مريم شهاب
تعتبر رواية «آنّا كارنينا» التي كتبها الروسي ليو تولستوي في القرن التاسع عشر، من أهم الروايات الرومانسية في تاريخ الأدب العالمي كله، إذا لم تكن أهمها على الإطلاق. والسبب هو تأكيد الرؤية العميقة عن أهم صراع في حياة الإنسان، صراع العاطفة والعقل، أو الرغبة والحكمة.
ومن منَّا لم يمزّقه صراع من هذا النوع؟ وكما تسقط المجتمعات من داخلها، يُهزم الإنسان من داخله ويتمزق وقد يموت، خصوصاً إذا واجهه في مرحلة عمرية متقدّمة.
فالصراع الذي مرَّت به «آنّا كارينا» كان سادياً لأنه انتهى بانتحارها تحت عجلات القطار بعد صراع مرير بين عقلها وعاطفتها. فهي زوجة كونت روسي وأم لابنٍ وابنة، وقعت في حب ضابط شاب، أحبها رغم أنه مرتبط بفتاة أخرى يحبها.
هذا الضابط يدخل في صراع مع نفسه، وفي لحظة الاختيار يرجع الضابط الشاب إلى حبيبته، فتدخل «آنّأ» في صراع داخلي عميق بين عقلها وعاطفتها، وبين واجبها وحبها، فتختار مصيرها وتلقي بنفسها تحت عجلات القطار.
بعيداً عن الأدب والروايات، فإن الواقع المجنون الذي نعيشه هذه الأيام يزخر بقصص كثيرة حول هذا الصراع الداخلي المخيف.
أعرف رجلاً ناجحاً كانت أيامه تعج بالمواعيد والعلاقات، قبل أن تعصف به جائحة كورونا ففقد عمله بعد أن كان نجماً لامعاً في مهنته وفي علاقاته الاجتماعية، حتى وجد نفسه وحيداً في بيته وقد انفضَّ عنه الأصدقاء والمعارف. لم يعد أحد يسأل عنه أو يهتم لأمره، سوى موظفة كانت تعمل بمكتبه. راحت تواسيه وتطلب منه أن يتماسك وأن أزمة كورونا أضرَّت بالكثيرين وليس به فقط، وأن الأيام ستحمل له نجاحات أكبر.
كان الرجل المتزوج، الذي له ابن وابنة، في حاجةٍ شديدة إلى المواساة. فتواصلت الأحاديث بينه وبين الموظفة وتعمّقت، حتى وجد نفسه فجأة أسيراً لحبٍّ لم يعرفه قط، رغم تجاربه الكثيرة مع الجنس اللطيف.
لم تفقد زوجة ذلك الرجل وظيفتها الحكوميّة خلال الوباء الملعون، فتولت الإنفاق على البيت والقيام بواجبها نحو زوجها والأولاد.
لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى بدأ الصراع القاسي في أعماق الزوج بين إخلاصه لزوجته المخلصة التي تحملت أعباء الأسرة، وبين حبه لتلك الموظفة التي واسته وشجعته فغرست حبَّها في قلبه.
في الشهرين الأخيرين، بدأ عمل الرجل بالانتعاش قليلاً، وكان عليه أن يصل إلى قرار حاسم بشأن علاقته الغرامية، فراح يطلب النصيحة من بعض المقربين جدّاً، وبلا فضائح، بالرغم من أنه في عمرٍ يعتبره البعض قد تجاوز مرحلة النصح.
وكما يقول أحد الحكماء: الأذكياء لا يحتاجون إلى نصيحة والأغبياء قلما يعملون بها.
ولكن نصيحتي لهذا الرجل هي أن يغلّب العقل على العاطفة وأن يتحلى بالحكمة، لأنه مع مرور الأيام وبعد انتهاء أزمة كورونا، سوف لن يبقى من قصة الحب الكبير إلّا الذكريات، لأن العقل نظام، والعاطفة فوضى، ولا بد للفوضى أن تنتهي إلى نظام، تماماً مثل الثورات.
فالثورة عاطفة ومهما طالت سوف تنتهي إلى نظام. والحب متعته في الفوضى، لكن لا الفوضى تدوم ولا المتعة تدوم.
أما عالمنا الذي تسوده الفوضى هذه الأيام، فهو لن يبقى كذلك، وسوف تغلب الحكمة ويعود النظام. ونحن الآن بانتظار نتائج الانتخابات الأميركية، علّه ينتهي هذا الجنون السياسي ونعود للهدوء والتعقل، فالإنسان في أي مكان هو كائن يسير على ساقين، إحداهما العقل، والأخرى العاطفة، وإذا لم يتم التوفيق والتناغم بينهما، سيستمر الخلل في مسيرة الحياة.
Leave a Reply