وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
الإعلان الأميركي–الكويتي عن اقتراب تسوية الأزمة السعودية القطرية، لا بد وأن يترك بصماته على مجريات الحياة السياسية في البحرين، كذلك هو الحال بالنسبة لانتقال السلطة في الولايات المتحدة من الجمهوريين إلى الديمقراطيين مع وصول جو بايدن المرتقب إلى سدة الرئاسة.
أولى انعكاسات الحلحلة الخليجية الموعودة على البحرين، ظهرت في اللقاء المفاجئ الذي عُقد في قصر المنامة بين الملك حمد بن عيسى ورجل الدين الشيعي البارز الشيخ عبدالله الغريفي، بعد تسعة أعوام على آخر اجتماع عُقد بين الرجلين عام 2009.
لم يصدر أي تعقيب على اللقاء من الطرفين، لكنه بطبيعة الحال تناول غالبية القضايا الخلافية، ولا بد من التريث بعض الوقت قبل الحكم على فشله من عدمه.
غير أن ولي العهد الذي يتبوأ منصب رئيس الوزراء الحالي، والذي لم يكمل شهراً واحداً في موقعه الجديد، لا يتوقع منه الكثيرون إجراء تعديل جوهري على ممارسات القصر السابقة، وطريقة تعاملها الإلغائية مع المعارضة، بالرغم مما تمثله من ثقل شعبي على الأرض، هذا إن لم يكن خير مكمّل لما سار به أسلافه، لكنهم في الوقت عينه يفضلون التريث لفترة كافية قبل إطلاق حكم نهائي على أدائه السياسي، فيما لا تحتاج المسألة إلى أكثر من عدة أسابيع.
يُعرف عن الشيخ الغريفي ميله إلى الاعتدال وعدم التصادم، وهو الذي اعتمد خطاب التهدئة مرات عديدة، لكنه يمتلك من الخبرة والمصداقية ما يجعله متيقظاً إزاء الوقوع في فخ «التطويع» الذي يمكن أن تكون قد نصبته له السلطة الحاكمة لأخذ غطاء منه لتحالفاتها الجديدة –وهو صاحب المكانة المعتبرة والمرموقة– أي الغطاء لاتفاق التطبيع مع إسرائيل، المرفوض على الصعيد الشعبي رفضاً قاطعاً..
كثيرون رأوا في لقاء الملك بالغريفي محاولة لاستدراج المعارضة إلى مكان لم تختره بنفسها، وسط أجواء الرفض اللافتة التي عمّت غالبية مدن البحرين عقب اتفاق التطبيع مع إسرائيل، الذي يرى فيه غالبية البحرينيين خيانة للقضية العربية والإسلامية الأولى وهي قضية فلسطين.
هي خطوة إيجابية يأمل بعض المعارضين ترجمتها عملياً، ولكنها في الوقت عينه تردهم إلى ما حصل عام 2000 يوم بادر القصر إلى مغازلة المعارضة وقدم إليها تنازلات لافتة سرعان ما تراجع عنها، وكان الصراع على الحدود مع قطر في أوجه وقتذاك، على خلفية ملكية جزر «حوار»، ما يعني أن الخلاف مع قطر ليس ناشئاً، وقد اتخذته السلطات ذريعة لاعتقال الشيخ علي السلمان، الأمين العام لـ«جمعية الوفاق» الإسلامية –أكبر تنظيمات المعارضة والتي كانت تعمل وفق قانون الجمعيات البحريني– بتهمة التخابر مع قطر، حيث حُكم بالسجن المؤبد.
ويُشارُ إلى أنه في أيلول (سبتمبر) 2016 أيّدت محكمة الاستئناف البحرينية قرار إغلاق وحل «جمعية الوفاق»، التي قادت حركة الاحتجاج الشعبي السلمية في البحرين والتي طالبت وما تزال بإصلاحات في نظام الحكم منذ شباط (فبراير) عام 2011.
وتأكيداً على تجذر الخلاف مع الدولة العربية الجارة والشقيقة، قطر، أصدر مجلس النواب البحريني بياناً أعلن فيه أن مملكة البحرين ترفض أية مصالحة مع قطر، في ظل وجود خلافات عالقة بين البلدين، وذلك في أول رد فعل رسمي على بيان الكويت الذي كان قد أعلن الاتفاق على حل الخلاف بين الأشقاء، حيث أعرب أمير الكويت في الخامس من كانون الأول (ديسمبر) الحالي عن سعادته بالاتفاق على «حل الخلاف بين الأشقاء، والحرص على التضامن الخليجي والعربي».
