واشنطن – دخلت الولايات المتحدة الأسبوع الثالث بعد انتخابات الرئاسة، وسط انقسام حاد في المشهد العام.
فمن جهة، يواصل الرئيس الديمقراطي المنتخب، جو بايدن، مهمة تشكيل إدارته المقبلة في غمرة التهاني المحلية والدولية على فوزه العريض، بينما من جهة أخرى، يصر الرئيس دونالد ترامب، مدعوماً بالحزب الجمهوري، على رفض نتائج الانتخابات «المزورة»، بحسب رأيه، مستطلعاً كل السبل القانونية والدستورية المتاحة لإغلاق طريق بايدن إلى البيت الأبيض.
ويزعم فريق المحامين عن ترامب، بقيادة رئيس بلدية نيويورك الأسبق رودي جولياني، أن لديهم ما يكفي من الأدلة لقلب نتيجة السباق رأساً على عقب، من خلال «إلغاء الأصوات غير القانونية» التي رجحت كفة بايدن في عدة ولايات متأرجحة.
ويسعى فريق ترامب القانوني إلى إخضاع نتائج التصويت للتدقيق في عدة ولايات بينها ميشيغن وبنسلفانيا وجورجيا وأريزونا وويسكونسن ونيفادا.
واعتبر المحامي الشخصي للرئيس، رودي جولياني، في مؤتمر صحافي الخميس الماضي، أن المدن الكبرى التي يسيطر عليها الديمقراطيون شهدت عمليات تزوير واسعة للتأثير على نتائج الانتخابات في الولايات المتأرجحة.
وأضاف «كان من المستحيل أن يخسر ترامب بنسلفانيا لولا التزوير في فيلادلفيا.. هامش الفوز لبايدن في بنسلفانيا لا يعد نصراً إنما تزويراً».
وقال جولياني إنه تم منع المراقبين الجمهوريين من دخول مراكز الفرز في ديترويت وفيلادلفيا وميلواكي وأتلانتا وغيرها من المدن التي يسيطر عليها الديمقراطيون، والتي شهدت فجر اليوم التالي للانتخابات وصول عدد هائل من الأصوات الغيابية مجهولة المصدر والتي صبت بشكل شبه كامل لصالح بايدن
وأضاف أن عملية التلاعب بالانتخابات في تلك المدن تمت وفق نمط موحد، ما يوحي بوجود خطة أوسع لذلك، لافتاً إلى أن تلك المدن «معروفة بتاريخ طويل من الفساد»، على حد قوله.
وبحسب القانون الأميركي، فإنه يجب أن يسمح للمراقبين من الحزبين بمعاينة بطاقات الاقتراع لضمان قانونيتها، وهو ما لم تتم مراعاته، بحسب جولياني الذي قال إنه تم احتساب نحو 682 ألف بطاقة اقتراع في بنسلفانيا دون التحقق من مصدرها والتواقيع التي عليها.
كذلك قالت المحامية عن حملة ترامب، سيدني باول، إن الفريق القانوني لديه أدلة تؤكد أن نظام الانتخاب «دومينيون» لعب دوراً في تغيير الأرقام لصالح بايدن في عدد من الولايات التي استخدم فيها (28 ولاية)، مشيرة إلى أن الشركة الكندية كانت ترسل نتائج الانتخابات إلى خوادم مركزية في ألمانيا قبل إعادة إرسالها إلى الولايات المتحدة للإعلان عن النتائج. وقد أكدت أن لديها شهوداً من داخل الشركة أكدوا إمكانية تغيير النتائج عبر برنامج لشركة «سمارتماتيك» تم استخدامه لأول مرة في انتخابات فنزويلا عام 2004.
وإلى جانب المسار القضائي يعمل ترامب –الغائب عن الأنظار– مع السياسيين الجمهوريين على استكشاف سبل إجبار المسؤوليين الديمقراطيين على إجراء عملية تدقيق شاملة للأصوات في بعض الولايات، وذلك عبر التلويح من خلال مجالسها التشريعية المحلية بعدم المصادقة على النتائج في حال عدم التأكد من قانونيتها.
ويسيطر الجمهوريون على معظم المجالس التشريعية في الولايات المتنازع عليها، مثل بنسلفانيا وميشيغن وويسكونسن، حيث قررت حملة ترامب دفع ثلاثة ملايين دولار لإعادة فرز الأصوات في اثنين من كبرى مقاطعات الولاية المحاذية لشمال ميشيغن، وهما المقاطعتان اللتان تضمان مدينتي ميلواكي وماديسون، اللتين تعتبران أبرز معاقل الديمقراطيين في ويسكونسن.
وسيتم إعادة فرز الأصوات في مقاطعتي ميلواكي ودين، اللتين كانت النتيجة فيهما 577 ألف صوت لصالح بايدن، مقابل 213 ألف صوت لترامب، حسب «أسوشتيد برس»، ومن شأن تقليص هامش الخسارة في هاتين المقاطعتين، أن يسمح لحملة ترامب بإعادة فرز بقية المقاطعات دون تكبد تكاليف إضافية، علماً بأن الفارق بينه وبين بايدن في ويسكونسن يبلغ نحو 20 ألف صوت فقط.
