وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
مطلع شهر آذار (مارس) عام 1996 قام وفد من الكنيست الإسرائيلي بزيارة سرية لصنعاء. تلك الزيارة أُتبعت بأخرى بتنسيق إماراتي في تموز (يوليو) 2007 التقى خلالها الوفد بقيادات عسكرية وأمنية من أقرباء الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وقد ضم الوفد، حينها، مستشار وزير الخارجية الإسرائيلي بروس كاشدان الذي كان قد زار صنعاء سراً في الثاني من شباط (فبراير) عام 2005، حيث جرى بحث التعاون مع المسؤولين بشأن أمن البحر الأحمر وباب المندب، فضلاً عن المجالات الزراعية والسياحية والتجارية للسماح للمنتجات الإسرائيلية بدخول السوق اليمنية.
أيضاً، أكد العميد يحيى سريع، المتحدث الرسمي باسم حكومة صنعاء، أنه في 19 من أيار (مايو) 1997 أشاد السفير الأميركي في صنعاء بقرار صالح، القاضي بإلغاء المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة، فكافأت الإدارة الأميركية سلطة الرئيس السابق بمنح القوات الجوية قطع غيار طائرات عسكرية.
وتذكر الوثائق التي تم الكشف عنها، أن الوفد الإسرائيلي الذي زار صنعاء في التسعينيات طلب من المسؤولين منح نحو 60 ألف إسرائيلي الجنسية اليمنية منهم 15 ألفاً يحملون الجنسية الأميركية. وقابل الوفد، في ذلك الوقت، شخصيات يمنية مهمة أبرزها عبد الكريم الإرياني وعلي محسن الأحمر ومطهر المصري…
وإضافة إلى تلك الوثائق، أكد العميد سريع امتلاك أدلة أخرى تؤكد مشاركة إسرائيل عسكرياً في العدوان المستمر على اليمن، قائلاً إنه سيُكشف عنها في الوقت المناسب.
المأزق السعودي يتعمّق
كشف الوثائق من قبل حكومة صنعاء التي يسيطر عليها «أنصار الله» وحلفاؤهم، يأتي مع اقتراب الحرب على اليمن من إتمام عامها السادس من دون أن تلوح في الأفق أية بوادر لحل قريب للأزمة التي قضت على معظم مقدرات الشعب اليمني وبناه التحتية.
ومع استمرار العدوان، تطرح تساؤلات عديدة عما جناه التحالف السعودي حتى الآن، من الحرب التي شنها تحت شعار وقف التمدد الإيراني في اليمن، ومنع سيطرة «أنصار الله» على موانئ الحديدة وخطوط الملاحة، وإعادة «السلطة الشرعية» المتمثلة بالرئيس السابق عبد ربه منصور. لكن أياً من تلك الأهداف لم يتحقق، بل على العكس، ها هم «أنصار الله» يهددون العمق السعودي ويستنزفون قدرات الرياض وتحالفها كما لم يحدث من قبل، فـ«الرئيس اليمني» الذي يريده السعوديون، لازال يتنقل بين فنادق الرياض منذ عام 2015 عاجزاً عن العودة حتى إلى المناطق التي يسيطر عليها داعموه ومن ضمنهم الإمارات، اللاعب الأبرز في المناطق الجنوبية من اليمن، رغم الانسحاب الوهمي الذي تحدثت عنه أبوظبي العام الماضي.
هو فشل ذريع يواجهه التحالف، وسط سخط شعبي متزايد من جراء طول أمد الحرب، التي كان من المفترض أنها «عاصفة حزم» لن تستغرق أكثر من بضعة أسابيع وفقاً للحسابات الأولية، فيما هي اليوم تكاد تطوي عامها السادس دون تحقيق أي مكاسب للرياض باستثناء تدمير البلد الجار الشقيق.
هو تدمير ممنهج أتى على كل القطاعات في اليمن، من اقتصادية وصحية وبيئية، ولم يوفر حتى تراث اليمن ومعالمه الحضارية، التي يندرج قسم كبير منها في قوائم التراث العالمي.
