أيمن شحادة
في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات سياسية وميدانية متسارعة، وفي ظل الأزمة الحكومية المتواصلة في لبنان، تصدّرَ ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية الواجهة السياسية خارقاً الجمود الحاصل وفاتحاً باب الاتصالات والتفاوض.
لبنان نجح، بعد 10 سنوات من المحادثات، بفرض «اتفاق الإطار» الذي يريده كقاعدة للتفاوض غير المباشر مع دولة الاحتلال، برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية، وذلك عقب رفض لبنان لعدة طروحات سابقة بسبب انحيازها الفاضح لصالح إسرائيل، لتنتهي بذلك، المرحلة الأصعب في ملف ترسيم الحدود في ظل تعنت الجانب الإسرائيلي، قبل رضوخه أخيراً للموقف اللبناني الذي قاده رئيس مجلس النواب نبيه بري ممهداً الطريق لانتقال الملف إلى قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية.
وكما هو معروف فإن ملف ترسيم الحدود يشكل عامل انفجار مع إسرائيل، كما أنه يشكل خشبة الخلاص للبنان من أزمته الاقتصادية عبر استغلال ثروته النفطية، وقد تم تحريك المفاوضات المجمدة، بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى لبنان وتفعيل الوساطة الأميركية.
مصادر معنية بالملف التقني والترسيم شرحت لـ«صدى الوطن»، الموضوع من الناحية التقنية وأصل الخلاف في موضوع الترسيم، مع شروح وافية لحق لبنان في مياهه وحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة.
«خط هوف»
أوضحت المصادر لـ«صدى الوطن» أنه بتاريخ 17 كانون الثاني 2007، وفي عهد حكومة فؤاد السنيورة، ارتكبت مديرية النقل هفوة وصلت إلى حدود «الجريمة» خلال تحديدها المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص باعتمادها على اتفاق قبرص ومصر دون تعديل يذكر، إلى جانب دراسة بريطانية لم تكن في صالح لبنان. وقد نص الاتفاق في مادته الأولى على أنّ «يتمّ تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الطرفين بالاستناد إلى خط المنتصف الذي تكون كل نقطة على طول امتداده متساوية الأبعاد من أقرب نقطة على خطوط الأساس للطرفين» كما هو معرّف ومحدّد وفق النقاط المحددة من (1)[12] إلى (6)[13] المبيّنة في قائمة الإحداثيات الجغرافية الملحقة بالاتفاق والتي وقّع عليها الطرفان، وبهذا الاتفاق خسر لبنان 860 كلم2 من حدوده البحرية التي من المفترض أن تكون متصلة بنقطة «الناقورة 23». وجاء ذلك نتيجة عدم تحضير الملف بشكل كاف من قبل الدولة، كما أن إسرائيل اعتمدت على الاتفاقية الأولية بين لبنان وقبرص لترسيم حدودها البحرية مع قبرص اي انطلاقا من نقطة رقم «1»، وهنا يكمن أصل الخلاف بسبب الاعتراض اللبناني على ذلك.
وفي الإطار ذاته، أوضحت المصادر أن قيادة الجيش طلبت منذ العام 2012، عبر وزراة الدفاع تشكيل هيئة مختصة لترسيم الحدود، الا أن الملف لازال في أدراج مجلس الوزراء، علماً بأنّ الجيش اللبناني أجرى في العام 2011 مراجعة تقنيّة لما تمّ إنجازه من قبل اللجنة المذكورة للوقوف على دقّة العمل وتوصّل إلى رسم خطوط حدودية أكثر دقّة عبر اعتماد إحداثيات نقاط حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة التي وضعتها اللجنة المشتركة ولاسيّما أنّها قد صدرت بالمرسوم 6433/2011 الّذي ترك الباب مفتوحاً أمام إمكان مراجعة هذه الحدود وتحسينها عند توافر بيانات أكثر دقّة وفق الحاجة.
الخطوات العملية للترسيم
ذكرت المصادر المعنية أن لبنان صادق على الحدود البحرية له بـ 12 ميل بحري عام 1983، وفي العام 2007 تم تحديد الحدود البحرية الخالصة مع قبرص، وبتاريخ 19⁄10⁄2010، أودع لبنان، الأمم المتحدة، الإحداثيات الجغرافية للجزء الجنوبي لمنطقته الاقتصادية الخالصة التي تمتدّ من النقطة B1 وموقعها رأس الناقورة إلى النقطة 23 (المتنازع عليها مع إسرائيل والتي يعتبرها لبنان جزءاً من حقه الطبيعي).
إلا أنه بتاريخ 12/7/2011 أودعت بعثة إسرائيل الدائمة لدى الأمم المتحدة لائحة الإحداثيات الجغرافية للجزء الشمالي من المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة التي يدّعي العدو الإسرائيلي أنها عائدة له. وقد اعتمدت النقطة (1) المذكورة في اتفاقها مع قبرص، مقتطعة بذلك مساحة قدرها حوالى 860 كلم 2 من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان.
