كليفلاند – تسعون دقيقة كانت عبارة عن انتقادات، واتهامات، وهجمات شخصيّة متبادلة، خلت من أية معالجة جدّية للمسائل الحسّاسة التي تواجه الولايات المتحدة. هذه كانت حصيلة المناظرة الأولى التي جمعت بين الرئيس دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، مساء الثلاثاء الماضي.
فقد تحوّلت الجولة الأولى من المناظرات الثلاث، إلى مشادة كلامية متواصلة منذ البداية حتى النهاية، وسط تبادل للإهانات والهجمات الشخصية، وإدارة سيئة للمناظرة من قبل الإعلامي في شبكة «فوكس»، كريس والاس.
ساعة ونصف الساعة شهدت مقاطعة ترامب المتواصلة لحديث بايدن، ومقاطعة والاس لترامب. وقد بلغ الأمر ببايدن حدّ مخاطبة الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتّحدة، بالقول: «هلا تخرس يا رجل!»، قبل أن يضيف: «من الصعب أن يحظى المرء بفرصة لقول كلمة واحدة بوجود هذا المهرّج، عفواً هذا الشخص». ليعقّب بعدها بالقول: «أنت أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة». توصيفٌ ردّ عليه ترامب بأن منافسه عديم الذكاء مؤكداً أنه «فعل في 47 شهراً أكثر ممّا فعله بايدن خلال 47 عاماً» في إشارة إلى مسيرته السياسية الطويلة.
كذلك وصف بايدن، ترامب بـ«دمية» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليردّ عليه ترامب بالقول إنه «دمية في يد اليسار الراديكالي».
وفي بداية المناظرة التي عقدت في جامعة «كيس ويسترن ريزيرف» بمدينة كليفلاند وسط حضور محدود بسبب إجراءات الوقاية من وباء كورونا، دافع الرئيس الجمهوري عن تحركه السريع لمحاولة شغل مقعد في المحكمة العليا الأميركية في بداية المناظرة، قائلاً إن الرئيس منتخب لمدة أربع سنوات وإن إدارته لها الحق في ذلك، رغم اعتراضات الديمقراطيين. لكن بايدن قال إن مقعد القاضية الراحلة روث بادر غينسبرغ، يجب شغله بعد انتخابات الثالث من نوفمبر، عندما يتضح من سيكون الرئيس، لكنه رفض تقديم لائحة بأسماء المرشحين أو ما إذا كان يعتزم السير بدعوات الديمقراطيين إلى زيادة عدد أعضاء المحكمة العليا لانتزاع الأغلبية من القضاة المحافظين.
وكانت تلك «إشارة البدء»، حيث تبادل الرجلان بعدها الاتهامات الشخصية وسط أجواء محمومة سادها توتر شديد، ومقاطعة الواحد للآخر.
وقال الرئيس الأميركي في اليوم التالي إنه «استمتع» بالمناظرة الأولى، فيما وصف المرشح الديمقراطي سلوك منافسه بأنه «عار وطني».
وقال ترامب في خطاب ألقاه بولاية مينيسوتا الأربعاء المنصرم: «لقد استمتعت حقاً بالمناظرة مع جو الليلة الماضية… لقد أحرزنا نحن جميعاً انتصاراً كبيراً الليلة الماضية… أعلى التصنيفات في تاريخ تلفزيون الكابل»، مشيراً إلى أن بايدن قد ينسحب من المناظرتين الأخيرتين.
ومساء الخميس الماضي أعلن ترامب عن إصابته وزوجته ميلانيا بفيروس كورونا عبر «تويتر».
مواجهة الوباء
المرشّحان السبعينيّان تبادلا، الانتقادات خلال المناظرة الصاخبة، حول حصيلة وباء «كوفيد–19» في الولايات المتحدة. قال ترامب: «لم تكن لتقوم بالعمل الذي أنجزناه»، ليردّ بايدن بتحميل ترامب مسؤولية وفاة 200 ألف أميركي بالوباء، قائلاً: «نشكّل 4 بالمئة من سكّان العالم، ولدينا 20 بالمئة من الوفيات»، فرد ترامب بالقول إن لا أحد يعلم الأرقام الحقيقية للوفيات حول العالم.
وقال ترامب إنه اضطر إلى إغلاق الاقتصاد في بداية الوباء لكنه اتهم بايدن بأنه يريد الاستمرار بإغلاق البلاد، بينما قال المرشح الديمقراطي لترامب «إذا التزمنا بارتداء الكمامات حتى نهاية العام يمكننا إنقاذ حياة مئة ألف شخص»، متهماً الرئيس بـ«تشجيع الناس على عدم ارتداء الكمامات».
وخلال حديثهما عن الاقتصاد، قال ترامب إن الولايات المتحدة في ظل إدارته «استطاعت بناء أقوى اقتصاد في العالم، لكن الإغلاق جاء بسبب وباء كورونا» ثم أردف أن إدارته بصدد إعادة فتح الاقتصاد تدريجياً، متهماً الديمقراطيين بالسعي لإغلاق الاقتصاد حتى موعد الانتخابات، بهدف منح الغلبة لمرشحهم.
الضرائب
وفي إجابته على اتهام صحيفة «نيويورك تايمز» له بدفع 750 دولار فقط كضرائب في عامي 2016 و2017 قال ترامب «دفعت ملايين الدولارات كضرائب على الدخل في 2016» بينما قال بايدن إن ترامب «استغل القانون الساري بشأن الضرائب للتهرب من الدفع».