وقد أظهرت صور من الأقمار الصناعية، يوم الاثنين الماضي، بدء حدوث تسرب نفطي من خزان صافر العائم في ميناء رأس عيسى في محافظة الحديدة بالبحر الأحمر غرب اليمن، ما ينذر بكارثة بيئية قد تهدد دول المنطقة.
يُشار إلى أن خزان صافر العائم، هو عبارة عن سفينة عائمة لتخزين النفط، صُنعت في العام 1976 بحمولة تُقدر بأكثر من 1.5 مليون برميل من النفط الخام، وترسو في ميناء رأس عيسى في الحديدة، حيث كانت تستخدمها شركة صافر الحكومية للاستكشاف والإنتاج لتخزين النفط وتصديره، وهو الأمر الذي توقف إثر بدء العمليات العسكرية في آذار 2015، ويتبادل طرفا النزاع الاتهامات بشأن عرقلة صيانتها الملحّة.
الوضع الميداني
ميدانياً، ذكرت مصادر عسكرية أن قوات صنعاء صدت هجوماً واسعاً لقوات التحالف المدعومة إماراتياً في الساحل الغربي وذلك بهدف تخفيف الضغط على قوات التحالف في مأرب، وشنت هجوماً معاكساً مكّنها من فك الحصار المفروض على مديرية الدريهمي جنوب الحديدة منذ أكثر من عامين، علماً بأن هذه المنطقة مشمولة باتفاق السويد المرعي أممياً.
وتعليقاً على هذا التصعيد، قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث إن «التصعيد العسكري لا يمثّل انتهاكاً لاتفاقية وقف إطلاق النَّار في الحديدة فحسب، بل يتعارض مع روح المفاوضات القائمة التي ترعاها الأمم المتحدة للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار في كافة أنحاء اليمن ولاتخاذ تدابير إنسانية واقتصادية ولاستئناف العملية السياسية»، مناشداً جميع الأطراف وقف القتال مباشرةً واحترام التزاماتهم في اتفاق ستوكهولم، والتفاعل مع آليات التنفيذ المشتركة لبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة.
ورغم الدعوات إلى وقف القتال، شنت قوات التحالف السعودي الإماراتي، خلال الأسبوع الماضي، عشرات الغارات الجوية على محافظات مأرب والجوف وحجة والحديدة وعسير.
وفي إشارة لافتة، أعلنت الرياض مقتل بعض العناصر الإرهابيين من «القاعدة» والقبض على آخرين، في عملية أمنية بمحافظة المهرة شرق اليمن، وهو ما يعني استحضار «عنصر القاعدة» من جديد لإعطاء شرعية لمواصلة العدوان، فيما تستمر الإمارات بمحاولة إحكام قبضتها على جزيرة سقطرى، حيث عززت أبوظبي قواتها في الجزيرة الاستراتيجية، بسفينة جديدة محمّلة بمئات الجنود السودانيين والسنغاليين.
لجنة اعتصام «أبناء المهرة» وصفت إعلان الرياض وحكومة هادي مقتل العناصر الإرهابيين في عملية أمنية بـ«المسرحية المفضوحة»، كيف لا وتنظيم «القاعدة» نفسه يقاتل إلى جانب التحالف في مواجهة الجيش واللجان الشعبية؟
في السياق، عقد شيوخ القبائل في جزيرة سقطرى، يوم الأحد الماضي، اجتماعاً دعوا فيه إلى إخراج المليشيات الموالية للإمارات من الجزيرة.
وكان موقع «إنتيليجنس أون لاين» قد أكد أن مسؤولين إماراتيين وإسرائيليين قاموا بزيارة لسقطرى في 10 من أيلول (سبتمبر) الحالي، مشيراً إلى سعي الطرفين لإنشاء قواعد استخبارية مشتركة.
يُذكر أن قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، تسيطر على محافظة سقطرى بعد اجتياحها بقوة السلاح، منذ حزيران (يونيو) الماضي.