تعثر المصالحة
لكن مصادر مطلعة كشفت لـ«صدى الوطن» عن تأجيل القمة السنوية لدول مجلس التعاون إلى الشهر المقبل، بعد فشل مساعي التوصل إلى اتفاق نهائي على شروط المصالحة مع قطر، وكان من المتوقع صدور إعلان في هذا الصدد بالتزامن مع القمة التي كانت مقررة هذا الشهر. التأجيل جاء بحسب مصادر مطلعة بعد فشل مساعي التوصل إلى اتفاق نهائي على شروط المصالحة مع قطر إثر توسط الولايات المتحدة والكويت، لإنهاء الخلاف الذي دفع السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى فرض مقاطعة دبلوماسية وتجارية على الدوحة قبل ثلاثة أعوام.
ضد التطبيع
بالعودة إلى موقف المعارضة من التطبيع، فقد رفضته شخصيات معارضة بحرينية بارزة على رأسها المرجع الشيعي الأول في البحرين آية الله الشيخ عيسى قاسم، والذي يعيش في المنفى في إيران، فقد دعا شعوب المنطقة إلى المقاومة، وقال إنه يعارض التطبيع، واعتبر أن اتفاقي التطبيع اللذين توصلت إليهما الإمارات والبحرين الشهر الماضي يتعارضان مع إرادة الشعوب، وإن هناك هزيمة نفسية تعيشها الحكومات ويُراد فرضها على الشعوب، التي عليها أن تقاوم هذه الهزيمة.
بدوره، القيادي في المعارضة البحرينية الشيخ حسين الحداد، قال إن النظام في البحرين يعامل شعبه كأنهم رعاع، وهو الذي يصدر القرار وينفذه، بمعنى أنه يفكر بإرادة منفردة عن إرادة الشعب، وإن الشعب بكل أطيافه من السنة والشيعة يرفض أساس التطبيع منذ قديم الزمان وليس الآن فقط، وهو يعي جيداً قضية الاحتلال الإسرائيلي وفلسطين. وأوضح الشيخ الحداد، أن أميركا جعلت من إيران شمّاعة تخيف بها دول الخليج، بينما الدرع الحصين للمنطقة هي إيران، بحسب تعبيره، مؤكداً أن «دول المنطقة قد أغمضت أعينها عن «البعبع» الحقيقي وهو كيان الاحتلال الإسرائيلي المزروع وسط الكيانات المطبّعة معه، كي تصبح في المستقبل كلها عبيداً للاحتلال الإسرائيلي».
شخصيات معارضة، توقفت عند خطوة الحكومة قبل أسبوع من إعلان اتفاق التطبيع مع إسرائيل، والتي قضت بإصدار مرسوم ملكي في الثالث من سبتمبر يحد من عدد المتحدثين في البرلمان يومياً ويحظر الانتقاد أو اللوم أو الاتهامات التي وُصفت بأنها قد تضر بمصالح البلاد، وذلك في إجراء وقائي إزاء المعارضة المتوقعة للاتفاق داخل البرلمان.
وغرد ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة تحت وسوم متعددة مثل «أنا بحريني والنظام البحريني لا يمثلني» و«التطبيع خيانة».
محاولة تلميع بائسة
لمناسبة العيد الوطني في البحرين، وجرياً على عادة السلطات الحاكمة في استغلال المناسبات العامة لتلميع صورتها، أصدر الملك حمد بن عيسى آل خليفة أمراً بالإفراج عن عدد من المعتقلين، وأكد ناشطون أن قائمة من 48 معتقلة جنائية شملهن الإفراج، من دون معتقلة الرأي الوحيدة، زكية البربوري.
وقد أوضح الناشطون أن المعتقلات هن 18 بحرينية و30 أجنبية، بينما لا تزال البربوري قيد الاعتقال في ظروف غير قانونية ولا إنسانية، علماً بأن الشروط التي وُضعت للإفراج مستوفاة، بتجاوزها نصف مدة محكوميتها الجائرة.
السلطات البحرينية لديها سجل حافل بالانتهاكات الحقوقية لدى النساء كما هي الحال لدى الرجال، ويخشى الكثير منهن التحدث عن سوء معاملتهن خوفاً من العواقب، وخير دليل قضية الناشطة إبتسام الصائغ التي اعتُقلت وعُذِّبت في العام 2017 بسبب عملها الحقوقي، فقد أخضعت السلطات الصائغ للتحقيق مرات عديدة بسبب مشاركتها في آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاجتماعات الدورية لمجلس حقوق الإنسان.
