بريانا غازورسكي – «صدى الوطن»
مع الارتفاع الصاروخي لعدد الإصابات بفيروس «كوفيد–19» في منطقة ديترويت، حذّر أطباء عرب أميركيون من خطورة الوباء الذي حصد أرواح عشرات الآلاف في الولايات المتحدة، داعين إلى توخي الحيطة والحذر، وعدم الاستهانة بالتدابير الوقائية التي توصي بها المؤسسات الطبية والحكومية، مثل ارتداء الأقنعة والحفاظ على التباعد الاجتماعي.
وحتى يوم الخميس 26 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري بلغ عدد الإصابات بالفيروس المستجد في ولاية ميشيغن 352,290 إصابة، فيما وصل عدد الوفيات 9,169 شخصاً.
الدكتور ظافر شمعون، رئيس قسم الطوارئ في «مستشفى بومانت» بمدينة ديربورن، أكد عبر «صدى الوطن» على أهمية تقيّد العرب الأميركيين في مقاطعة وين بارتداء الكمامات وتفادي التجمعات الكبيرة، محذراً من الأقاويل التي يتم تداولها بأن «كوفيد–19» هو «مجرد إنفلونزا».
وقال شمعون: «هنالك أناس يعانون، وآخرون يموتون.. الأشخاص الذين يعانون حقاً هم عادة، أولئك المصابون بأمراض أخرى، وكما هو الحال مع أي مرض، يبدو أن الأشخاص الأصحاء يتعافون بشكل أفضل وأسرع من الآخرين».
ودعا شمعون الناس إلى الاعتناء بأنفسهم، ومراقبة أعراضهم الصحية، وكذلك التوقف عن التدخين، وممارسة الرياضة، وتناول الأطعمة الصحية. وقال: «بغض النظر عن كل شيء، عليكم العناية بأنفسكم وحماية عائلاتكم.. أدرك بأن الجميع يريدون تجاهل محنة كورونا والقفز فوقها، ولكن هذا ليس هو الطريق السليم للمضي قدماً».
ومع اقتراب المستشفيات من بلوغ طاقتها الاستيعابية القصوى في مقاطعة وين، أكد شمعون بأنه من المهم أن يسعى الناس للحصول على الرعاية الطبية كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
وأشار إلى أن الكثير من المراجعين ينتظرون أوقاتاً أطول حتى يتم فحصهم ومعالجتهم في المستشفيات، وأن البعض منهم يفارقون الحياة. وقال: «إننا نجري الكثير من الفحوصات، ونعزل المصابين بكورونا عن باقي المرضى، كما أن جميع الطواقم الطبية تلتزم بارتداء الملابس الواقية»، منوهاً بأن المشافي تستقبل –أيضاً– العديد من المراجعين الذين يسعون للعلاج من الأعراض الحرجة للنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
من جانبه، حذر طبيب الطوارئ في «مستشفى بومانت» بمدينة ديربورن، الدكتور علي دباجة، من التساهل مع خطورة وباء كورونا، وقال: «لم أرَ شيئاً كهذا في حياتي»، مضيفاً: «أمارس مهنة الطب منذ عشر سنوات، وعملت خلال أوبئة كثيرة، مثل فيروس «أتش 1 أن 1»، ولكنني لم أر شيئاً كوباء كورونا على الإطلاق».
وأكد بأن الإصابة بالفيروس المستجد لا تشبه الإصابة بالإنفلونزا في أي حال من الأحوال، وقال: «نحن نتعامل مع أية نزلة برد كما لو أنها «كوفيد–19» لأن هذا الأمر جديد علينا، وحتى يتوفر لدينا لقاح أو علاج، علينا أن نتوخى أقصى درجات الحذر».
ومع ارتفاع معدل الوفيات بالفيروس المستجد، لفت دباجة إلى ضرورة أن يراقب الناس أعراضهم الصحية وأن يحرصوا على العناية بأنفسهم. وقال: «نعم.. ستتعافى الغالبية العظمى من المصابين، وهذا شيء عظيم، ولكن مازال هنالك عدد كبير من الناس يموتون بسبب هذا الفيروس».
وأشار دباجة إلى أنه لا توجد حتى الآن دراسات تثبت فعالية الفيتامينات أو الأدوية الأخرى لمكافحة هذا الفيروس، لافتاً إلى أن الوقاية هي الاستراتيجية الأولى لتفادي مخاطر هذا الوباء.
وعزا دباجة تساهل الكثير من الأفراد مع مخاطر الوباء، إلى تباطؤ انتشار الفيروس خلال فصل الصيف، وقال: «بسبب بطء وتيرة الانتشار في الصيف الماضي، ظنّ الكثيرون أن كورونا ليس خطيراً إلى هذا الحد، حتى أن بعض المهنيين الطبيين قللوا من خطورته». واستدرك قائلاً: «لكن، ما نزال نشهد أوضاعاً سيئة تحدث ونحن قلقون للغاية.. يشعر الناس بالإرهاق من ارتداء الأقنعة، لكن يجب تعزيز مثل هذه الممارسات».
ومع اقتراب موسم الأعياد، حث دباجة أبناء الجالية على إعادة النظر في المشاركة بالاحتفالات ضمن تجمعات كبيرة، وقال: «لدينا في المجتمع العربي الأميركي مناسبات اجتماعية كبيرة، لكن هذا خاطئ، وعلينا أن نتجنب هذه التجمعات، لكي لا نعرض حياة الآخرين للخطر».
