وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
وسط الكم الهائل من الأزمات التي تعيشها الساحة العراقية، بدءاً من الاقتصاد مروراً بجائحة كورونا وصولاً إلى المخاوف من عودة تنظيم «داعش»، دون إغفال التجاذبات السياسية الداخلية التي لم تتوقف مع تأليف الحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي، والتوتر المستمر في العلاقات الأميركية الإيرانية الذي ينعكس بقوة على الساحة العراقية، بسبب الحضور القوي والمؤثر للدولتين في بلاد الرافدين… كل تلك الأزمات مضافاً إليها الحديث عن تطبيع محتمل مع إسرائيل، على غرار دول عربية أخرى، ثمة سؤال يطرح نفسه بإلحاح عن مدى تأثير نتائج الانتخابات الأميركية على الوضع في العراق.
مع بدء العد العكسي والدخول في مرحلة الحسم، يراقب العالم أجمع ومعه العراق، اللحظة التاريخية التي تمر بها الولايات المتحدة، والتي قد تحمل معها تغييراً استراتيجياً، كما يتوقع البعض، في حال هزيمة الجمهوري دونالد ترامب وفوز الديمقراطي جو بايدن.
تغيير لا بد وأن ينسحب بشكل أو بآخر على العراق الذي تحول منذ العام 2003 إلى ساحة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران، رغم أن الكثير من المراقبين يعتبرون السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لم تشهد يوماً خلافات جوهرية بين الحزبين، ولديها استراتيجية ثابتة، ما يعني –بحسب هؤلاء– أن دور الرئيس يقتصر على دفع الاستراتيجية العامة مع هامش للتحرك تحت سقف الثوابت.
ثلاثة ملفات أساسية تدفع العراقيين إلى متابعة الانتخابات الأميركية باهتمام بالغ، أولها الوجود العسكري الأميركي على أراضيهم، وثانيها ملف تنظيم «داعش» الذي عاود نشاطه وإن بشكل محدود. أما الملف الثالث فهو الخلاف الأميركي الإيراني الذي بلغ حد الصدام على الأراضي العراقية.
هذا باختصار ما ورد في تقرير صادر عن لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي. كما توقف التقرير عند الانقسام السياسي الذي تشهده بغداد حيال هذه الانتخابات، مشيراً إلى أن هناك قوى شيعية ترى في فوز بايدن فائدة للعراق من خلال التهدئة التي قد تستجد بين الولايات المتحدة وإيران والموالين لها، وتحديداً بعض فصائل «الحشد الشعبي»، أما الكرد فيتوقعون دعماً قوياً من بايدن لإقليم كردستان في ملفاته الخلافية مع بغداد، ولا يعنيهم في شيء استبدال سياسة العقوبات الخانقة التي يستخدمها ترامب ضد إيران أو العودة إلى الاتفاق النووي من قبل بايدن، فيما القوى السنية من العرب تميل إلى فوز ترامب بولاية جديدة بسبب تبنّيه لمواقف متشددة حيال داعش وإيران.
وبشأن القوات الأميركية في العراق، فمن غير الواضح ما إذا كان بايدن سيعمل على سحبها. بل يرى بعض العراقيين أن الانسحاب ليس في صالح الولايات المتحدة ولا في صالح العراق. فعلى الصعيد الاستراتيجي واشنطن لا تريد خسارة موقعها في العراق لأنها خسرت الكثير في زمن أوباما، وقد حاول ترامب استعادة بعض النقاط، لأن الفراغ الذي حدث في المنطقة ملأته كل من روسيا وإيران وتركيا.
وفي نظرة سريعة إلى مسار الأزمات التي عاشتها المنطقة، يظهر جلياً أن الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء قد شاركوا في افتعالها وتأجيجها، وإن كانت هناك بعض الخلافات التي طفت على السطح أحياناً إلا أنها اقتصرت على تفاصيل مثل التوقيت أو المنهجية لكنه لم يصل قط إلى مرحلة الاعتراض الحقيقي على بقاء القوات الأميركية في العراق.
انقسام واضح تشهده الساحة العراقية إزاء الانتخابات الرئاسة الأميركية. فالفريق المؤيد لعودة ترامب يؤكد أن فوزه بولاية ثانية سيفضي حتماً إلى مزيد من الدعم للحكومة العراقية التى وصل رئيسها برضى أميركي خالص، مع إكمال المساعدات التي كانت قد بدأتها واشنطن في إعادة بناء ما تهدم من البلاد، تحت غطاء صفقة القرن، التي تعثرت، إضافة إلى مظلة الأمان التي يمثلها استمرار وجود القوات الأميركية في مواجهة عودة تنظيم «داعش».
ويرى هؤلاء في المقابل أن خسارة ترامب ستنعكس بشكل واضح على العراق، لأن وصول بايدن إلى البيت الأبيض يعني خفض التوتر بين واشنطن وطهران، بعدما تعهد الديمقراطيون بالعودة إلى الاتفاق النووي، وهو ما سيصب في مصلحة طهران بطبيعة الحال.
وفي السياق نفسه، انتقد تحالف «الفتح»، الانقسام الحاصل وسط الطبقات السياسية بين مؤيد لفوز ترامب وآخر لبايدن، لافتاً إلى أن الطرفين لا يهمهما سوى الأطماع التوسعية في العراق والمنطقة.
النائب عن «الفتح» فاضل جابر أكد أن العراق لا يعنيه فوز ترامب أو بايدن في الانتخابات بقدر ما يعنيه سحب القوات الأميركية خلال الولاية المقبلة وإنهاء سلسلة الخروقات للأجواء العراقية. وأضاف أن كل ما حلّ بالعراق من خراب سببه سياسات ترامب الرعناء في العراق والمنطقة، مع الإشارة إلى أنه لا أمل يُرتجى من بايدن صاحب مشروع تقسيم العراق. وشدد جابر على أنه أياً كان الفائز فلا مشروع لديه سوى السير في الخطط الصهيونية والأطماع التوسعية في العراق والمنطقة.
أما بايدن فهو صاحب فكرة تقسيم العراق وتقطيع أوصاله كحل يقترحه الرجل برضى العراقيين أم من دونه، ويرى أن الاستقرار في هذا البلد رهن بتقسيمه إلى كانتونات تسهل السيطرة عليها.
لا يغيب عن أذهان العراقيين أبداً أنه في عهد الديمقراطيِ بيل كلينتون حُوصِر بلدهم وقُصف، وفي عهد الجمهوري جورج بوش الابن سقطت عاصمة الرشيد واحتُلَّت أما داعش فقد نشأ وترعرع إلى أن كبُر ونما واجتاح جزءاً كبيراً من العراق في عهد باراك أوباما الديمقراطي. أما الضربة المؤلمة التي تلقّاها العراق في الصميم ونالت من سيادته، فقد كانت باغتيال ضيفه الرسمي، قائد قوة «القدس» الجنرال قاسم سليماني ورئيس هيئة «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس بقرار من الجمهوري ترامب.
الانقسام بين مكونات الشعب العراقي وإثنياته إزاءالعملية الانتخابية الأميركية يؤكد مرة جديدة عدم وجود ثوابت حقيقية وراسخة تجتمع حولها تلك المكونات لإتمام عملية سياسية مستقلة بعيدة عن التأثيرات الخارجية، وعن التوحد في موقف وطني جامع مقابل أي مستجد أو طارئ دولي أو إقليمي.
Leave a Reply