رسالة إلى بايدن
في السياق عينه، قامت 18 منظمة حقوقية بما في ذلك منظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين ADHRB، ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية BIRD، والمركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان، بإرسال رسالة تهنئة للرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، تحثه فيها على ضمان عودة الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى صدارة اهتمامات السياسة الخارجية الأميركية، ولاسيما وسط تدهور الأوضاع السياسية في البحرين.
وتوقفت الرسالة عند جوانب مختلفة مثل الهجوم المنهجي ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والذي تفاقم منذ أن حلّت البحرين جميع أحزاب المعارضة السياسية عام 2017، كما تسلط الضوء على حالات السجن ظلماً التي يتعرض لها قادة المعارضة والمدافعون عن حقوق الإنسان حيث يقضون عقوبات مطوّلة في سجون مكتظة وغير مؤهلة صحياً، ويعانون من التعذيب وسوء المعاملة، كما يُحرمون من الرعاية الطبية المناسبة كنوع من العقاب. كذلك ركز الموقعون على «حالات الضعف المتزايد التي تفتك بالقادة السياسيين المسنين والذين يعانون من أمراض صحية مزمنة»، مثل حسن مشيمع، خصوصاً وسط تفشي فيروس كورونا.
كما وثّق الموقّعون على الرسالة «قمع الحريات المدنية والصحافية» حيث يتم تطبيق القوانين القمعية للجرائم الإلكترونية لاستهداف شخصيات المجتمع المدني. وفي خلال الفترة الممتدة بين حزيران (يونيو) 2018 وأيار (مايو) 2019، تم اعتقال أو احتجاز أو محاكمة ما لا يقل عن 21 فرداً بسبب نشاطهم عبر الإنترنت، بمن فيهم أصحاب حسابات إلكترونية اعتبرتها الحكومة كيدية.
الجدير ذكره أن حالات الاعتقال التعسفي ازدادت مع بداية جائحة كورونا، حيث حظرت الحكومة انتقاد سياستها تحت طائلة العقوبة.
وحتى في السجن، يتعرض السجناء السياسيون للمضايقات بسبب انتقادهم للإجراءات الحكومية غير الكافية للوقاية من جائحة كورونا داخل السجن، ومنهم الصحافي محمود الجزيري الذي وُضع في الحبس الانفرادي بسبب ذلك.
كذلك لفتت الرسالة، الانتباه إلى التطبيق المتزايد لعقوبة الإعدام في البحرين، حيث يوجد حالياً 27 شخصاً ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بحقهم، فضلاً عن وجود 25 آخرين «معرضين لخطر الإعدام الوشيك».
وتؤكد مصادر في المعارضة أن غالبية أولئك السجناء أُدينوا على خلفية اعترافات انتُزعت منهم بالإكراه وتحت التعذيب.
واختُتمت الرسالة بتوصيات تركز على إطلاق سراح شخصيات المعارضة السياسية وضمان تعويض عادل لضحايا انتهاكات الحكومة، وعلى إلغاء الحظر المفروض على جماعات المعارضة، فضلاً عن «ضمان الحفاظ على مبادئ حقوق الإنسان واحترامها عند بيع الأسلحة أو تقديم الدعم العسكري للبحرين».
المعارضة
موقف المعارضة من التطبيع بات واضحاً وهو الرفض القطعي، أما مآل الحراك السلمي الذي بدأته هذه المعارضة منذ 2011 فغير واضح، في ظل الضغط المتواصل من قبل السلطات البحرينية، والتي تحظر كل أشكال التعبير عن الرأي حتى السلمية منها، بدعم من جارتها السعودية.
فالبحرين، الدولة العربية الأصغر والتي لا يتجاوز عدد سكانها 1,234,571 نسمة، منهم 666,172 نسمة من غير المواطنين، والتي لا تزيد مساحتها على 780 كيلومتراً مربعاً، تعتمد منذ فترة طويلة وبنحو كبير على حليفتها المقرّبة السعودية، وقد حصلت على حزمة إنقاذ مالي قيمتها عشرة مليارات دولار عام 2018 من السعودية والإمارات والكويت، كي تتجاوز محنة اقتصادية كبيرة، ما يطرح السؤال حول الأثمان التي ترجوها هذه المملكة التي لا تمتلك مقومات البقاء من دون مساعدات خارجية تتلقاها من حلفائها، وتوظفها في خدمة فئة قليلة محظيّة، تدور في فلك النظام وأتباعه.
Leave a Reply