أما في جورجيا حيث كان سكرتير الولاية قد أعلن عن إعادة فرز الأصوات يدوياً، فلم يحدث تغيير جذري في النتيجة، رغم تمكن ترامب من تقليص الفارق مع بايدن بعد العثور على آلاف الأصوات غير المحتسبة في عدد من مقاطعات الولاية.
وتقلص الفارق بين ترامب وبايدن من نحو 14 ألف صوت إلى نحو 12,800 صوت لصالح المرشح الديمقراطي.
وأثار ظهور أصوات جديدة حفيظة الجمهوريين الذين انتقدوا سكريتاريا الولاية وطالبوا بإجراء تدقيق فعلي بالأصوات. وشهدت مدينة أتلانتا عاصمة الولاية تظاهرات يومية بالتزامن مع إعادة الفرز، كما سيتم تنظيم تظاهرة كبيرة في المدينة يوم السبت المقبل رفضاً لـ«سرقة الانتخابات».
وشهد يوم السبت الماضي تظاهرات عديدة لأنصار ترامب في أنحاء متفرقة من البلاد، كانت أكبرها في العاصمة واشنطن.
وجدد ترامب تأكيده أنه الفائز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي وصفها بأنها الأكثر تزويراً في التاريخ، وقال إنه لن يسمح للديمقراطيين واليساريين الراديكاليين بسرقة الانتخابات.
ولجأ ترامب إلى إقالة مدير وكالة الأمن السيبراني والبنية التحتية، كريس كريبس، مشيراً إلى أنه أجرى تقييماً «غير دقيق للغاية» بشأن سلامة وأمن العملية الانتخابية. وقال الرئيس الأميركي، في سلسلة تغريدات، إن بيان، كريبس، بشأن سلامة وأمن الانتخابات لم يتطرق إلى «مخالفات وتزوير واسع النطاق، بما في ذلك تصويت أشخاص متوفين، وعدم السماح لمراقبي الانتخابات بالدخول إلى مواقع الاقتراع، والخلل في آلات التصويت، ما أدى إلى تغيير الأصوات من ترامب إلى بايدن فضلاً عن التصويت المتأخر وغير ذلك».
ونقل ترامب، من قبل، معلومات تتحدث عن أن نظام التصويت «دومينيون» قام بـ«محو» 2.7 مليون صوت لصالحه في أنحاء البلاد، وأن النظام الذي تسيطر عليه جهات أجنبية أعاد تحويل مئات آلاف الأصوات إلى منافسه الديمقراطي في بنسلفانيا وولايات أخرى.
إدارة بايدن
في الجهة الأخرى، واصل بايدن، الأسبوع الماضي، تشكيل إدارته المقبلة باختيار تسعة من كبار مسؤولي حملته الانتخابية لتولي مناصب رفيعة في البيت الأبيض، وذلك بعد أسبوع من اختياره كبير موظفي المقر الرئاسي.
ويعمل بايدن على وضع أسس إدارته رغم قرار الرئيس ترامب بقطع التمويل عنه بانتظار البت بنتائج الانتخابات. كما تمتنع إدارة ترامب عن التعاون رسمياً مع فريق بايدن المكلّف بتنظيم عملية انتقال السلطة.
وقال الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب إنه لم يُسمح له بالعمل مع فريق الإدارة الحالية بشأن جهود مكافحة جائحة فيروس كورونا.
وحثّ رون كلين كبير موظفي البيت الأبيض المعين في إدارة بايدن الجديدة، إدارة الخدمات العامة على الإسراع في التصديق على نتائج الانتخابات، وقال إن من المهم أن يبدأ فريق بايدن لقاءاته مع المسؤولين في وزارة الصحة لبحث ما وصفها بالمرحلة الأصعب، والمتمثلة في كيفية توزيع لقاح كورونا على الشعب الأميركي.
وبحسب وسائل الإعلام الأميركية، فاز بايدن بـ306 أصوات من المجمع الانتخابي، مقابل 232 لترامب. ويحتاج المرشح الرئاسي للفوز بـ270 صوتاً على الأقل ليصبح رئيساً.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نائبته كامالا هاريس في مدينة ويلمنغتون بولاية ديلاوير، قال بايدن إنه يريد إعادة الاقتصاد الأميركي إلى سكته وإعادة فتحه بشكل آمن ومسؤول، مشيراً إلى أن هناك وظائف يتهددها التلاشي لذلك لابد من توفير حزمة مساعدات للمساهمة في تعافي قطاعات عدة.
وأضاف بأنه «علينا توفير التمويل الضروري للإبقاء على الأبطال الذين يعملون في الخطوط الأمامية»، مشدداً على أهمية ا«جتماع الديمقراطيين والجمهوريين تحت سقف واحد لنبدأ العمل معاً ونُسهم في تعافي الاقتصاد».
من جهتها، قالت هاريس إنها شهدت خلال الأشهر الماضية مع الرئيس المنتخب آثار أزمة كورونا على القطاع الاقتصادي، وأضافت «عندما نقول إننا فزنا بالانتخابات فهذا يعني أن العمل الحقيقي من أجل هزيمة كورونا يبدأ الآن».
وبشأن الرسالة التي يوجهها للجمهوريين المترددين، قال بايدن «رسالتي لهم هي أنني سأعمل معكم، أدرك أن الكثير من تحملكم وترددكم مرتبط بالرئيس ترامب، وأنا على تواصل بالعديد منهم».
Leave a Reply