ودعا دباجة العرب الأميركيين إلى التوقف عن إقامة التجمعات، ورفض تسييس الوباء، وقال: «إذا استثنيت ما يقوله الديمقراطيون والجمهوريون حول هذا الفيروس، وعزلته عن موضوع الانتخابات، سوف تدرك أنه خطير حقاً وأنه يزهق أرواح الكثيرين».
الممرضة في «مستشفى بومانت» بمدينة ديربورن، ناهد فرج، وصفت معاناتها اليومية مع مرضى «كوفيد –19» بالمعركة النفسية. وقالت: «إنها لتجربة مرهقة حقاً أن ترى الناس يموتون في كل وردية تعمل فيها.. أنا قلقة بشأن إحضار أي شيء إلى عائلتي، يومياً.. وبمجرد وصولي إلى البيت أرمي بثيابي في الغسالة، وأذهب مباشرة إلى الحمام».
وأكدت فرج بأنها لا تتسامح مع الذين يحجمون عن ارتداء الأقنعة، منوهة بأن الأمر «ليس مزحة». وقالت: «من الأنانية أن تكون مهملاً إلى هذه الدرجة، للأسف البعض لا يأخذون الأمر على محمل الجد». وأضافت: «العرب الأميركيون مولعون بالتجمعات الكبيرة، ونحن ننظر إلى الأسرة على أنها الرقم واحد في حياتنا، ولكن علينا توخي الحذر، لكي لا نسمح لهذه الأرقام بالخروج عن السيطرة».
وأوضحت فرج بأنها لم تستجب منذ آذار (مارس) الماضي لكثير من الدعوات الاجتماعية واللقاءات العائلية. وقالت: «علينا الاعتناء بأنفسنا وبعائلاتنا، من الصعب تفادي رؤيتهم والاجتماع بهم، ولكن علينا القيام بدورنا، للبقاء آمنين».
ومع فرض قيود متزايدة على الزائرين في معظم المستشفيات، لفتت فرج إلى أن القيود المستجدة تعتبر من أصعب الأمور على المرضى وعائلاتهم. وقالت: «في النهاية، نحن لسنا عائلات المرضى الذين ليس باستطاعتهم رؤية أقاربهم، والذين لا يعرفون إن كانوا سيلتقون بعائلاتهم أم لا»، في إشارة إلى مصيرهم الغامض نتيجة إصابتهم بفيروس كورونا.
وأشارت فرج إلى أنها ساعدت الكثير من نزلاء المستشفى الذي تعمل فيه على إجراء مكالمات مصورة مع أسرهم، وأنها أحياناً كانت تتولى الاتصالات بنفسها نيابة عن الأشخاص الموضوعين على أجهزة التنفس الصناعي. وقالت: «أعود إلى المنزل وأبكي يومياً، الأمر مرهق ومحزن، من الصعب رؤية حدوث ذلك، كثير من الممرضات الجديدات شعرن بالإرهاق فاستقلن من الوظيفة، وكذلك ترك بعض الطلاب برامجهم، إذ لم يكن باستطاعتهم تحمل ما يجري».
من جانبه، أوضح الدكتور محمد موسى أن تجربته الطبية في التعامل مع الإصابات بفيروس «إيبولا» تختلف تماماً مع المصابين بفيروس كورونا. وقال: «نعم، لقد رأينا الأوبئة من قبل، لكنني لم أختبر شيئاً كهذا من قبل، لم أر مرضاً معدياً كهذا المرض قط».
ومع الإحباط المتزايد من فرض ارتداء الأقنعة، وميل الكثيرين إلى الاعتقاد بأنها لا تنفع في الوقاية من الفيروس، أكد موسى بأن تلك المعلومات «خاطئة تماماً»، وقال: «يبدو أن هذا الاعتقاد وراءه دوافع سياسية، ولكن ارتداء الأقنعة فعال ونافع، ويجب أن نرتديها طوال اليوم، حتى لو سببت الإحباط لنا».
وبعد أن تعافى من الإصابة بفيروس كورونا، تأكد موسى بأن «الأقنعة تنقذ الأرواح». وقال: «نحن لا نعرف ما يكفي عن هذا المرض، ولكن الأمر لا يتعلق بنا فقط، وإنما يتعلق بالآخرين، وعلينا أن نقوم بدورنا لحمايتهم من الإصابة بهذا الفيروس». وأضاف: «إن أسوأ ما فيه، هو إصابتك دون أن تظهر عليك الأعراض»، في إشارة إلى إمكانية نقل العدوى إلى الآخرين.
وأوصى موسى بتفادي حضور التجمعات الكبيرة، والانعزال عن المناسبات الاجتماعية السعيدة، لافتاً إلى ضرورة العزل الصحي بعد حضور تلك التجمعات. وقال: «إذا أردت الذهاب، فاحرص على ارتداء الكمامة، والحفاظ على التباعد الاجتماعي، ثم اعزل نفسك في الحجر الصحي».
ووصف تجربته مع الفيروس المستجد بالتجربة المؤلمة، وقال: «لقد كان من الصعب علي تحمل هذه التجربة، لقد أصبت بالفيروس في نهاية نيسان (أبريل) الماضي، ولعدة شهور لم ألمس أو أعانق زوجتي وأطفالي».
وختم بالقول: «إنه لأمر صعب، ألا تدرك مدى خطورته وإزعاجه حتى تصاب به، لايزال هنالك الكثير مما نجهله عن هذا المرض، وفي الوقت الحالي علينا الحذر، وحماية أنفسنا والآخرين».
Leave a Reply