الكاظمي «يطمئن» قاآني بشأن جدية الانسحاب الأميركي من العراق
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
تعهد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، بأنه سيطلب من القوات الأميركية جدولة انسحابها من بلاده وطمأنه على أن واشنطن جادة في قرار الانسحاب، وسط تقارير إعلامية غير مؤكدة عن نية أميركية بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران قبل نهاية ولاية دونالد ترامب.
قاآني، الذي كان قد دعا القوى الرافضة للوجود الأميركي في العراق إلى الالتزام بالتهدئة، ولا سيما بعد العمليات التي نُفذت الشهر الماضي ضد القوات الأميركية في عدة مناطق، وكانت موضع نفي واستنكار مختلف القوى العراقية، عقد جملة من اللقاءات مع عدد من المسؤولين العراقيين وقادة الفصائل والأحزاب، التي كان بعضها قد أعلن انتهاء الهدنة من طرفه، بحسب ما جاء على لسان الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» الشيخ قيس الخزعلي الذي توجه إلى المطالبين بالالتزام بالهدنة بالقول: «لكم حساباتكم ولنا حساباتنا»، وهو ما قرأ فيه البعض توزيعاً للأدوار بين إيران وحلفائها على الساحة العراقية.
أستاذ العلاقات الدولية، البروفسور رودولف القارح، شكك في إمكانية التزام الكاظمي بتعهده، متوقفاً عند بيان لافت صدر عن وزارة الخارجية العراقية أدانت فيه ما سمّته «الاعتداء» على شركة «أرامكو» النفطية السعودية من قبل حركة «أنصار الله» اليمنية، وهو ما اعتبره القارح محاولة من حكومة بغداد للتقرب من الرياض، العدو اللدود لطهران، مما أثار استنكاراً واستهجاناً لدى الكثير من الأوساط العراقية، وهو ما يؤشر إلى ظهور ملامح انقسام سياسي بين أولئك الذين يسيرون في الركب الأميركي والآخرين الموالين لإيران.
قاآني وخلال وجوده في العراق طلب إلى الفصائل الموالية لطهران، بحسب ما تسرّب من معلومات، الالتزام بالهدنة القائمة مع القوات الأميركية وعدم خرقها، فهل يُقرأ هذا الطلب على أنه مبادرة حسن نية تجاه الإدارة الأميركية الجديدة، أم هو سحب لذرائع التوتر مع الإدارة الحالية كي لا تتهوّر وتقدم على استهداف طهران، ولا سيما مع ما ذُكر حول استقدام قاذفات B–52 إلى المنطقة، وفي ضوء ما سرّبته الصحافة الإسرائيلية عن تعليمات أُعطيت للجيش الإسرائيلي بالبقاء على جاهزية تامة بسبب الحديث عن احتمال توجيه ضربة أميركية لإيران؟
يجيب القارح عن هذا السؤال بأن كل ما يحدث في هذه الفترة وحتى انتهاء ولاية ترامب يصبّ في خانة سعي الأخير مع مجموعته المحيطة به إلى ترك أكبر قدر ممكن من الألغام في طريق بايدن وفريقه، بهدف تكبيل الإدارة المقبلة وإجبارها على التعامل مع ملفات المنطقة «بعُدّة عتيقة».
التعويل على إدارة بايدن
لكن اللافت، بحسب القارح، أن الطاقم الذي يقوم بتوليف تركيبته بايدن هو نفسه الذي اتخذ قرارات الحروب التي شُنّت على المنطقة خلال الخمسة عشر عاماً الماضية.
يتوقف أيضاً البروفسور القارح حول الفوضى العارمة التي تعمّ الولايات المتحدة على صعيد السياسة الداخلية، فيما يتفق الديمقراطيون والجمهوريون على التوجهات نفسها في السياسة الخارجية، التي استهدفت نشر الفوضى في منطقتنا.
يعتبر القارح أن الإيرانيين يحاولون اليوم تهدئة الوضع والتخفيف من حدة التوتر بهدف سحب الذريعة من يد ترامب، ولتمهيد الطريق أمام الفريق الجديد من أجل العودة إلى الاتفاق النووي.
فوفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز» المقربة من الديمقراطيين، ترامب كان يريد ضرب مفاعل «نطنز» لكن مستشاريه نصحوه بعدم الإقدام على هذه الخطوة نظراً لارتداداتها الخطيرة على الوضع الإقليمي، كما أن الروس والصينيين أوصلوا رسالة حادة من الإيرانيين مفادها أن أية خطوة من هذا القبيل سيكون الرد عليها «مدوّياً» ولا يمكن تصوره من قبل واشنطن، ما قد يفتح الساحة على صراع دولي واسع لا أحد يرغب بالدخول فيه.
في سياق آخر، يتحدث القارح عن عجز بايدن وفريقه عن فرملة ترامب لأنهما لا يملكان أي حق دستوري في منعه من الإقدام على أي خطوة متهوّرة قد يقوم بها في أيامه الأخيرة، رغم أنه –أي ترامب– يضرب بعرض الحائط كل ما يتعلق بالمؤسسات والقانون ويتصرف وفق أهوائه الشخصية، ومن يلجمه حالياً هم «العسكر» و«العسكر فقط»، وفقاً للقارح.
مصير العقوبات
يؤكد القارح أنه وبحسب ما يرشح من معلومات من دوائر البيت الأبيض الرسمية أن ثمة توجهاً أكيداً نحو العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ولكنه لا ينفي في الوقت عينه وجود ضغوط كبيرة يمارسها بنيامين نتنياهو واللوبي الإسرائيلي الداعم له في واشنطن، بهدف العودة إلى نغمة التفاوض على الصواريخ البالستية، وهو ما يرفضه الإيرانيون بنحو قطعي، ويؤكدون في رسائلهم المباشرة وغير المباشرة للأميركيين أن العودة إلى الاتفاق النووي يجب أن تكون كاملة من دون أي تعديل أو إضافات، بمعنى «إما أن تعودوا أو لا تعودوا».
يشير البروفسور القارح إلى أن الاتفاق النووي الذي أُبرم بين واشنطن وطهران أصبح بمنزلة المعاهدة الدولية، لأنه أُقرّ في مجلس الأمن، وبالتالي هو غير قابل للتجزئة، لافتاً إلى أن ايران رفعت سقف مطالبها إلى حد المطالبة بتعويضات من جراء ما لحق بها من أضرار سياسية واقتصادية نتيجة العقوبات الأميركية بعد الاتفاق، وذلك بهدف قطع الطريق على واشنطن لعدم التفكير في محاولة إدخال أي تعديل على الاتفاق النووي.
وفي السياق، يتوقع القارح تعديل العقوبات الأميركية على إيران، لا تخفيفها. فبالنسبة لقرار حظر بيع الأسلحة لإيران فسوف تنتهي مفاعيله خلال الأشهر المقبلة بطبيعة الحال، أما العقوبات الأخرى فهي أساساً كانت قد بدأت مع الديمقراطيين في عهد باراك أوباما ونائبه بايدن، وجرى «تشديدها» لتبلغ ذروتها مع وصول ترامب وانسحابه من الاتفاق النووي رسمياً، ما يعني استمرارها نسبياً، في انتظار بلوغ تسوية ما.
فبايدن لن يستطيع متابعة السير في سياسة الضغوط القصوى التي ينتهجها ترامب، والتي بلغت حد الحصار الخانق، لكنه لن يستطيع إلغاءها بنحو كامل، فهي تمثل الأداة الوحيدة التي يمتلكها الأميركيون بعيداً عن خيار الحرب الذي أسقط من حساباتهم، فضلاً عن اقتناع بايدن وإدارته المقبلة بأن الولايات المتحدة لم تعد اللاعب الوحيد على الساحة الدولية.