بالمقابل صدر في لبنان بتاريخ 17/8/2011 قانون تحديد وإعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية في الجريدة الرسمية الذي تحدّد فيه مياهها الداخلية وبحرها الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة، والجرف القاري تطبيقاً لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والتي دخلت حيّز التنفيذ في 5/1/1995.
1700 كلم2 وليس 860 كلم2!
وأكدت المصادر المعنية بالملف أن «الإشكالية مع العدو الإسرائيلي في ترسيم خط الوسط البحري هي المعايير التي يجب اعتمادها لترسيم الحدود»، وأوضحت أن لبنان لديه عدة خيارات لترسيم الحدود البحرية الخالصة، كاشفة ان هناك 1700 كلم 2 بين «خط هوف» المطروح أميركياً والحدود البحرية الرسمية للبنان، وليس 860 كلم 2 كما هو مطروح، مؤكدة أن الإشكالية تكمن في أن إسرائيل تعتبر صخرة «تخيلت»، جزيرة، وتستعملها في ترسيم الحدود، وهذا الموضوع غير قانوني لأنها وفق القوانين الدولية ليست سوى صخرة ولا يعتد بها في ترسيم الحدود، موضحة أنه إذا تم التساهل من قبل لبنان واحتساب الخط الوسط دون احتساب جزيرة «تخيلت» تبقى للبنان مساحة 1350 كلم2.
وشددت المصادر على أن كل الطرق المتبعة في ترسيم الخطوط البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة تعطي لبنان مساحات إضافية على عكس ما يلحظه «خط هوف» الأميركي، مشيرة إلى أنه بحال القبول بالطرح الأميركي سيخسر اللبنانيون جزءاً كبيراً من البلوك رقم 8. وأشارت المصادر إلى أن إسرائيل لا تلتزم بقانون البحار، إلا أنها تلتزم باتفاقية جنيف لعام 1958 وهذه الاتفاقية تصب في صالح لبنان أكثر من إسرائيل، مؤكدة أن من الأهمية بمكان، تحديد نقطة راس الناقورة البرية لرسم الخط البحري بشكل دقيق وعلمي.
التراجع الأميركي
ولفتت المصادر إلى أن ملف الـ1700 كلم2 ليس جديداً، بل طرحه الرئيس بري خلال اجتماعه بمساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد، مؤكداً رفضه طرح واشنطن حول النفط والبلوك رقم 9، ولفت إلى أن للبنان مساحة 500 كلم2 بالاضافة إلى مساحة الـ860 كلم2 وهو لن يتنازل أو يتخلى عن حبة تراب أو شبر مياه منها.
وأوضحت المصادر أنه بناء على التشدد اللبناني عدّل ساترفيلد الطرح الأميركي من 60 بالمئة للبنان و40 بالمئة لإسرائيل إلى 75 بالمئة للبنان و25 بالمئة لإسرائيل الا أنه قوبل أيضاً برفض لبناني لأي تنازل بحري أو بري. وذكّرت المصادر بكلام قائد الجيش العماد جوزيف عون لجهوزية الجيش اللبناني لمواجهة اي اعتداء إسرائيلي أو أي خرق لسيادته.
ولفتت في السياق إلى أن شركات النفط التي استثمرت في البلوك رقم 9 محميّة بالقانون الدولي، ولا يحقّ لإسرائيل اعتراضها لأن الحق مع الدولة اللبنانية قانونياً.
Verbal note
بناءً عليه، طُلب من وزارة الخارجية اللبنانية توجيه رسالة Verbal note إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى سفارات الدول الكبرى، مفادها «أن لبنان يعترض على ترسيم العدو الإسرائيلي لحدوده البحرية بخط بحري داخل المياه اللبنانية يقضم مساحة تقدر بحوالي 860 كلم2 من تلك المياه، وفي حال الاستمرار بهذا الاعتداء سوف تلجأ الدولة اللبنانية إلى إعادة ترسيم حدودها البحرية الجنوبية وفقاً لقواعد أخرى تتوافق مع القانون الدولي لاسيما اتفاقية جنيف لعام 1958 والتي وقع عليها العدو في العام 1961، وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار للعام 1982 والتي انضم اليها لبنان في العام 1995»، ومن شأن قواعد الترسيم الجديدة إعطاء لبنان مساحات إضافية جنوباً تقدر بحوالي 1350 كلم2 من منطقته الاقتصادية الخالصة الجنوبية، وبالتالي تشكّل هذه الرسالة ضغطاً كبيراً على إسرائيل وعلى شركات النفط الراغبة في العمل في المناطق الحدودية على الجانب الإسرائيلي، وتجعلها مترددة في تقديم عروضها للعمل في تلك المناطق إلى حين البت النهائي بموضوع ترسيم البحرية.
Leave a Reply