وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
ربما تكون «خطة نهاية الخدمة» هي تلك التي كان ينوي الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذها قبل مغادرته البيت الأبيض، حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، التي أوردت أن الرئيس الجمهوري بحث خلال اجتماعات مكثفة مع نائبه بنس ووزير خارجيته مايك بومبيو، ومسؤولين كبار في البنتاغون، احتمال ضرب منشآت نووية في إيران، لكن سرعان ما انقلبت الصورة مع إعلان وزير الدفاع الأميركي الجديد عن البدء بسحب القوات من العراق وأفغانستان أو على الأقل تخفيضها، وهو ما قرأه البعض على أن محاولة عبثية من الإدارة الحالية لتسجيل إنجازات وهمية قد تفيد ترامب في معركته الداخلية بالولايات المتحدة.
أي نوع من القرارات هو ذاك الذي يمكن أن يتخذه الرجل الذي لم يستفق من هزيمته الانتخابية بعد، ويرفض الإقرار بها، وهل ثمة من يقدر على فرملة جموحه الانتقامي في ربع الساعة الأخير؟
فرغبة الانتقام من إيران قبل الرحيل، بحسب «نيويورك تايمز»، دفعت ترامب إلى التفكير باستهداف منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم بعد أن أصبح مخزون طهران 12 ضعفاً من المستوى المسموح لها بحسب الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي.
وبحسب الصحيفة، كانت لدى ترامب نية بتوجيه ضربة عسكرية تقليدية أو إلكترونية أو باستخدام الخيارين في الوقت نفسه مع عدم إغفال إمكانية الاستعانة بإسرائيل وفقاً لمخططات سابقة في أدراج البنتاغون لضرب منشآت بينها نطنز.
لكن السؤال الأهم هنا هو هل اقتنع ترامب بنصيحة مساعديه بعدم الإقدام على خطوة متهورة من هذا النوع؟
على الأقل، في الاجتماع الأول، لم يقتنع ترامب بما يكفي للتخلي عن رغبته، فآثر عقد اجتماع آخر، ولكن هذه المرة على نطاق ضيق، فاجتمع بعدد محدود من مستشاري الأمن القومي بهدف البحث في الطريقة المثلى لضرب إيران وحلفائها قبل حلول موعد رحيله المفترض في كانون الثاني (يناير) المقبل.
وكان مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترامب، هربرت ريموند ماكماستر، قد ذكر في تصريحات لـ«فوكس نيوز» أن مخاوف إسرائيل من سياسات الرئيس المنتخب جو بايدن قد تدفع ترامب إلى اتخاذ خطوات استباقية مثل شن هجوم على إيران في نهاية ولايته.
ودعا ماكماستر، الرئيس المنتخب جو بايدن، إلى الامتناع عن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، مؤكداً أن الاتفاق «كان كارثة سياسية صُوّرت على أنها انتصار دبلوماسي».
صحيفة «جيروزالم بوست» بدورها شددت على أهمية بقاء احتمال شن الضربة في الأذهان، في ظل توقعات مماثلة في الفترة الأخيرة بأن ترامب سيصدر أوامر للجيش الأميركي بتنفيذ عمل ضد إيران، أو أنه على الأقل سيعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لتفعل ذلك بنفسها، مع تقديم بعض المساعدة لها إذا لزم الأمر.
وكان ترامب قد أقال وزير الدفاع مارك أسبر، مباشرة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، مثيراً موجة تساؤلات حول السبب من وراء هذه الخطوة، وتبعاتها سواء الخارجية أو الداخلية.
وزادت قراءة المشهد تعقيداً عقب أول تصريح لكريستوفر ميلر، وزير الدفاع المؤقت الذي عينه ترامب بديلاً لأسبر، بقوله عن القوات الأميركية المنتشرة في أفغانستان والشرق الأوسط بأنه «حان وقت عودتها إلى الوطن».
لكن هذا التطور اللافت، لا يلغي –بحسب المراقبين– عزم ترامب على توجيه ضربة لإيران.
وبحسب هؤلاء، جاء طرح الرئيس الأميركي لخيار ضرب إيران كرد فعل لم يكن مخططاً له، بعدما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها حول نتائج تفتيش خبرائها لمفاعل نطنز، حيث وجدوا أن كمية اليورانيوم المخصب تخصيباً بطيئاً قد زادت 12 ضعفاً عمّا كانت عليه يوم تولّي ترامب السلطة، وهو ما كان قد توقّعه كل من أوباما وبايدن سابقاً، حيث أكدا أنه ليس لمصلحة واشنطن ترك الاتفاق، لأن ذلك سيدفع إيران إلى مضاعفة حجم ما تمتلكه من اليورانيوم. فطهران وبموجب الاتفاق النووي كانت قد تخلّت عن 97 بالمئة مما كان لديها من اليورانيوم وأرسلت 45 رطلاً إلى روسيا، فيما هي لديها اليوم وفقاً لمفتشي الوكالة في مفاعل واحد نحو 2,440 كيلوغرام من اليورانيوم، وهو ما ينسف الهدف الأساسي الذي تمحورت حوله كل المحادثات التي أُجريت مع إيران، وهو عدم امتلاكها ما يخوّلها صنع قنبلة نووية.