الدور الأميركي
يجزم أستاذ العلاقات الدولية بأن كلاً من إيران والولايات المتحدة يفضّلان خيار التهدئة والتسوية في انتظار جلاء الصورة في المشهد الأميركي، مشيراً إلى نقطة مهمة وهي أن الطاقم القادم إلى سدة الحكم في واشنطن هو طاقم «تدخلي»، وأنه خلافاً لما يُوحى به بأن الولايات المتحدة هي دولة ديمقراطية ودولة مؤسسات، فالقرار الفعلي فيها هو «للبنتاغون»، وفقاً للقارح، الذي يؤكد أن مركز القرار الأساسي هو وزارة الدفاع، مستدِلاًّ بما قاله وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو يوم تعيينه، وهو الذي يمثل الواجهة الدبلوماسية للولايات المتحدة بقوله: «لا حاجة للدبلوماسية».
وما نشهده اليوم، بحسب القارح، هو أن الدبلوماسية ستكون في خدمة قرارات «البنتاغون» الذي يمسك عملياً بقرار الحرب والسلم، وليس العكس، وكل وما دون ذلك هو مجرد تفاصيل، هذا مع وجوب عدم إغفال الحضور القوي للكتلة التي أفلتها ترامب من عقالها والتي تُقدّر بأكثر من 74 مليون ناخب، والتي قد يستخدمها ترامب لمنع وصول بايدن إلى سدة الرئاسة أو عرقلته لاحقاً بما يشبه «حرب عصابات» بالمعنى المجازي للكلمة.
لا أحد يمكنه إنكار القدرات الهائلة التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأميركية، لكن ما بات مؤكداً هو أنها لم تعد القوة الوحيدة والأولى في العالم، بعدما فقدت قدرتها العملية على فرض مشيئتها، بمعزل عن القوى الأخرى في أنحاء المعمورة.
سيحاول بايدن ومن دون شك، استعادة هذه المكانة من خلال تصحيح بعض الأخطاء التي ارتكبتها إدارة ترامب، مثل العودة إلى بعض المنظمات العالمية كمنظمة الصحة العالمية واتفاقية المناخ وغيرها، لكن ذلك بالتأكيد لن ينفي دخول العالم في مرحلة جديدة، وأبلغ مثال على ذلك ما حدث من تحول دراماتيكي في معظم دول أميركا اللاتينية، وعودتها إلى أحضان اليسار، العدو اللدود لترامب اليميني.
ترامب «الخاسر» الذي سيغادر الساحة قريباً، مثقلاً بفشله، على الأقل في مواجهة أزمة كورونا، يحاول الإيحاء بأن عدم السير في سياسة الضغط القصوى على إيران أو على الأقل تخفيفها، سيؤدي إلى استعادة الدولة النووية قوتها التي خسرتها بفعل حرمانها من معظم عائداتها المالية التي كانت تحصّلها من التجارة البينية مع شركائها الاقتصاديين، وسيتيح لها أيضاً إعادة الزخم إلى نشاطها –الذي لم يتوقف أصلاً– في دعم حركات المقاومة المصنفة إرهابية في الحسابات الأميركية، مثل «حزب الله» اللبناني وحركة «حماس» في فلسطين وحركة «أنصار الله» في اليمن، مما يرى فيه الأميركيون خطراً على الأمن القومي للبلاد فضلاً عن أمن إسرائيل.
لكن بالنسبة لمعارضي ترامب، فإن هذه الإيحاءات في غير محلها، باعتبار أن إلغاء العقوبات على إيران أو على الأقل تخفيفها سيؤدي إلى تنفيس الاحتقان والتوتر المستمرين منذ وصول ترامب إلى السلطة وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. كما أن إلغاء العقوبات سيرفع المعاناة عن الشعب الإيراني الذي دفع ثمناً باهظاً على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية وحتى الصحية، حيث إن إدارة ترامب لم تتوانَ عن منع الإيرانيين حتى من استيراد الدواء.
وبحسب معلومات خاصة لـ«صدى الوطن»، فإن الأسابيع الأربعة المقبلة ستكون شديدة الخطورة على المنطقة، ولذلك فإن القوات الموالية لإيران والحليفة لها وضعت نفسها في أعلى نسبة جاهزية تحسباً لأي ضربة أميركية مباغتة.
Leave a Reply