كمال ذبيان – «صدى الوطن»
مازال تشكيل الحكومة في لبنان التي كُلّف بها الرئيس سعد الحريري، ضمن المهلة اللبنانية المعتادة، لكنها ليست على التوقيت الفرنسي خاصةً، ولا الدولي عامة، إذ أعطى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مدة ما بين أربعة أو ستة أسابيع لولادة الحكومة، التي أخفق الرئيس المكلّف السابق السفير مصطفى أديب بتأليفها خلال أسبوعين، كما تمنّى الرئيس ماكرون على القوى السياسية اللبنانية التي التقاها في قصر الصنوبر.
المهمة الصعبة
الحريري الذي سمّى نفسه لرئاسة الحكومة، قبل الاستشارات النيابية الملزمة التي أعطته 65 صوتاً، أمامه مهمة صعبة في تشكيل الحكومة التي يريدها بوزراء «مستقلين غير حزبيين» و«من أصحاب الاختصاص»، وهي نفس المواصفات التي حالت دون تمكّن أديب من تأليف الحكومة.
غير أن الحريري قد يواجه المصير ذاته لاسيما بعد تراجعه عن موقفه الأولي الذي حصل بموجبه على الأصوات النيابية المطلوبة لتكليفه، عبر إظهار عدم ممانعته لتولي وزير شيعي لحقيبة المالية و«لو لمرة واحدة»، كي لا يكون اعترافاً منه بعرف «التوقيع الثالث» الذي يضمن تمثيل الطائفة الشيعية على المراسيم الحكومية.
موقف الحريري، الذي صدر خلال الفترة التي كان فيها أديب رئيساً مكلّفاً، عبّد له طريق العودة إلى السراي، بترحيب من «الثنائي الشيعي»، لاسيما من الرئيس نبيه برّي الذي حصل من الرئيس المكلّف على وعد بتسمية الوزراء الشيعة مع «حزب الله» وبالحقائب التي يرونها، مقابل تقديم تسهيلات له. وهو ما طبّقه الحريري أيضاً على «الحزب التقدمي الاشتراكي»، وخضع لمطلب رئيسه وليد جنبلاط، بأن تكون له الحصة الدرزية كاملة، بوزارات خدماتية أساسية كالصحة والتربية والشؤون الاجتماعية، وإذا تنازل عن مقعد وزاري للدروز، فيحصل على بديل من مقاعد في طوائف أخرى، وتحديداً الطائفة السّنّية.
عُقد التوزير
إلى جانب وعود «التنازلات» التي قدّمها الحريري لحركة «أمل» و«حزب الله» و«الاشتراكي»، يواجه الرئيس أزمة توزير المسيحيين، في ظل القطيعة القائمة بينه وبين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وامتناع «تكتّل لبنان القوي» عن تكليفه، باستثناء حزب الطاشناق لاعتبارات سياسية خاصة به، إضافة إلى النائب إيلي الفرزلي، الذي كان أكثر المندفعين والمسوّقين لعودة الحريري على رأس الحكومة.
ويبدي الحريري حرصاً على عدم الظهور بموقع المتنازل أمام باسيل، بعد تجربة التسوية الرئاسية التي طغت على حكومته السابقة، رافضاً التفاوض مع رئيس «التيار الوطني الحر» بذريعة تشكيل حكومة «مستقلين» من غير السياسيين والحزبيين.
وتحت هذا الشعار، يسعى الحريري إلى تشكيل الحكومة بالتفاهم بينه وبين رئيس الجمهورية الشريك في التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة بحسب الدستور الذي يمنح الرئيس ميشال عون صلاحية الموافقة أو الامتناع عن التوقيع.
وسرعان ما وقع الخلاف بين الرئيسين، عندما اقترح الحريري تشكيل حكومة من 18 وزيراً فقط، مع حصر التمثيل الدرزي فيها بمن يسمّيه «اللقاء الديمقراطي» الذي يرأسه النائب تيمور جنبلاط، دون مشاركة لـ«كتلة ضمانة الجبل» التي يرأسها طلال إرسلان، والتي امتنعت عن تسمية الحريري لرئاسة الحكومة خلال المشاورات النيابية، كما امتنع الرئيس المكلف عن لقاء إرسلان وسط هجوم على النائب الدرزي باعتباره أداة بيد باسيل، الذي وضعته وزارة الخزانة الأميركية على قائمة العقوبات المالية لاتهامه بـ«الفساد» واختلاس أموال.
وأعلنت الخزانة الأميركية في بيان تجميد كل الأصول في الولايات المتحدة العائدة لباسيل، صهر الرئيس اللبناني ميشال عون ووزير خارجية وطاقة أسبق، وطلبت من المصارف اللبنانية التي تجري تعاملات بالدولار الأميركي تجميد كلّ أصوله في لبنان.