وإذا كان هذ الأمر محرجاً لترامب وسياسته تجاه طهران لدرجة تستدعيه إلى ضربها عسكرياً، لفتت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن أية ضربة لإيران ستدخل واشنطن وحلفاءها في صراع ممتد الأطراف في المنطقة، فيما كان أهم ما تباهت به إدارة ترامب هو إيقاف النزف العسكري وإعادة كل القوات الأميركية.
وبالعودة إلى تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تبين أن كمية اليورانيوم التي تمتلكها إيران حالياً كافية لإنتاج قنبلتين نوويتين، وهي ستكون قادرة على إنتاج أول قنبلة نووية لها قبل نهاية الربيع المقبل، ما يعني تبدد كل الجهود التي بذلها المجتمع الدولي وإيران وطهران نفسها لعدم بلوغ هذه اللحظة، علماً بأن طهران تنفي اعتزامها تصنيع قنابل نووية!
فهل يشن ترامب حرباً خارجية لصرفها داخلياً؟
قراءة خاطئة! فلعل أكثر ما جذب المؤيدين لترامب ودفعهم للتصويت له هو إصراره على إنهاء الحروب وإعادة كل الجنود الأميركيين وتجنيبهم أي أذى قد يلحق بهم من أجل الدفاع عن مصالح الغير، ولذلك فإن أية زيادة في التوترات القائمة في مناطق النزاع ستنعكس بالضرورة على إتمام الانسحاب منها، ولذلك يحرص ترامب على مفاوضات السلام مع طالبان لسحب القوات الأميركية من أفغانستان، على سبيل المثال.
نصيحة مستشاري ترامب
إيران ليست أفغانستان وليست العراق أو الصومال! فقبل أن تضرب الخصم عليك أن تدرس قدراته واحتماليات الرد. وهذه نقطة مفصلية في الصراع الأميركي الإيراني تستدعي الحذر الشديد في مقاربة أية خطوة قد تخل بالتوازن القائم. فطهران تمتلك هامش مناورة واسعاً يمكّنها من تبادل اللكمات الدامية مع واشنطن، مثل استهداف القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة والتي تقع في مرمى الصواريخ الإيرانية البالستية الطويلة المدى والفعالة، والتي تتدرج مدياتها من 50 كلم إلى 3000 كلم، بغض النظر عن دقتها وفاعليتها، وهو ما يعني أيضاً أن إسرائيل هي وبسهولة ضمن مدى تلك الصواريخ، فضلاً عن القدرة على إغلاق مضيق هرمز، ما سيولّد بطبيعة الحال أزمة نفطية عالمية.
أذرع إيران في المنطقة لها دور أساسي أيضاً في الحسابات لا يقل شأناً عما سبق، ولا سيما «حزب الله» اللبناني مع امتلاكه أكثر من 150 ألف صاروخ تصل إلى النقب، أما في جنوبي دولة الاحتلال فهناك فصائل المقاومة الفلسطينية، المزودة بكل ما يلزم من مقومات الحرب للمواجهة مع إسرائيل.
إذن، فإن قدرات إيران وأوراق الضغط التي تمتلكها تتنوع بين داخلية وخارجية، ما قد يدفع الى انزلاق الصراع نحو أمور غير محسوبة وقد تخرجه عن السيطرة، لهذا لجأ المستشارون إلى إقناع ترامب بعدم جدوى الضربة وارتكاب أية مخاطرة غير محسوبة، وفق «نيويورك تايمز».
موقف طهران
المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي حذّر من أن أي تحرك أميركي سيقابَل برد ساحق، فيما شدد علي رضا مير يوسفي المتحدث باسم البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في نيويورك على أن برنامج إيران النووي مخصص فقط للأغراض السلمية والاستخدامات المدنية وأن سياسات ترامب لم تغير ذلك، لكنه لفت إلى أن إيران أثبتت قدرتها على استخدام قوتها العسكرية المشروعة «لمنع أية مغامرة سوداء من أي معتدٍ».
طهران ترى في ترامب رجلاً مزاجياً إلى أبعد الحدود يمكن أن يقدم على فعل أي شيء، وما ذُكر عن احتمال الاستهداف ليس جديداً بالنسبة إليها، وهي منذ نحو عام لم تصدّر أي كمية من اليورانيوم المخصب، فيما كانت قد أعلنت بكل وضوح أنها لن تلتزم بالاتفاق النووي ما لم يلتزم به الآخرون، وأبلغت وكالة الطاقة الدولية رسمياً بذلك، وبالتالي فإن إدارة ترامب كانت على علم بذلك، وهي التي عاقبت الشركات التي كانت تشتري ذلك اليورانيوم من إيران وتنقله إلى خارجها، ما يعني أن واشنطن نفسها قد أسهمت في مضاعفة كمية اليورانيوم المخصب داخل ايران.
من شأن أية ضربة لأي موقع إيراني أن تتحول إلى صراع إقليمي، وأن تشكل تحدياً خطيراً في السياسة الخارجية لإدارة جو بايدن، الذي لا يبدو أنه سينال اعتراف ترامب بسهولة.
ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة والشرق الأوسط والعالم عموماً لن يتنفس الصعداء طالما أن ترامب قابع في البيت الأبيض.
Leave a Reply