وتعهد ترامب بأنه سيكشف عن سجله الضريبي بعد الانتهاء من تدقيقه، فقاطعه بايدن متسائلاً: «متى؟… إن شاء الله؟»، مستخدماً التعبير العربي لأول مرة في تاريخ المناظرات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد نشرت تقريراً قبل أيام قليلة من المناظرة جاء فيه أن ترامب دفع 750 دولاراً فقط من ضرائب الدخل الفدرالية في عامي 2016 و2017، بعد الإبلاغ لسنوات عن تكبد شركاته خسائر فادحة. وردّ ترامب، بتكذيب التقرير قائلاً إنه دفع ملايين الدولارات كضرائب فدرالية خلال العامين المذكورين.
وبينما اتهم بايدن، ترامب بالتهرب الضريبي، رد عليه الرئيس بالقول إذا فزتَ فإن نصف الشركات ستغادر وسيكون هناك أسوأ ركود اقتصادي».
بايدن علق على ذلك بالقول إن «الديمقراطيين سلموا إدارة الرئيس ترامب اقتصاداً قوياً «لكنه قام بتدميره».
الاحتجاجات
وخلال الحديث عن سلسلة الاحتجاجات التي عرفتها الولايات المتحدة الأميركية خلال الأشهر الماضية في غمرة تفشي وباء كورونا ومقتل الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد، اتهم بايدن، ترامب بتأجيج العنصرية والكراهية وسط الشعب الأميركي، بينما تحدى ترامب منافسه أن يدعم علانية «القانون والنظام»، مشيراً إلى أن جميع جمعيات الشرطة في الولايات المتحدة دعمت ترشيحه.
وقال ترامب «أنت لا تستطيع حتى التفوه بلفظ القانون والنظام لأنك خائف من أن تخسر اليساريين»، وطلب الرئيس من منافسه أن يذكر اسم جمعية شرطة واحدة دعمت ترشيحه، فتدخل الإعلامي والاس، قبل أن يستطيع بايدن الإجابة.
وذكّر ترامب أنه خلال فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه جو بايدن «كان هناك عنف أكثر مما أراه الآن».
وبينما قال ترامب إنه لم يحقق أي رئيس قبله ما حققه هو خلال ثلاث سنوات من الحكم، رد بايدن بالقول إن «ترامب جعل الأميركيين أكثر فقراً وضعفاً وعنفاً وانقساماً».
نزاهة الانتخابات
أمّا في ما يتعلّق بانتقال السلطة والجدال القائم حول نزاهة الانتخابات، فقد تعهّد بايدن بقبول نتائج الانتخابات، فيما أبدى ترامب، مرّة جديدة تشكيكه بنظام التصويت عبر البريد والتغييرات التي يدخلها الديمقراطيون على النظام الانتخابي في بعض الولايات بسبب وباء «كوفيد–19»، قائلاً إنها تشجّع على «التزوير».
وقال ترامب «ستحدث عمليات تزوير بشكل لم تروا مثيلاً له من قبل»، مضيفاً «قد لا نعرف (نتيجة الانتخابات) قبل أشهر».
ولفت ترامب إلى أنه لم يكن هناك أصلاً انتقال سلس للسلطة بعد فوزه بالرئاسة عام 2016، مشيراً إلى أن الرئيس السابق باراك أوباما وبايدن نفسه، أمراً بالتجسس على حملته قبل وبعد الانتخابات.
وأضاف «الديمقراطيون حاولوا الانقلاب على نتائج انتخابات سنة 2016»، بينما دعا بايدن الأميركيين إلى التصويت بقوة واعداً إياهم بأن الرئيس ترامب سيغادر البيت الأبيض بمجرد إعلان النتائج.
واعتبر بايدن أن عملية التصويت بالبريد عملية نزيهة وليس هناك ما يدعو للتشكيك فيها.
إعادة نظر
وبعد المناظرة التي اتسمت بالفوضى، أعلنت اللجنة الأميركية للمناظرات الرئاسية، نيتها وضع قواعد تنظيمية جديدة للنقاش في المناظرتين المتبقيتين في سباق الرئاسة.
وقالت اللجنة، في بيان، إن المناظرة الأولى كشفت ضرورة «إلحاق هيكل إضافي بالمناظرات المتبقية لضمان حدوث نقاش أكثر تنظيماً للقضايا».
وأضافت أنها تسعى إلى وجود «أدوات إضافية للحفاظ على النظام»، مؤكدة أنها «تدرس بعناية» التغييرات التي ستجريها وستعلنها «قريباً».
وكان ترامب قد وجه انتقاداً صريحاً لمدير المناظرة والاس، وأتبعه بانتقاد آخر بعد المناظرة. وفي إحدى سجالاته مع والاس قال ترامب: «أعتقد أنني أناظرك أنت وليس بايدن. حسناً، أنا لست متفاجئاً».
وبعد انتهاء المناظرة نشر ترامب عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي صورة عن المناظرة تضعه في جهة، وفي الجهة الأخرى كل من والاس وبايدن، في إشارة إلى أنه كان يناظر الاثنين معاً.
وخرجت المناظرة في كثير من الأوقات عن سيطرة والاس، وسط مقاطعة كل من المرشحين للآخر واضطر إلى رفع صوته في إحدى المرات والاعتذار عن ذلك.
وستجري المناظرتان اللاحقتان، بين ترامب وبايدن، في 15 و22 أكتوبر الجاري في ميامي بولاية فلوريدا، وفي ناشفيل بولاية تينيسي، على التوالي.
أما نائب الرئيس مايك بنس، والمرشحة الديمقراطية لمنصب نائب الرئيس السناتورة كامالا هاريس، فسيتواجهان في مناظرة وحيدة، ليلة 7 أكتوبر الجاري في مدينة سولت ليك بولاية يوتا.
Leave a Reply