نقطة الصفر
التفاؤل في إمكانية تشكيل الحكومة سريعاً، بعدما بشّر الرئيس بري بأنها ستكون جاهزة خلال أيام، تبدّد سريعاً مع ظهور الخلاف على عدد أعضاء الحكومة، وبرز أيضاً موضوع المداورة في الحقائب، التي قبل الرئيس المكلّف بأن تكون وزارة الداخلية من الحصّة المسيحية، بعد أن كانت مع الطائفة السّنّية، وأن تكون تحديداً لـ«تيار المردة» برئاسة سليمان فرنجية. لكن رئيس الجمهورية تمسّك بالحقيبة السيادية لتكون من حصّته، وهو ما شكّل إحراجاً للحريري الذي يسعى لعدم منح أي من الحقائب الأمنية للرئيس عون، باعتباره حليفاً لـ«حزب الله».
كذلك يريد الرئيس عون الحصول على وزارة العدل، مما فاقم الخلاف بينه وبين الحريري في ظل التباين في الحسابات السياسية والفئوية التي باعدت بين الشريكين في تشكيل الحكومة. وقد عقد الرئيسان ستة اجتماعات للبحث في الصيغ الممكنة لتشكيل الحكومة دون تحقيق أي تقدم يذكر.
ومع استمرار حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب، مازال من المبكر الحديث عن فشل الحريري، لأن الوقت الذي يستغرقه تشكيل الحكومات في لبنان –عادة– قد يصل إلى نحو 11 شهراً كما حصل مع الرئيس السابق تمام سلام، وأقلّه شهر كتشكيل حكومة نجيب ميقاتي الأولى عام 2005.
ولا شك أن الحريري يريد من القوى السياسية أن تمنحه فرصة تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن مع السماح له باختيار وزرائها من أصحاب الاختصاص والخبرة والكفاءة، وأن تكون مهمتها إنقاذية من الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة، عبر إطلاق ورشة إصلاح تلبي متطلبات المجتمع الدولي الذي اشترط الإصلاح مقابل الحصول على المساعدات المالية والقروض الاستثمارية الموعودة.
ومهمة الحريري، مازالت في بداياتها، بعد أن بدأت ترتفع مطالب القوى السياسية، لاسيما من «التيار الوطني الحر»، الذي أكد أنه لن يقبل بتغييبه عن السلطة وهو أكبر تيار مسيحي في البلاد، خاصة وأن قوى سياسية أخرى ستكون ممثلة في الحكومة العتيدة، غير آبه بتحميله مسؤولية الانهيار الوشيك.
متى تُبصر الحكومة النور؟
أمام تعثّر المفاوضات، وظهور الشروط والشروط المضادة، لا يبدو أن حكومة الحريري ستبصر النور في وقت قريب، على عكس ما توقّع الرئيس برّي سابقاً.
فعملية الولادة مازالت في بدايتها وضمن المهلة الطبيعية، لكن ظروف البلاد نفسها ليست طبيعية في ظل تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية وارتفاع نسبة الجوع والفقر والبطالة، مما يستوجب عدم إضاعة الوقت والترفع عن عقلية المحاصصة السائدة بذريعة حقوق الطوائف، فقد أثبتت هذه الممارسة فشلها عبر دفع لبنان إلى شفير الانهيار الذي لا يمكن تفاديه دون تشكيل حكومة إنقاذ تنحصر مهمتها بمنع الانهيار الشامل. إلا أن مجريات أرض الواقع، لا تشير إلى أن الحكومة ستولد على أسس جديدة، أو ستولد أصلاً، وهو ما يزيد الوضع تعقيداً على كل المستويات، لاسيما مع تراجع المبادرة الفرنسية التي لم تُجمّد، لكنها لم تكن بالحماس نفسه الذي كان بعد انفجار مرفأ بيروت والتعاطف الدولي مع لبنان الذي فشل سياسيوه بالتقاط اللحظة الدولية لانتشال البلاد من أزمتها المالية والاقتصادية المستمرة منذ اندلاع «الحراك الشعبي» قبل عام تقريباً (17 تشرين الأول 2019).
لا يخفى على اللبنانيين أن السلطة الحاكمة التي ترنحت ولم تسقط، لا تنظر إلا إلى مصالحها الفئوية، وهذا ما قاله الرئيس الفرنسي بنفسه، موبخاً السياسيين الذين اجتمع بهم واتّهمهم بالتسبب بما حلّ بالشعب اللبناني.
لكن كلام ماكرون ذهب أدراج الرياح مع انشغال الرئيس الفرنسي بالأوضاع الداخلية في بلاده عقب التوترات الدينية التي تسببت بها رسومات مسيئة للنبي محمد، فتراجع زخم المبادرة الفرنسية على الساحة اللبنانية، وهو ما رأته القوى السياسية فرصة لالتقاط الأنفاس، بالتزامن مع «الحجر» على الحراك الشعبي، فعادت إلى ممارسة عقلية التحاصص وكأن شيئاً لم يكن.
Leave a Reply