق الأقليات العرقية الفقراء والمحرومين.
وتعتبر غينسبرغ من أبرز المدافعين عن حقوق المرأة، وقد فازت بقضايا التمييز بين الجنسين أمام المحكمة العليا، قبل أن يتم تعيينها في أعلى هيئة قضائية أميركية من قبل الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون في عام 1993.
نشأت غينسبرغ في عائلة من الطبقة العاملة في حي بروكلين بمدينة نيويورك، وبدأت نشاطها في مجال الدفاع عن حقوق المرأة منذ دخولها كلية الحقوق التي كان يهيمن عليها الذكور.
جعل الرئيس جيمي كارتر، غينسبرغ قاضية استئناف فدرالية في عام 1980 ورفعها كلينتون إلى المحكمة العليا بعد 13 عاماً. وخلال فترة عملها، تم تعيين امرأتين أخريين في المحكمة العليا: سونيا سوتومايور وإيلينا كاجان، علماً بأن غينسبرغ هي ثاني امرأة تتولى منصب قاض في المحكمة العليا منذ تأسيسها.
وفي إحدى المرات سُئلت غينسبرغ عن عدد النساء اللواتي يجب أن يكن في المحكمة، أجابت غينسبرغ، بابتسامة قائلة «تسع» وهو العدد الإجمالي للقضاة في المحكمة العليا.
وخلال السنوات الأخيرة، عانت غينسبرغ من عدة أمراض، أبرزها سرطان القولون الذي أصابها عام 1999.
وفي 2018، تغلبت على سرطان الرئة، قبل أن تكتشف في يوليو 2019، إصابتها بسرطان البنكرياس كذلك.
وأشاد ترامب بما وصفه بــ«الحياة الرائعة» التي قادتها غينسبرغ بعد أن وصله نبأ وفاتها من صحافيين خلال مشاركته في مهرجان انتخابي في مينيسوتا يوم الجمعة الماضي.
من جهته، صرّح المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية جو بايدن أن تعيين خليفة لغينسبرغ يجب أن ينتظر إلى ما بعد انتخاب رئيس جديد، رافضاً أن يعلن أسماء مرشحيه المحتملين للمنصب.
قائمة ترامب
غداة وفاة غينسبرغ، أكد ترامب أنه «ملزم» بتسمية قاض جديد في المحكمة العليا «دون تأخير»، وقال في تغريدة إن تسمية قضاة لهذه المحكمة هو «القرار الأهم» الذي ينتخب من أجله رئيس.
وبموجب الدستور، يختار الرئيس مرشحه ويطرحه على مجلس الشيوخ للمصادقة عليه. وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الديمقراطيين لا يملكون الأصوات الكافية لمنع وصول مرشحة ترامب لمنصبها، مما قد يعني ترجيح كفة المحافظين داخل المحكمة الأهم في البلد لفترة طويلة. وقد أعلن ترامب عن قائمة نهائية بأسماء خمسة مرشحات، بينهم أربع قاضيات، وهن:
– القاضية في المحكمة العليا بولاية فلوريدا، باربرا لاغوا (52 عاماً)، هي ابنة لأبوين كوبيين هربا من اضطهاد الرئيس فيديل كاسترو إلى أميركا.
– القاضية في محكمة الاستئناف الفدرالية السادسة، جوان لارسن (52 عاماً)، تولت سابقاً عضوية المحكمة العليا في ميشيغن.
– القاضية في محكمة الاستئناف الفدرالية السابعة، آمي كوني بارت (48 عاماً) وهي أم لسبعة أطفال من ولاية إنديانا.
– القاضية في محكمة الاستئناف الفدرالية السادسة، أليسون راشينغ، وهي أصغر المرشحات للمنصب (38 عاماً)، من ولاية نورث كارولاينا.
– كيت كومرفورد تود (45 عاماً)، قد تكون المرشحة الأقل حظاً، فهي محامية وليست قاضية. وتشير «أسوشيتد برس» إلى أن انعدام خبرتها القضائية قد يجعلها هدفا سهلاً للانتقاد حال ترشيحها.
Leave a Reply