محادثات تشكيل الحكومة مستمرة
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
«الجو إيجابي»، هذا ما قاله رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بعد لقائه الأخير مع رئيس الجمهورية ميشال عون، معرباً عن أمله الكبير في التمكّن من تشكيل الحكومة بسرعة «لوقف الانهيار الاقتصادي ومعاناة اللبنانيين ولإعادة إعمار بيروت وإعادة الثقة والأمل للبنانيين من خلال تحقيق الإصلاحات المتفق عليها ضمن المبادرة الفرنسية».
ملفان حملهما معه الحريري إلى القصر الجمهوري، أحدهما يحوي أسماء 18 وزيراً من غير الحزبيين، جرى توزيعهم وفق الطوائف، أما الملف الثاني فقد تضمن سِيَراً ذاتية لبعض الأسماء المقترحة. لكن رئيس الجمهورية ميشال عون قدم طرحاً مقابلاً بتشكيلة متكاملة.
فكان رد الحريري إيجابياً بالحديث عن لقاء آخر قريب مع الرئيس لاستكمال المشاورات، فيما صدر بيان عن قصر بعبدا أوضح أن الرئيسين اتفقا على دراسة المقترحَين ومتابعة التشاور لمعالجة الفروقات.
ووفق المعلومات، هناك قواسم مشتركة عديدة بين الطرحين سيجري الانطلاق منها، لإزالة الخلافات.
وفي ما يتعلق بالتشكيلة الحكومية التي قدمها الحريري فقد ضمت ثلاث نساء، وستة وزراء لتيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، وستة وزراء للثنائي الشيعي، «أمل» و«حزب الله» مع «المردة» و«السوري القومي الاجتماعي»، وستة لرئيس الجمهورية مع تكتل «لبنان القوي» وحزب «الطاشناق». لكن، الأجواء الحالية، ورغم إيجابيتها، لا توحي باقتراب ولادة الحكومة، حتى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان يعتزم زيارة لبنان في 21 كانون الأول الحالي، لثلاثة أيام ولقاء عدد من المسؤولين إضافة إلى عقد لقاء موسع جديد في قصر الصنوبر، قرر اختصار زيارته ليوم واحد سيكتفي خلالها بتفقد القوات الفرنسية العاملة في جنوب لبنان ببلدة الناقورة، على أن يلتقي رئيس الجمهورية ميشال عون ويختم زيارته بمؤتمر صحافي قبل المغادرة من قصر بعبدا مباشرة.
هذه الأجواء تعني، ببساطة، ألا حكومة في المدى المنظور، علماً بأن رئيس الجمهورية بحسب ما رشح من أروقة القصر، يصر على ممارسة صلاحياته في تسمية الوزراء، لاسيما بعد أن فاجأه الرئيس الحريري باختيار وزراء مسيحيين.. كل هذه التسريبات تبقى غير مؤكدة باستثناء إلغاء الرئيس الحريري مبدأ المداورة.
دعم مهدور
هذا في الشأن الحكومي، أما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، فإن لبنان يعيش أزمة مالية عميقة لا سابق لها، تضعه أمام خيارين، إما ترشيد الدعم الحكومي للسلع الأساسية لتأجيل الانفجار، أو رفع الدعم نهائياً.
ولا شك أن سياسة الهروب إلى الأمام، هي التي أدت إلى الواقع المرير، بحسب الخبراء الاقتصاديين، فإن معدل ما أنفقته الدولة منذ بداية العام الحالي يقارب 4.5 مليارات، بمعدل 350 إلى 400 مليون دولار شهرياً ما يعني أن الاحتياطي المتبقي، قد يكفي شهراً أو شهرين فقط.
وفي معرض تبرير رفع الدعم، يقول الخبراء إن نسبة 80 بالمئة تقريباً من قيمة الدعم الحكومي تذهب إما هدراً أو من خلال تهريب السلع إلى الخارج أو عبر العمولات، وهناك 20 بالمئة فقط تُصرف للدعم الحقيقي الذي تستفيد منه الأسر الفقيرة.
سؤال كبير يُطرح أيضاً وبقوة: أين ذهبت ودائع ومدخرات الشعب اللبناني؟ أموال المودعين التي كانت تُدعم بها السلع الأساسية. هي أيضاً تبخرت مع تهريب الأموال إلى الخارج.
فهل سيعجز اللبنانيون في الأيام المقبلة عن الذهاب للتبضع والتزود بحاجاتهم الأساسية؟ هناك هاجس لدى الناس وتخوف من جراء فكرة رفع الدعم وهم محقون في ذلك. لكن ثمة مقاربات خاطئة تجاه واقع الدعم ومدى استمراريته، فوفق أرقام رسمية منشورة سابقاً واستناداً إلى ما قاله حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، فإن الدعم يكلف حوالي خمسة مليارات دولار تذهب لدعم المحروقات والأدوية والطحين الذي يعتبر الأقل تكلفة من حيث الدعم فهو يكلف نحو 130 مليون دولار سنوياً فقط، لذلك لا مبرّر أبداً لوقف الدعم عن هذه السلعة الأساسية، بينما تذهب ثلاثة مليارات للمحروقات وبينها الفيول للكهرباء، أما الأدوية فتكلف نحو 1.2 مليار في العام الواحد، أما احتياطي مصرف لبنان بحسب آخر أرقام صندوق النقد لعام 2019، فكانت 31.7 مليار دولار قبل أن يعلن سلامة بداية الشهر الحالي عن تراجع الاحتياطي إلى 16.7 مليار، ما يعني أنه خلال 11 شهراً انخفض الاحتياطي بحوالي النصف، بينما لم يكلف دعم السلع الأساسية أكثر من خمسة مليارات!