المأساة الإنسانية المستمرة
وسط استمرار المعارك، يستمر تدهور الوضع الإنساني بنحو دراماتيكي بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه قوات التحالف السعودي على اليمن.
المستشفيات أقفلت أبوابها وما تبقى منها يشهد أعداداً هائلة من المصابين والوفيات يومياً، لاسيما من الأطفال بسبب سوء التغذية أو حتى المجاعة.
ووفق برنامج الأغذية العالمي، فإن ثلث اليمنيين غير قادرين على الحصول على الغذاء حالياً، فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن حرب السعودية دمرت معظم منشآت البلاد، لافتاً إلى أن دعوته إلى وقف لإطلاق النار لمواجهة وباء كورونا لم تُحترم وأن التصعيد في الأسابيع الأخيرة هو سيد الموقف.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت أن ثلثي سكان اليمن يعتمدون على المساعدات الغذائية، وأن أكثر من ثلاثة ملايين شخص باتوا يعيشون في العراء بعد نزوحهم من مناطق الصراع، وأن الحرب حصدت أكثر من مئة ألف مدنيٍ في البلاد خلال السنوات الخمس الماضية.
وفي سياق متصل، سلّم مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك أعضاء مجلس الأمن الدولي، وثيقة حذّر فيها من أنه ومع تمويل 24 بالمئة فقط من الاحتياجات الإنسانية في العام 2020، ستضطر الوكالات إلى تقليص برامج رئيسية أو إغلاقها.
الضحية والجلاد
وفيما خصَّ تقرير فريق الخبراء الدوليين بشأن اليمن، فقد اعتبرته حكومة صنعاء «مكرراً» و«يساوي بين الضحية والجلاد»، كما دعت إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها التحالف السعودي بحق الشعب اليمني.
وأخذت صنعاء على التقرير، وصف أحداث اليمن بالنزاع الداخلي غير الدولي، إضافةً إلى تجاهل رفض دول التحالف زيارة الخبراء الدوليين أو استقبالهم في اليمن، على عكس موقف صنعاء المرحِّب.
كما أُخذ على التقرير عدم تناوله لاستخدام التحالف الورقة الاقتصادية وسلاح التجويع ضد اليمنيين، من خلال استمرار الامتناع عن صرف رواتب الموظفين وإِغلاق مطار صنعاء.
لكن رئيس الوفد اليمني المفاوض عن صنعاء، محمد عبد السلام، رحّب في تغريدة له عبر «تويتر» ببيان المبعوث الأممي لجهة التأكيد على الالتزام باتفاق ستوكهولم والتعامل الإيجابي والفعال مع آليات التنفيذ المشتركة للبعثة الأممية.
استقرار المنطقة
بعد كل ما حل باليمن وأهله من قتل وتخريب يأتي الكشف عن الوثائق السرية حول تعامل السلطة أيام الرئيس السابق علي عبد الله صالح مع إسرائيل، في سياق الربط بينه وبين ما يجري الآن على الساحة اليمنية، في إشارة واضحة إلى سعي الرياض لاستكمال ما كان قد بدأه النظام السابق في مسار التطبيع مع إسرائيل، فصنعاء تمثل اليوم جزءاً لا يتجزأ من «محور الممانعة» الذي يعتبر إسرائيل، العدو الأول والاستراتيجي، وهو ما يجعل صنعاء حجر عثرة في مسار التطبيع الذي تنتهجه السعودية ومن يدور في فلكها.
لم يعد خافياً أن تدخّل السعودية في اليمن، وقبلها في سوريا ولبنان والعراق والبحرين… وأيضاً الحصار المفروض على قطر، ما هو إلا زعزعة لأمن المنطقة تمهيداً لقلبها رأساً على عقب، علماً بأن كل تلك التدخلات لم تأت بفائدة تُذكر للسعودية التي باتت مستنزفة مادياً ومعنوياً، حتى أصبحت «مملكة الخير» (سابقاً) من أصحاب السجلات السوداء في مجال حقوق الإنسان.
Leave a Reply