بالتالي، فإن انخفاض الاحتياطي ليس سببه الدعم الحكومي بل الهدر والفساد. فأين ذهبت كل تلك المليارات؟
المسؤولون في لبنان لا يَسألون ولا يُسألون، ولكنهم على الأرجح يعلمون من هرب كل تلك الأموال إلى الخارج.
فقر وعتمة
لبنان سيغرق في العتمة بحلول نهاية العام الجاري إذا لم يتم إبرام عقد جديد أو تجديد العقد القديم مع شركة «سوناطراك» التي كانت تقوم بتوريد المشتقات النفطية للبنان.
الطحين سيُرفع عنه الدعم باستثناء رغيف الخبز العربي، أما الأدوية فهي المصيبة الكبرى التي تنتظر اللبنانيين حيث ستصبح أسعارها خيالية يعجز عن شرائها غالبية المواطنين الذين سيعلقون بين الجوع والمرض.
من المؤكد أيضاً أن اللبنانيين سيشهدون ارتفاعاً مضطرداً في نسبة الفقر من 50 بالمئة حالياً إلى 70 بالمئة بعد أشهر قليلة، أما معدلات البطالة فحدث ولا حرج.
وبينما ينشغل الكثيرون في تحليل أسباب الأزمة اللبنانية، ثمة شبه إجماع من الخبراء على أن تكريس سياسة الزبائنية والهندسات المالية الفاشلة لمصرف لبنان هي السبب العملي لما وصلت إليه الأمور، وأن الحل لا بد أن يكون مصدره سياسياً، فالحلول التقنية والاقتصادية المجتزأة لم تعد تجدي، إنما قد تنفع فقط في إطالة أمد الأزمة وابتكار المسكنات لتأجيل الانفجار الاجتماعي.
وقد نُقل عن عدد من السفراء الأجانب تحذيرهم بأن وضع لبنان بات ميؤوساً منه اقتصادياً ومالياً، إذ أصبح في قلب الكارثة، ومع ذلك يتجاهل السياسيون الأمر ويمتنعون عن إجراء الإصلاحات التي هي السبيل الوحيد للإنقاذ.
إما سلاح «حزب الله» أو الانهيار
في خضم الأزمة، لا يفوت خصوم «حزب الله» فرصة لانتقاد المقاومة التي يحملونها مسؤولية الانهيار الوشيك متهمين الحزب بالسيطرة على مقدرات الدولة والإمساك بمفاصلها وحماية الفاسدين فيها.
هؤلاء لا يجانبون الصواب تماماً، فقد قيل بالفم الملآن مرات ومرات: إما سلاح «حزب الله» أو الانهيار.
فقد بُذلت على مر العقود، محاولات عديدة للقضاء على المقاومة كلها باءت بالفشل، سواء بالحروب أو العقوبات أو الثورات والمواجهات الداخلية.
تلك المحاولات لم تفشل فحسب، بل ازداد الحزب من بعدها تمكناً وقوة.
إذاً هي معادلة واضحة وثمنها واضح، وكل ما يُقال غير ذلك هو ذر للرماد في العيون. إسرائيل يجب أن تكون «آمنة» وليس هناك من يشكل عليها خطراً كما يفعل «حزب الله»!
لكن هذا لا يعني أنه ليس على «حزب الله» أن يعيد قراءة الموقف بتأنِّ لإيجاد حلول تجنّب البلاد الانهيار الوشيك، وتحديداً داخل بيئته الشعبية التي باتت على شفير الجوع، على الرغم مما تميزت به من تماسك ومنعة، على مدى الامتحانات الماضية. لكن في أحوال اليوم، لا أحد يمكنه التكهن بما يمكن أن يحدث. فالجوع كافر.
في انتظار معجزة
ركب التطبيع مع إسرائيل انطلق، ولبنان بعيد كل البعد عنه، بوجود مقاومته القوية، ورئيس لطالما كرر على مسمع العالم أجمع أن بيروت ستكون آخر عاصمة عربية توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، لذلك فإن الأمور مرشحة لمزيد من التدهور، وسط مآلات أحلاها مر، وليس أقلها اقتتالاً داخلياً بين أبنائه على خلفية الخيارات المتناقضة، من دون إغفال الدور الإسرائيلي عند الحدود الذي قد يفتعل حرباً بين لحظة وأخرى متوهماً أنه يستطيع القضاء على «حزب الله» هذه المرة.
لقد مرّ لبنان بأزمات كبيرة منذ نشوئه حتى اليوم، وفي كل مرة كان يتجاوزها. غير أن هذه المرة يبدو جلياً أن ثمة قرار كبير اتخذ بترك لبنان يواجه مصيره وحيداً، اللهم إلا بانتظار معجزة ما تنتشله من الحضيض الذي وصل إليه، مثل حدوث تقارب إيراني أميركي مع تسلم الإدارة الجديدة مقاليد السلطة في واشنطن.
أما سياسيو لبنان الذين يتحملون مسؤولية الخراب الحاصل، فسيتمسكون حتى آخر لحظة بوجودهم في السلطة رغم تهالكها وانهيارها، لا لشيء، سوى لإبعاد شبح المساءلة عنهم وعن أزلامهم.
Leave a Reply